تابعت وسائل الاعلام احداث افتتاح المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي الاسبوع الفائت واستمر ثلاثة أيام وذلك في مكة المكرمة، والذي هدف ndash; على حدّ تعبير المنظمين - إلى التأصيل الشرعي لمفهوم الحوار الإسلامي مع أتباع الأديان والثقافات في العالم.
وقبل الدخول في حيثيات محاور الموتمر والمشاركين فيه والمضامين المطروحة، فإن الانطباع الاول المبدئي يعكس انتفاء الحوار وقيمه وذلك من خلال ثلاثة امور واضحة للعيان: الاول عنوان المؤتمر quot; التأصيل الاسلامي للحوارquot;، وثانيًا غياب العنصر النسائي والنخب اللبيرالية عن المؤتمر، ثالثًا: المكان في مكة حيث يمنع دخول غير المسلمين أصلا.
فالعنوان يحمل في طياته تناقضًا صارخًا، إذ كيف يستقيم الحوار اعترافًا بالآخر وقبولا به مع الانطلاق من العقائد المقدسة التي لا تسمح اصلا بالتجديد فيها، على حد الاقوال المعتمدة عند الفقهاء، حيث أن هناك امور لا يمكن الاجتهاد فيها ولا القياس عليها ولا اعمال العقل بمضامينها، وتصنف بأنها خطوط حمراء لا يجوزالمساس بها!
أما الامر الثاني فهو الغياب شبه التام للعنصر النسائي وللنخب الليبرالية والعلمانية عن المؤتمر، وهنا يتسائل الانسان كيف للمسلمين ان ينفتحوا على الاخر ويتسامحون معه - وهو غير مسلم- في الوقت الذي يمارسون فيه عنصرية بالغة تجاه ابناء جلدتهم من الليبراليين وتجاه المرأة حتى تلك المصنفة بأنها quot;مسلمة quot;، فهي مستبعدة من الافتاء والقضاء ووولايتها منقوصة على حد تعبيرهم..؟!
لا أريد بحال من الأحوال أن أتبنى موقفًا مسبقًا، او دور المتذّمرالدائم، غير ان متابعة الشأن العام الاسلامي والثقافي منه تحديدًا، تدفع بالانسان الواعي الى حافّة اليأس، الذي يبقى له ثمة تساؤلات مشروعة حول مجريات الامورأهمها:
ما هو الجديد الذي قُدم في المؤتمر إن من حيث الشكل أم المضاميين الفكرية؟ هل المشاركون قادرون على احداث تغيير حقيقي في البنى المؤسسة للخطاب الديني عبر ممارسة الفكر النقدي؟ وهل هذا المؤتمر قادر على احداث هزة في الوعي الانساني وتحقيق تأسيس رؤية عقلانية عن التسامح؟؟ هل خرج المؤتمرون بأسس منطقية جديدة للحوار تخرج عن اطار التأصيل العقائدي المغلق؟
هل ما حصل يؤسس لنواة انطلاقة انفتاح؟أم أنه لا يعدو عن كونه دعاية تعيد اجترار شعارات مستهلكة، الغرض منها الخروج للرأي العام العربي منه والغربي بأن الأمور على ما يرام والأوضاع الفكرية تمام، وابعادًا للتهم الموجهة للعالم الاسلامي بأنه لا يجيد الحوار... فانظرايها العالم 500 شخصية quot;إسلاميةquot; يبحثون عن آلية تأصيلية للحوار مع الآخر !
من نافلة القول ان الامم كافة تحتاج الى انفتاح وحوار يتجاوز الدعاية والتوصيات المدرجة في الملفات إلى الفعل وذلك لا يتبلور إلا عبر محاور ثلاث هي: نقد الموروثات الثقافية، والخروج من دائرة العنف وإرساء التسامح.

تفكيك الخطاب الايديولوجي المؤسس للممارسات:
إن الحوار الحضاري لا يتمّ إلا عندما يتحمل علماء الأديان النقديين (واكرر النقديين) والفلاسفة والمفكرين والنُخب مسؤولياتهم في البحث في مشكلات المضمونquot;المعنى المقدس quot; ليس داخل الموروث الحيّ الخاص بدينهم أو بطائفتهم وإنما في تراث جميع الأديان, حيث يتمّ تجاوز quot;الايديولوجيات quot; المغلقة لكل الأطراف, بهدف تحقيق قواعد التواصل ما بين quot;الذوات quot; الذي هو أساس التوصل إلي الإجماع والإقناع, وهذه القواعد تُطبّق فيما وراء إكراهات أنظمة quot;التصوّرالسائدquot; والقيم الخاصة، بكل بقعة جغرافية او تاريخية موصوفة باسم الحضارة.
