الثامن من آذار يوم كثيف لمناسباتٍ مُرتقبة، يوم ليس كغيره من الأيام فهو يوم مُضاعف بكل المعاني، يوم بدلالاتٍ متواترة تتعاقب فيها الدقائق والصغائر والكبائر كذلك، يوم تأسيسيّ مُتّفق عليه حتى يومنا هذا، ومن يعلم كيف سيدبّ عليه الخلاف لأيام قادمة وليس هذا بغريب أو مُستبعد فالخلاف والاحتدام بديهة من بديهيّات المرحلة الراهنة، إذ أنه لكل فئة احتفالاتها المنفصلة والمختلفة بشكل أو بآخر، ولكلّ فئة أن تسطّر عنوانها العريض للثامن من آذار كيوم خارج سياق التقويم العام من أيام السنة كبيسة كانت أم بسيطة، فمنها من يجتهد اجتهادا باهظا كي يحمّل طيّات الثامن من آذار التاريخية أكثر مما يحتمل ربّما، وها هم أتباع quot;حزب الله quot; الذين أعلنوا فريقهم باسم فريق quot;8 آذار quot; كنظراء لفريق quot;14 آذار quot;، قد دخلوا زمن المناحرات والمهاترات والمشادّات والمزاحمات والملاسنات بامتياز حصريّ لا فخريّ كما قد يُظن، ناهيك عن الملاطفة وقت الضرورة أو فيما ندر، والمماحكة التي لم تهدأ منذ ذلك اليوم المُعلن حتى اللحظة الإعلامية السارية، وكأنّ التاريخ قد تسمّر عند هذين الفريقين لا غير، والمواطن أشبه بكرة quot;البينغ بونغ quot;الهشّة يتقاذفها الفريقين عبر الشاشات الصغيرة من احتمال إلى آخر، ومن مبرر إلى مبرر لدى الطرفين، وفريق quot;8 آذار quot; جعل من يومه المُحدد هذا يوما مكتظّا بالجموع عندما حشد الآلاف من أتباعه ذات دعوة، ليجعل من هذا اليوم quot;يوم الوفاء المفتوح على سوريا ومعها quot;، سوريا التي خرجت من لبنان خروجا كسيرا تحت وابل من الهتافات المزرية وعبارات الازدراء، لتخلّف وراءها سؤالا كبيرا بعمق الهوّة المتموضعة بشراسة بين البلدين وبوسع الشرخ الرهيب القائم بين الفريقين، تُرى هل كانت سوريا على أحقية في لبنان كما تزعم، أم على احتلال للبنان كما كان يُشاع؟
وهل كانت تستحق كل هذا السخط البالغ الذي لم تفطن لتداركه من جماعة quot;14 آذار quot;، أم أنه كان لا بدّ من كل ذاك التأييد المُستفزّ من جماعة quot;8 آذار quot;؟
ثمّ هل يحقّ لسوريا فعلا أن تصمّ أذنا لتفتح الأخرى فقط، وأن تغلق عينا لتبصر بثانية لا غير، وقتها من يكون المسؤول عما ترتّب عن كل هذا التحيّز المُريب وما نجم عنه من تخريب في النفوس والعلاقات، ومن هو المسؤول عن تدمير الثقة بين الجميع وما أوصلت إليه كل آثارها الفتّاكة؟...
الثامن من آذار أيضا وأيضا إذن.. والإحداثيات المتوالية لهذا اليوم على الجرار، إنه quot;يوم المرأة العالمي quot;، مسمّى ً جديد لواقع رثّ، استثناءٌ عصريّ لزمنٍ بالٍ، بهجة مستعارة لوجع مستديم، فما هو العالميّ في عالم المرأة العربية؟...
الخلاف الدامي؟ الغزو؟ الاحتلال؟ الإرهاب؟ الصراعات المخزية؟ الفقر؟ الجهل؟ الأمية؟ العنف؟الثأر؟ الشرف؟ الجريمة؟ القضاء المُخترق؟
الإسلام المُسيّس؟ المُقاومة المُلتبسة؟ التطبيع الهزلي؟ السياسة المُتهالكة؟ التشريع الأجوف؟ الفساد؟ الرشوة؟ الارتهان؟ التبعية؟ التحليل؟ التحريم؟ التكفير؟ التدليس؟ النفاق؟ الفسق؟ الرذيلة؟ الإعلام الفتي؟ الفن المتردي؟
أم الثقافة الفضفاضة؟..
اليوم العالمي للمرأة، وإحصاءات علنية عبر وكالات الأنباء تثير رغبة حقيقية للضحك، تفيد بعدد النساء العاملات في بعض الدول النامية، ولا أعلم ما إذا كانت الدول العربية بلدان لا تزال نامية بالفعل أم أنها قد توقّفت عن النمو، بعدما عملت الأسر المتوارثة للحكم في عالمنا العربي على سحب كامل الفيتامينات والامتيازات والصلاحيات والإمكانات والمؤهلات الداعمة للتطوير والتقدم والتحديث في كل بلد من بلدان quot;الشرق الأوسخquot;، الذي بمُستطاعه أن يُفاخر بانخراط المرأة في ميادين العمل وفق جداول بالأرقام، الأرقام التي لا هوامش فيها تتحدّث جملةً وتفصيلا عن خفايا الكثير من الأمور وعن أسرار الأمراض المُستشرية في مجتمعاتٍ موبوءة بالرداءة، ذات إدارات مُتحازبة اغتصابا للمناصب لا غصبا وحسب، أمّا عن أرباب العمل في القطّاع العام وما أدراك من هم أرباب العمل في القطّاع العام، الذين تشكل غالبيتهم العظمى جملة ركيكة من نصّ ذكوري مبنيّ على النقص ومرفوع على الكبت ومكسور أبدا في قاع الحرمان، يعملون جاهدين لتهجين أنوثة المرأة و تحجيم معنى الكرامة إن لم نقل تحطيمها من باب التلطيف، لترسيخ مفهوم الذكورة المنحلّة لديهم، والتي لن ترتقِ إلى كنه الرجولة وخصوصيتها العالية في يوم من الأيام.
فكيف للمرأة أن ترتقي في مجتمعات المسوخ في حال كهذه؟..
وكيف تستعيد ألف كيانيّتها المنصاعة امتشاق العراقة والإباء، والجميع يُدرك أنّ الاعوجاج سمة من سمات العصر الدارجة؟
فهل يُمكن أن نعترف بامرأة نالت تميّزها بمرسوم، وسطّرت نجاحاتها بقرار؟.
لا بدّ للمرأة العربية التي تستحق يومها العالمي بجدارة، أن تصرخ في وجه الدولة الصورة، والحاكم الطاغية، والرجل الدمية، والمنصب المُرتهن بهؤلاء جميعا، لا بدّ أن تُعلن رفضها ومواقفها واعتراضاتها المبيّتة، وقتها يكفي أن يكون للمرأة يومها المحلي، ولنترك الأيام العالمية لأهلها والله الغني.
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه