من مفكرة سفير عربي في اليابان
تمثل الحضارة الغربية المعاصرة قرنين من حضارة العالم خلال الألفيتين الماضيتين، والتي كانت تسيطر عليها من قبل حضارة الشرق. فبإيمان الغرب بالعلم والحرية والعدالة وباحترام الاختلاف وبفصل المسيحية عن الدولة، خلقت البيئة المناسبة للإبداع العلمي. فأبدع علماء الغرب وتحولت إبداعاتهم لاختراعات طورت وسائل الإنتاج، فزادت إنتاجية المجتمع وانتشر الثراء فازدهرت هذه البلدان. كما وفرت تكنولوجية المواصلات والاتصالات سوق عالمية، فازدهرت تجارة العولمة، لتتحول كثير من دول الشرق لمركز لمواردهم الطبيعية والبشرية ومصانع لمنتجاتهم. وإنتشرت مع هذه المنتجات الثقافة الغربية، وترافقت بانتشار ثقافاتها السياسية، لتصبح الديمقراطية الغربية نموذجا للحكم المتقدم، ولتقلدها دول الشرق لتكسبها شرعية عالمية. وبعد أن استمرت ديمقراطية الغرب في الانتشار وزاد صيتها بدأت تبرز في الأفق ظواهر مخيفة بين مواطنيها كارتفاع نسب الفقر وزيادة نسب الجريمة وتفتت العائلة، بالإضافة لتحديات تلوث البيئة ونقص الطاقة والغذاء وسوء الرعاية الصحية. وليزداد الوضع سوءا ليصل عدد الفقراء في أحد أغنى دول العالم لتسعة وثلاثين مليونا، بالإضافة بأن سبعة وأربعين مليونا من مواطنيها لا تتوفر لهم الرعاية الصحية. وانعكس كل ذلك على دول المنطقة، لتقل الحماس لديمقراطية الغرب اللبرالية، وليبدأ البعض لينادي بوقفة للدراسة والمراجعة، بل ليزداد التشاؤم فيتحول شعار quot;البرلمان هو الحلquot; إلى شعار quot;حل البرلمان هو الحلquot;. فهل بدأت فعلا تفقد الديمقراطية الغربية اللبرالية بريقها؟ وهل تفهمت شعوب الدول النامية أولوية إصلاحاتها الاقتصادية والاجتماعية، ووعت أهمية فلسفة الواجبات قبل الحقوق، وبأن سر التنمية في أبدع العمل وإتقانه واحترام وقته؟ وهل أنتبه البعض لأهمية استقرار المجتمع وتناغمه، فحاول إيجاد حلول لمنع استغلال الدين في السياسية، والوقاية من تحول الاختلافات الدينية لصراعات طائفية؟ وهل تحتاج دول المنطقة لمراجعة ديمقراطية الغرب لتتجنب أخطائها، مراعية بذلك في تطبيقها تاريخها وثقافتها وقيمها وأولوياتها؟
ناقش الصحفي الأمريكي جونثون تبرمان تقيم زعماء العالم في مقال بمجلة النيوزويك بعددها الصادر في الثالث والعشرين من يونيو من هذا العام وبعنوان، وقت الرجال القساة. يوصف الكاتب استطلاعات رأي قامت به جامعة ماريلاند الأمريكية لي 19,751 مواطن من عشرين دوله، حول ثقتهم بزعماء العالم. فبينت هذه الاستطلاعات انخفاض مقلق لهذه الثقة، فقد سجل الأمين العام للأمم المتحدة الكوري بان كيمون المرتبة الأولى في الثقة وبنسبة 35%، بينما سجل الرئيس الروسي بوتين المرتبة الثانية بنسبة 32%، ورئيس الوزراء البريطاني جوردن براون المرتبة الثالثة وبنسبة 30%، ثم الرئيس الصيني هوجنتو وبنسبة 28%. وانخفضت نسبة الثقة بين زعامات الديمقراطيات الغربية اللبرالية، فمثلا سجل الرئيس الفرنسي نكولاي ساركوزي نسبة 26%، بينما حصل الرئيس الأمريكي بوش نسبة 23%، لينافس الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الذي حصل على أدنى نسبة وهي 22%. فالغريب بأن الدول التي ينتقد الغرب أنظمتها كروسيا والصين هي المتقدمة في ثقة شعوب العالم بزعاماتها، بينما تتقدم المملكة المتحدة، التي يجمع برلمانها بين مجلس نيابي منتخب ومجلس لوردات معين، الديمقراطيات الغربية. ويعلق الكاتب بالقول: quot;أن الزعماء الذين يعتبرهم الغرب أكثر تسلطا يتمتعون بثقة عالية نسبيا بين مواطني دول العالم. وقد يكون ذلك إنذار لزعماء الغرب وبالأخص الرئيس جورج بوش ووزيرة خارجيته كونداليزا رايس، حيث كانت فكرة تصدير ديمقراطيتهم الغربية للخارج على رأس أجندة سياستهم الخارجية.quot;
وقد بينت استطلاعات الرأي الغربية بأن أكثر من 90% من شعوب الغرب مقتنعة بنظمها الديمقراطية، ولكن الغريب بأن ثقتها في برلماناتها تعاني من انخفاض مخيف. فقد أعلنت شبكة السي إن إن التلفزيونية بتاريخ 18 يونيو هذا العام، بأنه قد انخفضت ثقة الشعب الأمريكي بالكونجرس لحوالي 18%. ولم تختلف كثيرا استطلاعات الرأي في دول العالم الأخرى. فمثلا انخفضت ثقة المواطنين بالبرلمان في الفلبين وتايلاند لحوالي 22%، كما لم تزد ثقة المواطنين في استطلاعات الرأي في دول أمريكا اللاتينية والدول الأفريقية عن 25%. ويبدو بأن ثقة مواطني دول الشرق ألأوسط ليست الأفضل من ما هي عليه في باقي دول العالم، فقد بلغ تشاؤم البعض لحد التساؤل إن كان من الأفضل هدم هذه البرلمانات وتحويلها لمقاهي ومطاعم تفيد المجتمع بتوظيف أبنائه وتوفير أماكن لتغذيته وترفيهه.
بدأت اليابان تجربتها البرلمانية في عصر الميجي، ففي عام 1882 أعلن اوكوما شنجنوبو تشكيل الحزب الدستوري التقدمي، الذي طالب بنظام دستوري قريب للنظام البريطاني. وقام أنصار الحكومة بتشكيل الحزب الإمبراطوري الحكومي، وأمر الإمبراطور ميجي بتشكيل حكومة دستورية وتهيئة دستور للبلاد. فصدر الدستور في عام 1889، ليوافق على برلمان مكون من مجلس نيابي منتخب من الرجال المتجاوزة أعمارهم الخمسة والعشرين، والذين يدفعون 15 ينا من الضرائب السنوية. كما عين الديوان الإمبراطوري مجلس للنبلاء من خيرة خبرات البلاد حكمة ونزاهة وقيادة، وأصبحت حكومة تكنوقراطية متخصصة مسئولة إمام الإمبراطور ومستقلة عن السلطة التشريعية. واستطاعت اليابان أن تحقق بنموذجها السياسي معجزتها الصناعية والاقتصادية ولتنافس دول الغرب. وبعد انتهاء الحرب أستبدل الحلفاء دستور ميجي بدستور عام 1948، والذي أستمر بجميع مواده حتى اليوم. وقد أتهم الغرب اليابان بنظام الحزب الواحد بسبب فوز الحزب اللبرالي الديمقراطي بمعظم مقاعد البرلمان في مجلسيه طوال الستة عقود الماضية، كما اتهمت بالمثل التجربة السنغافورية في إصلاحها الديمقراطي، مع ما حققته هاتين التجربتين من تنمية اقتصادية واجتماعية. وقد قارن الصحفي الأمريكي فريد زكريا في كتابه، العالم ما بعد أمريكا، بين تطور الصين المستقبلي ذو نظام الحزب الواحد والهند الديمقراطية. وتوقع بأن تستمر الصين بخطواتها السريعة في تحقيق طموحاتها الاقتصادية وتنميتها الاجتماعية، بينما ستعاني الهند من صراع سياسي ديمقراطيتها وبطاء بيروقراطيتها الحكومية. فالجدير بالذكر بأن الصين تتفوق بما يزيد المائة مليار دولار في ميزانها التجاري مع الولايات المتحدة. وتقدر المدخرات الصينية في البنوك لحوالي الألف وسبعمائة مليار دولار، والتي تفوق مدخرات اليابان المقدرة بحوالي الألف مليار، في الوقت الذي تعاني الولايات المتحدة من ديون تقدر بحوالي التسعة ألاف مليار.
