-1- جواد موسى الأنصاري: حزب الله أول ضحايا quot;انتصارهquot; في بيروت
أنا آسف جداً لهذه المقارنة. ولكنه مكر التاريخ. فنصر الله ليس سفاحاً، ولم يكن سفاحاً كشارون، كما أنه ليس لديه علم ومعرفة وخبرة شارون العسكرية الطويلة. ولكنه بدون شك ذكي ونبيه وطلق اللسان كشارون. ونرجو أن يثبت نصر الله بجدارة، بأنه ليس شارون
الثاني، في فترة احتلاله لبيروت، ويحفظ دماء اللبنانيين. ولكن بغض النظر عن الفوارق الكثيرة بين الاثنين، إلا أن التاريخ يقول لنا، بأن قائدين اثنين استطاعتا احتلال بيروت احتلالاً نادراً. فشارون كان أول قائد عسكري صهيوني يدخل أول عاصمة عربية كبيروت ويحتلها. وحسن نصر الله كان أول زعيم ديني شيعي يدخل بيروت السُنيَّة ويحتلها مع الجناح الشيعي الآخر ( حركة أمل). وكأن مقولة أحدهم التي قالت بأن العسكرتاريا الشيعية، سوف تسيطر على خط طويل من البصرة إلى غزة مروراً ببيروت، قد تحقق الآن. فأصبحت الشيعية الإيرانية تحتل وتسيطر على مدن عربية ثلاث بينهما عاصمة عربية مشهورة. وهذا نذير شؤم للعرب السُنَّة والشيعة بوجه عام.اقرأ ايضا:
نبيل شرف الدين: لبنان.. حين يصبح الانقلاب حلاً
ولنتذكر جيداً، بأن التتار قد غزوا بغداد في عام 1258 م ، وزحفوا إلى الشام ومصر، في عهد الخليفة المستعصم بالله، ونهاية عهد العباسيين الثاني، نتيجة للصراع الذي كان قائماً بين السُّنة والشيعة في العراق. وأن مؤيد الدين العلقمي، وزير المستعصم بالله، قد ساعد التتار في ذلك، انتقاماً من السُنَّة في ذلك الوقت. بل إن الفاطميين أيضاً، دعوا الغرب (الفرنجة) إلى احتلال بلاد الشام، لكي يكونوا جداراً عازلاً، بينهم وبين دولة السلاجقة القوية آنذاك. وهو درس من دروس التاريخ البليغة والدامغة، التي تتكرر اليوم أمامنا. ونحن نريد أن نبتعد قدر الإمكان عن تصوير احتلال بيروت اليوم، بأنه احتلال مليشيات شيعية لمدينة سُنيَّة. ولكن هذا هو الواقع، الذي لا يستطيع المحب والمبغض لهؤلاء وأولئك أن يخفيه، مهما ملك من سحر البيان، وقوة الحجة. فالمليشيات (المقاومة) التي احتلت بيروت لم يكن بينها مسلمون سُنَّة كما لم يكن بينها مسيحون أو أرمن إلا للزينة ndash; ربما ndash; وإبعاد تهمة التشيّع من هذا الاحتلال المفزع، ليس للأطراف الإقليمية المتحاربة (أمريكا وحلفاؤها من جهة، وإيران وحلفاؤها من جهة أخرى) ولكن لنا جميعاً.