إن الحوار يدار حاليًّا من قبل عناصرquot;مؤدلجةquot;، في حين يجب ان يقاد من قبل متخصصين ينظرون في المستجدات خصوصا بعد القطيعة التاريخية بين المعتقد الديني وعوامل الحداثة، وذلك من خلال تحليل الخطاب وتفكيكه ونزع الغطاء عن الخطابات والكليشيهات التي تمثل في المجتمع بشكل يومي، وأن تضع على المحك النقدي ما يستهلكه الدعاة والمناضلون السياسيون بدءا من الأصوليين وصولا إلى الليبراليين، وتحليل ما يعتمدون عليه وكأنه حقيقة يقينية، فحتى بعض العلمانيين متشنجين حيال كل ما هو مسلم، وهذا ينم عن نقص معرفي خصوصا فيما يتعلق بالعلوم الإنسانية والاجتماعية،كما ان المواقف المتطرفة التي يتخذونها تمنعهم من فهم الحاجة الدينية أو دراستها بشكل صحيح.
مسألة العنف:
وهي ترتبط أولا بإدراكات وتجارب، وبأفعال وردود أفعال تتباين المواقف حولها بتباين الاستراتجيات والمواقع، مما يفتح الباب أمام كلّ الاحتمالات، بما فيها حرب التعريفات؛ وثانيًا، أن كلّ حديث عن العنف يحمل في طياته اتهامات تجاه الطرف الموصوف بالعنف كما يحمل حكمًا على هذا الاخر بوصفه عنيفًا من خلال إتهامه وتجريمه.
و ربما من الأجدى أن نفكر في الحد من العنف عبر الاعتراف أولا بأنه يسكننا ويطبع تركيباتنا الاجتماعية والثقافية والدينية، وبالتالي لابد من التعامل معه على هذا الأساس،لان المقولات المثالية مثل اطروحتي quot;السلم الدائمquot; وquot;العدل التامquot; يؤدي الى الدخول في المطلقات في السياسة؛ كما أن ما تسميه اليوم بعض التيارات الاسلامية quot;بالنظام الإسلاميquot; أو quot;المنهج النبويquot; يدخل مطلقات دينية في صميم الممارسات السياسية، وهذا خطر على المجتمعات إذ أنه يفتح باب تفشي العنف بدل الحد منه، ويسد باب والاتفاق في ظل السلم النسبي.
تأسيس رؤية عقلانية عن التسامح:
وهي إحدى القضايا الأكثر جوهرية، والسؤال الذي يطرح دائمًا حول أي منظومة قيم تلك القادرة على بناء التجانس والإنسجام الفعلي في كينونة الفرد والجماعة والأمة والثقافة والدولة تجاه النفس والآخرين
بيد أن عملية تأسيس بنى التسامح ليست فعلا إرادويًّا محضًا، بقدر ما هو تراكم لصيرورة القيم بوصفها منظومة متكاملة. فلكل جماعة بشرية منظومتها الفكرية والعقديّة الخاصّة عن التسامح مما يجعل الأمر جزءًا من معاناة الامم نفسها؛ لذلك يبدو التسامح قيمة نسبية ومطلقة في آن، فهي قيمة نسبية لانها تختلف من أمة لأخرى ومن دين لآخر، وهي مُطلقة داخل المنظومة الثقافية الواحدة.
كلمة أخيرة
إن الحوارات الجادة هي تلك القائمة على الاعتراف المتبادل لثقافات العالم بين بعضها البعض, وهذا يحتاج الى توفير أجواء ديموقراطية على الأقل, وللأسف الفضاء الثقافي العربي الحالي لا يسمح الا بنقاشات سطحية، مع وجود بعض الاستثناءات عند نخبة من المفكرين التي توصل رسالتها بشكل غير مباشر,حيث ان الحوار في الأمورquot; المقدسةquot; يثير حفيظة معظم العقليات quot;المؤدلجةquot; , التي تلتزم بإطلاق الأحكام وقد تصل لدرجة إلغاء الآخر وإخراجه من دائرة المجتمع، فساحة النقاشات خاضعة للمراقبة من قبل السلطات الدينية والسياسية.
من جهة أخرى فالغرب إن لم يكن يعاني من أثر السلطات المذكورة إلا أنه يعاني من موقف علماني متطرف، لا يفهم quot; الظواهر الدينيةquot;, ولا أبجدياته، فخوض حوار في الغرب حول الثقافات والأديان ليست بالأمر السهل لانه سيواجه بجهل على مستوى quot;فهم الأديانquot; عند شريحة كبيرة من الناس!
كاتبة لبنانية
[email protected]
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com