وقد ناقش البروفيسور دانيال بل في مقال بصحيفة اليابان تايمز في العاشر من يوليو من هذا العام وبعنوان، رجوع الكنفوشيسية للصين. فأكد بفقد الديمقراطية الغربية بريقها بين مواطني الصين، وبتوجههم للاستفادة من ثقافتهم وحضارتهم وقيمهم التاريخية لتطوير الديمقراطية الملائمة لبلادهم وخاصة بعد مرارة تجربة الإصلاحات السياسية في روسيا. ويعتقد الشعب الصيني بأن الفلسفة الكنفوشيسية تضم عناصر الاستقرار والشرعية لنظام سياسي معاصر، تهدف قيمها للتقدم مع المحافظة على استقلاليتها عن سلطة الدولة، واستعدادها الدائم للفت النظر للهوة بين المثالية والواقعية. وقد ناقش الأكاديمي الصيني جيانج كنج الحاجة لبرلمان صيني يهتم بمصالح المواطنين والتي هي عادة مصالح قصيرة الأمد مرتبطة بالتحديات الحياتية للموطنين في العمل والسكن وتوفر الغذاء والرعاية الصحية والتعليم لعائلاتهم. كما أكد بضرورة اهتمام البرلمان بمصالح الوطن من جهة والتي عادة تتعلق بمصالح شمولية طويلة الأمد تشمل الصناعة والتجارة والأمن والدفاع وتطوير التكنولوجية الصناعية والتدريب والتعليم، ومن جهة أخرى اهتمام البرلمان بثقافة المجتمع وتاريخه وقيمه الفلسفية والروحية الدينية، ليخلق توازن بين مصالحه المادية وأخلاقيات مجتمعه المثالية المرتبطة بقيمه وتاريخه. لذلك اقترح الأكاديمي الصيني برلمان بثلاث مجالس، مجلس نيابي منتخب يمثل المواطنين ومصالحهم القصيرة الأمد، ومجلس الأشخاص النموذجيين يتشكل من خيرة خبرات الصين علما وخبرة وحكمة ونزاهة، يهتم بالمصالح الوطنية الطويلة الأمد ويضمن جودة القرارات والخطط الحكومية، ومجلس ثالث لاستمرارية القيم الثقافية والدينية ويهدف للفت النظر للهوة بين المثالية والواقعية.
لقد اهتمت البرلمانات المعاصرة بالتشريعات لتوفر قوانين تنظم المجتمع وتنسق وظائفه، ولتزيد من كفاءة العمل الحكومي وإنتاجيته والوقاية من تجاوزاته. ومع تطور الأعلام وزيادة تكلفة دعاية الحملات الانتخابية، اهتمت الشركات بتغطية هذه التكلفة للمحافظة على مصالحها، ليصبح النائب المسكين بين مطرقة أرضاء هذه الشركات وسندان إرضاء مؤسسات المجتمع المدني ومنتخبيه. وتحولت البرلمانات لقاعات للخلافات الحزبية والعقائدية وللصراعات للمحافظة على مصالح الشركات وأحلام مؤسسات المجتمع المدني. وقد زاد الطين بلة حينما بدأت بعض البرلمانات الوليدة بالتركيز على المسائلة الإعلامية المتكررة لإرضاء عواطف منتخبيها، فأنشغلت الإدارات الحكومية للرد عليها، والتي كان من السهولة الحصول على اجوابتها بمكالمة تلفونية، أو بزيارة ايجابية لمسئول، أو بدعوة النائب للوزير في جلسة مصارحة مع المواطنين للإجابة على تساؤلاتهم، أو باجتماع للجان البرلمان مع الوزير لدراسة المعضلات. وتتهم هذه الاستجوابات بأنها سببا لعدم الاستقرار في الإدارات الحكومية، وضياع الوقت الكثير للرد عليها، بل ولتأخير تنفيذ خطط الحكومة. ويستغرب البعض لعدم استفادة النواب من وقت البرلمان لوضع تشريعات تحمي الوطن وتحسن أوضاع المواطن في العمل والتعليم والصحة والإسكان، ويأسف لتحول البرلمانات لقاعات لثقافة التفرقة، بدل أن تكون واحات سلام لحل الاختلافات، ومراكز لحكمة النقاش ولطف اللقاء وإنتاجية الحوار، وأمثلة جميلة لذكاء السيطرة على الانفعالات. ويعتقد البعض بأن هناك سوء فهم لأوليات العمل البرلماني، فوقت البرلمان محدود ومترافق بطموحات