بين المعسكر quot;الإيراني quot; والمعسكر quot;الأمريكي quot; مشهد مثير لصراع الجبابرة بالعرض البطيء، بين اللاعب quot;السوريquot; والمُناور quot;الإسرائيلي quot; تنهيدةُ تربّص لمحاولةٍ محتملة ٍعلى المدى المفتوح لضربة جزاء أو ضربة تعدّي أو ضربة معلم، قد تؤدّيها سورية التي تُميّز دورها منذ عدّة جولات على أكمل وجه، بين المُحكم quot;التركي quot; الذي تقدّم بضعة أشواط على المحترف quot;الفرنسي quot; الآيل إلى الفتور السياسي الهامد نسبيّا، ريثما يستعيد لياقته الدبلوماسية، ومرونته في تصدير الضغوط لكسب طرف على حساب طرف آخر من جديد، بين quot;حزب الله quot; الهدّاف الأوفر حضورا وحظوظا هذه الدورة السياسية بامتياز والمهاجم الأصعب لتيار المستقبل الذي آثر مُدرجات الترقّب والمُشاهدة يقينا منه ربّما بحكمة الخواتيم على طيش البدايات، بين تحرير وسط بيروت التجاري من قبضة المعارضة اللبنانية وتحرير نسيم نسر من المعتقلات الإسرائيلية بمقايضة عادلة تمّت على الشكل التالي: أسير واحد حي مقابل أشلاء ثلاث جثث إسرائيلية مدّخرة لتقايُض مماثل لا يعلمه إلا الله وحزبه، ولا يقرّه إلا الفقيه وورثته على الأرض، بين حرق بيروت وحرق الإطارات المطاطيّةوحرق قلوب الثكالى المفجوعة على أبنائها وحرق المراحل لكسب الوقت اعتبارا من 7 أيار 2008 مرورا باتفاق الدوحة في 21 أيار وصولا إلى انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية quot;ميشيل سليمان quot; وما توالى ضمن الفترة المذكورة من أحداث مذهلة وتصعيدات هائلة أسفرت عن قتلى وجرحى ومصافحات آنيّة كثيرة وإرباكات مؤجلة أكثر، نهضت تظاهرة quot;الماراتون quot; في 2 حزيران من الشهر الجاري انطلاقا من ساحة الشهداء لما لهذه الساحة من صور متعاقبة وذاكرة تراكمية مكتظّة بالغيظ المُتبادل، لتعلن فرحا استثنائيا أشاع البياض والبسمة بعد عام ونصف من الحزن والشلل والشحوب، سبقتها سلسلة من الحفلات الفنية لكبار النجوم في المكان عينه استقطب كما الماراتون كل الأهالي على اختلاف انتماءاتهم المذهبية والطائفية والعقائدية، رغم أنف كل الخلافات السياسية الضارية، إذن لبنان دخل مرحلة جديدة من الاستبشار خيرا واستعادت الناس بقدرتها الاستثنائية على التكيّف والنهوض بهجتها وفرحها وتفاؤلها وإن على مضض، فالواقع السياسي بكل حيثياته الخارجية ينعكس بشكل مُباشر على الوضع الداخلي بلا استثناء، والغريب أن عوامل الربط الخارجية متاحة باستمرار لتهديد الأمن في بيروت وما يتفرّع عنها من مناطق وتيارات، ولعلّ لبنان الذي يختلف في المنطقة العربية منهجا وأسلوبا ودستورا وشعبا وأحزابا وزعامة وقناعات، هو كذلك يختلف اختلافا جذريا بنسبة التأثّر الخارجي التي تنعكس انعكاسا مباشرا تضطّره للبدء ربما من نقطة الصفر في معظم الخلافات الدراجة والمستوردة خصيصا لإعادة تشكيله المفصلي في المنطقة وهندسة دوره الحيوي الفاعل في تركيبة المعادلات السياسية ضمن موازين القوى، وكأنّ لبنان عبارة عن ورقة يانصيب في مهب القرارات والقوى الكبرى، أو ورقة بوكر على طاولة اللعب الدائر في المرابع الدولية السياسية التي تحتفظ بلبنان عادة للحظة الحاسمة، الغريب أنّ جميع العوامل الداخلية في لبنان من أحزاب وطوائف وتيارات وعقائد وحتى محايدين، هم بمثابة عناصر مسانده ومساعدة لتوسيع نطاق الاحتمال بتوضيب كافة الفرص لتعزيز حَلَبِةِ الدوامة التي لا تنتهي حتى وإن تبدّى الأمر على خير ما يُرام، إذ أنه دائما ثمّة تسهيل لنشوء المتاهة واستمرارها على كافة الأراضي اللبنانية قاطبة، وهنا تكمن المُفارقة، فبانعدام شرعية الحكومة التي كانت تشيعها وسائل المعارضة الإعلامية على الدوام كانت الأزمة السياسية قائمة في لبنان تتلازم وتتزامن مع جميع المُستجدات الخارجية الإقليمية والدولية على حدّ سواء، وكأنّ الحالة السياسية في لبنان هي أشبه ببورصة يتحكم بها كل المساهمين الجدد والقدامى وما بينهما، السؤال وبعد أن استردت الحكومة اللبنانية تكليفها الشرعي لتشكيل الحكومة الوطنية القادمة بموجب اتفاق الطائف سابقا وبمباركة فعلية من اتفاق الدوحة لاحقا، لماذا لا تكون الحكومة اللبنانية حصانة أكيدة للشعب اللبناني على اختلاف اتّجاهاته من التأثيرات الخارجية المُتحكّمة بدرجة فتور الأحداث أو غليانها، إن من جهة الناس وما ينتابها من المخاوف والكوابيس بعودة العنف إلى الساحات والشوارع والأزقة والنفوس التي تعاني وتشيع تلك الهواجس فيما بينهما وتتداولها كخبزها اليومي، وإن كانت تتحلّى عموما بالابتسامة والتفاؤل والصبر، أو من جهة استعداد كافة الأطراف الحزبية والزعامات السياسية والتيارات المسيطرة بقوّة السلاح خاصّة والتي تهدد ودون سابق إنذار الأمن الوطني في لبنان إرضاء لغايات ودول وإرادات وقوى تبين في جملة ما تبيّن أنّ كل ما يجري ما هو إلا في سبيل تفاصيل صغيرة تبدأ بعناوين عريضة جدا وتنتهي إلى ثلّة من المصالح والأطماع والمطالب والنفوذ لا أكثر ولا أقل. فهل الديمقراطية اللبنانية هي التسمية الفرعية أم الفعلية لمفهوم الدوامة؟..
وهل هي الديمقراطية التي أتاحت فرصة التسلّح والمواجهة الداخلية، لتصير الأكثر شؤما في تاريخ الديمقراطيات، أم أنّ الحكومة التي يُمكن أن تدخل مرحلة جديدة من مراحل الصراع المقدّر والمحتمل إن لم يكن الحتمي على شرف الانتخابات النيابيّة القادمة، والانتخابات الوزارية الراهنة التي لا تخلُ من توتير في الأجواء وكهربة في النفوس وسعي متكرر لنشوب اضطرابات قد تعيدنا إلى تاريخ سابق نحاول شطبه ونسيانه بصعوبة من مخلفات الشهر الفائت 7 أيار وما تلاه، وكأنّ الطمأنينة في لبنان قدر عصيّ على الاكتمال، باختلاف دول الجوار التي تنتخب من تنتخب بهدوء وتعيّن من تعيّن بقرار، وليس من حقّ أحد على الصعيد الداخلي أن يعترض أو يعبّر عن أدنى شكوكه أو أقلّ وجهات نظره التي يجترّها بصمت ويبتعلها بغصّة، أمّا عن التدخّل الخارجي فدائما ثمّة مفاتيح وأقفال تقتصر على المشاورات المغلقة فوق الطاولات المستديرة وما تحتها.
www.geocities.com/ghada_samman
[email protected]