-2-
فمهما كان المحلل السياسي منصفاً وموضوعياً، وبعيداً عن الخبث، وسوء النيّة والطويّة، وقلّة الوطنية، والدسِّ والجاسوسية للغرب وإسرائيل، وإثارة النعرات الطائفية (وهي كلها صفات كتّاب يعابثون الحقيقة) والحكم بميزان الذهب للأحداث الجارية، فلا بُدّ أن يربط ما يحصل الآن في بيروت، بما قاله قبل أيام، أحمدي نجاد من أن quot;إيران اليوم أقوى دولة في العالم، ولا يستطيع أحد قهرها. وأن المهدي المنتظر هو القوة السحرية التي تحرك عظمة إيران الآن، وتهزم أعداءها.quot;
فهل بعث أحمدي نجاد بالمهدي المنتظر للبنان، لكي ينصر حزب الله وحركة أمل، ويمكنهما من الاستيلاء على بيروت في ساعات معدودات، ومحاصرة قصر الحريري (في قريطم) ومسكن وليد جنبلاط (في كليمنصو) اللذين استغاثا بالجيش اللبناني، فلم يغثهما، لأن قائد الجيش (ميشال سليمان) يريد الضوء الأخضر وورقة العبور من المعارضة للجلوس على كرسي الرئاسة، وليس من الموالاة، التي قالت له quot;نعمquot; منذ اللحظة الأولى لترشحه، ولكنه ظل وراء الباب منتظراً حاسراً، يطلب الإذن من المعارضة للجلوس على العرش، فلم تأذن له ذلك حتى الآن؟ وكانت فرصته الكبيرة في هذا الموقف، لكي يُطمئن قلبها ويُرققه، ويشرح صدرها، ويدفع ميشال عون (الوريث quot;الشرعيquot; للعرش) لأن يقول بعد الاستيلاء على بيروت: quot;مبروك للبنان، ولنا، ولجميع اللبنانيين.quot; فقد حرر شيعة لبنان الوطن، في يوم النصر العظيم، وأعادوا له استقلاله!
-3-
ومن الخبث، وسوء النيّة والطويّة، وقلّة الوطنيّة، القول أن الاستيلاء الشيعي على بيروت، يُذْكرنا بما قاله حزب الله، وكتبه في عام 2002 على لسان نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله، في كتابه المعروف (حزب الله : المنهاج والتجربة والمستقبل، دار الهادي، بيروت، 2002 ، ص 39) كمقدمة أو (مانيفستو) لإقامة جمهورية إسلامية على غرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية. فـ quot;حزب اللهquot; سبق له أن أقام جمهورية لبنانية إسلامية مصغرة في الجنوب اللبناني، كمثال حي. فيها كل الخدمات الخاصة من جمع القمامة إلى الاتصالات السلكية واللاسلكية. ولا يدخلها إلا من آمن قلبه (حاول كريم بكزاد عضو الحزب الاشتراكي الفرنسي في 28/4/2008 دخول المربع الأمني لحزب الله، فتمَّ اعتقاله.) ومن يزر الجنوب اللبناني وضاحية بيروت الجنوبية، لا يمكن له أن يتصوّر نفسه أنه في لبنان ذي المجتمع المتحرر الليبرالي المفتوح. فالنساء في جمهورية لبنان الإسلامية المصغرة محجبات، وصور الزعماء الإيرانيين تنتشر في كل مكان، بدءاً من الخميني وانتهاءً بخامئني، فلا أثر لإبطال الاستقلال كبشارة الخوري ورياض الصلح. وأسماء المؤسسات الخيرية والمستشفيات والمدارس أسماء من التاريخ الشيعي المحض. والمجتمع اللبناني الجنوبي مجتمع متشدد مغلق، وبمقارنته بمجتمع شمال لبنان، أو مجتمع بيروت، فهناك على الأقل فارق زمني، يقدر بمائة سنة على الأقل.
-4-
ومن الخبث، وسوء النية والطوية، وقلّة الوطنية، تذكر الآن وفي ليل بيروت الداج الحزين، ما قاله الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله، في كتابه (حزب الله: المنهاج والتجربة والمستقبل، ص 38):
quot;وإذا ما أُتيح لشعبنا أن يختار بحرية شكل نظام الحكم في لبنان، فإنه لن يُرجّح على الدولة الإسلامية بديلاً. ومن هنا ندعو إلى اعتماد النظام الإسلاميquot;.
ويُعقّب الشيخ نعيم قاسم بقوله:
quot;إنه نص واضح على إقامة الدولة الإسلامية اللبنانية، طالما أن الظروف تسمح بذلكquot;. (المصدر السابق، ص 39).
والمقصود بالطبع هنا إقامة دولة إسلامية، على غرار ما هو قائم الآن في إيران، بحيث تكون quot;القيادة الشرعية للولي الفقيه، الذي يرسم الخطوط العريضة للعمل في الأمة، وأمره ونهيه نافذانquot; (المصدر السابق، ص 23).
فهل احتلال بيروت بهذه السرعة، وبهذا النجاح المدوي، الخطوة الأولى نحو إقامة جمهورية لبنان الإسلامية، أم أننا نُخرّف، ونحلم أحلام اليقظة وكوابيسها؟
آمل ذلك.
السلام عليكم.
التعليقات