تنمية اقتصادية واجتماعية، وبتحديات عالمية في التلوث البيئي والتغيرات المناخية وأزمة الطاقة وارتفاع أسعار الأغذية وانتشار الفقر والإرهاب. لذلك تحتاج أن تحدد أولوياتها، ويتساءل البعض هل من الأولويات نبش تركة الماضي، والانشغال بالاستجوابات عنها، أم الحكمة في خلق جسور الثقة مع الحكومة، والعمل لوضع تشريعات تحقق الخطط الاقتصادية وتسهل المحاسبة بإتزان لتجاوزات تطبيقها. وباختصار شديد وبدون التعدي على حقوق الحماية الفكرية للأستاذ الفنان المبدع عادل أمام، هل ستعمل برلمانات المنطقة جاهدة ليستطيع المواطن توفير اللحمة والكباب لعائلته ليستمتع بالأكل تحت سقف بيت امن وضمن وظيفة منتجة، وفي وطن مستقر ومصان من التلوث والتطرف الفكري وإرهاب العنف، ومحصن أبنائه بالخلق الفاضلة والتعليم المستمر والذكاء الشامل، وتتجنب صراعات الاستجوابات الانفعالية الخاوية؟
سفير مملكة البحرين في اليابان
ناقش الصحفي الأمريكي جونثون تبرمان تقيم زعماء العالم في مقال بمجلة النيوزويك بعددها الصادر في الثالث والعشرين من يونيو من هذا العام وبعنوان، وقت الرجال القساة. يوصف الكاتب استطلاعات رأي قامت به جامعة ماريلاند الأمريكية لي 19,751 مواطن من عشرين دوله، حول ثقتهم بزعماء العالم. فبينت هذه الاستطلاعات انخفاض مقلق لهذه الثقة، فقد سجل الأمين العام للأمم المتحدة الكوري بان كيمون المرتبة الأولى في الثقة وبنسبة 35%، بينما سجل الرئيس الروسي بوتين المرتبة الثانية بنسبة 32%، ورئيس الوزراء البريطاني جوردن براون المرتبة الثالثة وبنسبة 30%، ثم الرئيس الصيني هوجنتو وبنسبة 28%. وانخفضت نسبة الثقة بين زعامات الديمقراطيات الغربية اللبرالية، فمثلا سجل الرئيس الفرنسي نكولاي ساركوزي نسبة 26%، بينما حصل الرئيس الأمريكي بوش نسبة 23%، لينافس الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الذي حصل على أدنى نسبة وهي 22%. فالغريب بأن الدول التي ينتقد الغرب أنظمتها كروسيا والصين هي المتقدمة في ثقة شعوب العالم بزعاماتها، بينما تتقدم المملكة المتحدة، التي يجمع برلمانها بين مجلس نيابي منتخب ومجلس لوردات معين، الديمقراطيات الغربية. ويعلق الكاتب بالقول: quot;أن الزعماء الذين يعتبرهم الغرب أكثر تسلطا يتمتعون بثقة عالية نسبيا بين مواطني دول العالم. وقد يكون ذلك إنذار لزعماء الغرب وبالأخص الرئيس جورج بوش ووزيرة خارجيته كونداليزا رايس، حيث كانت فكرة تصدير ديمقراطيتهم الغربية للخارج على رأس أجندة سياستهم الخارجية.quot;
وقد بينت استطلاعات الرأي الغربية بأن أكثر من 90% من شعوب الغرب مقتنعة بنظمها الديمقراطية، ولكن الغريب بأن ثقتها في برلماناتها تعاني من انخفاض مخيف. فقد أعلنت شبكة السي إن إن التلفزيونية بتاريخ 18 يونيو هذا العام، بأنه قد انخفضت ثقة الشعب الأمريكي بالكونجرس لحوالي 18%. ولم تختلف كثيرا استطلاعات الرأي في دول العالم الأخرى. فمثلا انخفضت ثقة المواطنين بالبرلمان في الفلبين وتايلاند لحوالي 22%، كما لم تزد ثقة المواطنين في استطلاعات الرأي في دول أمريكا اللاتينية والدول الأفريقية عن 25%. ويبدو بأن ثقة مواطني دول الشرق ألأوسط ليست الأفضل من ما هي عليه في باقي دول العالم، فقد بلغ تشاؤم البعض لحد التساؤل إن كان من الأفضل هدم هذه البرلمانات وتحويلها لمقاهي ومطاعم تفيد المجتمع بتوظيف أبنائه وتوفير أماكن لتغذيته وترفيهه.
بدأت اليابان تجربتها البرلمانية في عصر الميجي، ففي عام 1882 أعلن اوكوما شنجنوبو تشكيل الحزب الدستوري التقدمي، الذي طالب بنظام دستوري قريب للنظام البريطاني. وقام أنصار الحكومة بتشكيل الحزب الإمبراطوري الحكومي، وأمر الإمبراطور ميجي بتشكيل حكومة دستورية وتهيئة دستور للبلاد. فصدر الدستور في عام 1889، ليوافق على برلمان مكون من مجلس نيابي منتخب من الرجال المتجاوزة أعمارهم الخمسة والعشرين، والذين يدفعون 15 ينا من الضرائب السنوية. كما عين الديوان الإمبراطوري مجلس للنبلاء من خيرة خبرات البلاد حكمة ونزاهة وقيادة، وأصبحت حكومة تكنوقراطية متخصصة مسئولة إمام الإمبراطور ومستقلة عن السلطة التشريعية. واستطاعت اليابان أن تحقق بنموذجها السياسي معجزتها الصناعية والاقتصادية ولتنافس دول الغرب. وبعد انتهاء الحرب أستبدل الحلفاء دستور ميجي بدستور عام 1948، والذي أستمر بجميع مواده حتى اليوم. وقد أتهم الغرب اليابان بنظام الحزب الواحد بسبب فوز الحزب اللبرالي الديمقراطي بمعظم مقاعد البرلمان في مجلسيه طوال الستة عقود الماضية، كما اتهمت بالمثل التجربة السنغافورية في إصلاحها الديمقراطي، مع ما حققته هاتين التجربتين من تنمية اقتصادية واجتماعية. وقد قارن الصحفي الأمريكي فريد زكريا في كتابه، العالم ما بعد أمريكا، بين تطور الصين المستقبلي ذو نظام الحزب الواحد والهند الديمقراطية. وتوقع بأن تستمر الصين بخطواتها السريعة في تحقيق طموحاتها الاقتصادية وتنميتها الاجتماعية، بينما ستعاني الهند من صراع سياسي ديمقراطيتها وبطاء بيروقراطيتها الحكومية. فالجدير بالذكر بأن الصين تتفوق بما يزيد المائة مليار دولار في ميزانها التجاري مع الولايات المتحدة. وتقدر المدخرات الصينية في البنوك لحوالي الألف وسبعمائة مليار دولار، والتي تفوق مدخرات اليابان المقدرة بحوالي الألف مليار، في الوقت الذي تعاني الولايات المتحدة من ديون تقدر بحوالي التسعة ألاف مليار.
وقد ناقش البروفيسور دانيال بل في مقال بصحيفة اليابان تايمز في العاشر من يوليو من هذا العام وبعنوان، رجوع الكنفوشيسية للصين. فأكد بفقد الديمقراطية الغربية بريقها بين مواطني الصين، وبتوجههم للاستفادة من ثقافتهم وحضارتهم وقيمهم التاريخية لتطوير الديمقراطية الملائمة لبلادهم وخاصة بعد مرارة تجربة الإصلاحات السياسية في روسيا. ويعتقد الشعب الصيني بأن الفلسفة الكنفوشيسية تضم عناصر الاستقرار والشرعية لنظام سياسي معاصر، تهدف قيمها للتقدم مع المحافظة على استقلاليتها عن سلطة الدولة، واستعدادها الدائم للفت النظر للهوة بين المثالية والواقعية. وقد ناقش الأكاديمي الصيني جيانج كنج الحاجة لبرلمان صيني يهتم بمصالح المواطنين والتي هي عادة مصالح قصيرة الأمد مرتبطة بالتحديات الحياتية للموطنين في العمل والسكن وتوفر الغذاء والرعاية الصحية والتعليم لعائلاتهم. كما أكد بضرورة اهتمام البرلمان بمصالح الوطن من جهة والتي عادة تتعلق بمصالح شمولية طويلة الأمد تشمل الصناعة والتجارة والأمن والدفاع وتطوير التكنولوجية الصناعية والتدريب والتعليم، ومن جهة أخرى اهتمام البرلمان بثقافة المجتمع وتاريخه وقيمه الفلسفية والروحية الدينية، ليخلق توازن بين مصالحه المادية وأخلاقيات مجتمعه المثالية المرتبطة بقيمه وتاريخه. لذلك اقترح الأكاديمي الصيني برلمان بثلاث مجالس، مجلس نيابي منتخب يمثل المواطنين ومصالحهم القصيرة الأمد، ومجلس الأشخاص النموذجيين يتشكل من خيرة خبرات الصين علما وخبرة وحكمة ونزاهة، يهتم بالمصالح الوطنية الطويلة الأمد ويضمن جودة القرارات والخطط الحكومية، ومجلس ثالث لاستمرارية القيم الثقافية والدينية ويهدف للفت النظر للهوة بين المثالية والواقعية.
لقد اهتمت البرلمانات المعاصرة بالتشريعات لتوفر قوانين تنظم المجتمع وتنسق وظائفه، ولتزيد من كفاءة العمل الحكومي وإنتاجيته والوقاية من تجاوزاته. ومع تطور الأعلام وزيادة تكلفة دعاية الحملات الانتخابية، اهتمت الشركات بتغطية هذه التكلفة للمحافظة على مصالحها، ليصبح النائب المسكين بين مطرقة أرضاء هذه الشركات وسندان إرضاء مؤسسات المجتمع المدني ومنتخبيه. وتحولت البرلمانات لقاعات للخلافات الحزبية والعقائدية وللصراعات للمحافظة على مصالح الشركات وأحلام مؤسسات المجتمع المدني. وقد زاد الطين بلة حينما بدأت بعض البرلمانات الوليدة بالتركيز على المسائلة الإعلامية المتكررة لإرضاء عواطف منتخبيها، فأنشغلت الإدارات الحكومية للرد عليها، والتي كان من السهولة الحصول على اجوابتها بمكالمة تلفونية، أو بزيارة ايجابية لمسئول، أو بدعوة النائب للوزير في جلسة مصارحة مع المواطنين للإجابة على تساؤلاتهم، أو باجتماع للجان البرلمان مع الوزير لدراسة المعضلات. وتتهم هذه الاستجوابات بأنها سببا لعدم الاستقرار في الإدارات الحكومية، وضياع الوقت الكثير للرد عليها، بل ولتأخير تنفيذ خطط الحكومة. ويستغرب البعض لعدم استفادة النواب من وقت البرلمان لوضع تشريعات تحمي الوطن وتحسن أوضاع المواطن في العمل والتعليم والصحة والإسكان، ويأسف لتحول البرلمانات لقاعات لثقافة التفرقة، بدل أن تكون واحات سلام لحل الاختلافات، ومراكز لحكمة النقاش ولطف اللقاء وإنتاجية الحوار، وأمثلة جميلة لذكاء السيطرة على الانفعالات. ويعتقد البعض بأن هناك سوء فهم لأوليات العمل البرلماني، فوقت البرلمان محدود ومترافق بطموحات تنمية اقتصادية واجتماعية، وبتحديات عالمية في التلوث البيئي والتغيرات المناخية وأزمة الطاقة وارتفاع أسعار الأغذية وانتشار الفقر والإرهاب. لذلك تحتاج أن تحدد أولوياتها، ويتساءل البعض هل من الأولويات نبش تركة الماضي، والانشغال بالاستجوابات عنها، أم الحكمة في خلق جسور الثقة مع الحكومة، والعمل لوضع تشريعات تحقق الخطط الاقتصادية وتسهل المحاسبة بإتزان لتجاوزات تطبيقها. وباختصار شديد وبدون التعدي على حقوق الحماية الفكرية للأستاذ الفنان المبدع عادل أمام، هل ستعمل برلمانات المنطقة جاهدة ليستطيع المواطن توفير اللحمة والكباب لعائلته ليستمتع بالأكل تحت سقف بيت امن وضمن وظيفة منتجة، وفي وطن مستقر ومصان من التلوث والتطرف الفكري وإرهاب العنف، ومحصن أبنائه بالخلق الفاضلة والتعليم المستمر والذكاء الشامل، وتتجنب صراعات الاستجوابات الانفعالية الخاوية؟
سفير مملكة البحرين في اليابان
التعليقات