اصبح الحديث عن حلف رباعي تركي ndash; ايراني ndash; سعودي ndash; سوري متداولاً وشائعاً بين كتاب ومحللي الصحف العربية. خصوصاً اولئك الموالين لمحور الممانعة. يعضهم ذهب في الأمل والرجاء أبعد. فأخذ يكيل المديح للمملكة العربية السعودية واياديها البيضاء على العالم العربي عموماً وعلى لبنان وفلسطين خصوصاً. وبعضهم الآخر يعتقد ان هذا الحلف، إذا تسنى له ان يولد وينمو، سينجح في تغيير المعادلات في الشرق الأوسط، ويتحول لأسباب لا تحصى إلى القوة المقررة والحاسمة في شؤون الشرق الأوسط عموماً.
لا يخفى ان ولادة مثل هذا الحلف قد تكون عميمة الفائدة. بل أن مجرد افتتاح عهد من المفاوضات والمحادثات بين هذه الدول قد تجعل الناس في منطقة الشرق الأوسط أكثر اطمئناناً لمستقبلهم. لكن الحديث عن ولادة الحلف وعن ضرورته يبدو خارج سياقه وموضوعه في آن واحد. والأسباب كثيرة.
اعلنت إيران انها وافقت على تخصيب اليورانيوم خارج أراضيها، ونقله مخصباً إلى منشآتها النووية. وهذا ما اعتبر اختراقاً كبيراً نحو حلحلة الملف النووي الإيراني. لكن هذا الاختراق يخفي في طياته خسارة المعنى الكامل والتام للنزوع الإيراني النووي. ذلك ان وظيفة النزوع الإيراني النووي كانت ولا تزال وظيفة عسكرية أكثر منها وظيفة تنموية. والحق يقال ان الإنشاءات النووية في الدول الكبرى عالية الكلفة، لجهة صيانتها وتحسين أدائها، ونادراً ما تكون استعمالاتها المدنية والتنموية ذات أهمية خاصة. مع ذلك يجدر بنا القول ان الانشطة النووية الإيرانية مفيدة لإيران على الأقل لناحية تحفيز البحث العلمي والنظري، وهذا أمر مهم في حد ذاته. لكن أهمية هذا الأمر لا تلغي ضعف الحجة القائلة ان انشطة ايران النووية هي انشطة سلمية في الدرجة الأولى. وواقع ان صيانة وحماية المنشآت النووية باهظة الكلفة وتنوء بثقلها الدول الكبرى الغنية فهذا يطرح مئات علامات الاستفهام عن المغزى العميق وراء اصرار ايران على المضي قدماً في برنامجها النووي السلمي وهي الدولة التي تعاني في الاقتصاد والبنى التحتية، إلى حد ان الزلازل التي تضربها دورياً تكاد تكون الأعلى كلفة في الخسائر البشرية والمادية بين دول العالم كله، نظراً لضعف بناها التحتية الواضح للعيان. والحال، نادراً ويكاد يكون مستحيلاً ان تجمع تقنية نووية عالية ومعدة للاستعمالات السلمية والمدنية مع تخلف في الاقتصاد وهشاشة في البنى التحتية كالتي تعاني منها الجمهورية الإسلامية في إيران.
على هذا قد يلزم البرنامج النووي السلمي ايران بالانفتاح على دول الغرب تجارة وسياحة واساليب عيش، وصولاً إلى عقد تحالفات ثابتة معها. وهذا في حد ذاته ما يجعل الحلف الذي يجري الحديث عنه غير ذي موضوع. إذ كيف يكون الحلف مرتبطاً من خناقه بالمحفزات الدولية، الغربية منها على وجه الخصوص، ثم يكون حلفاً في مواجهتها؟
تفادياً لمثل هذا النقاش يفتح الموالون لإيران كوة صغيرة في النقاش: هذا الحلف موجه ضد إسرائيل. وهذا ما يتفق عليه قادة الدول الأربع. تركيا بقيادة عبدالله غول ورجب طيب اردوغان، وسوريا الممانعة أباً وابناً، والمملكة العربية السعودية صاحبة مبادرة السلام الوحيدة التي ترفضها اسرائيل، فضلاً عن إيران التي اعلنت مراراً موت هذه المبادرة، بل ولطالما صرح مسؤولوها انهم سيلجأون إلى قصف المنشآت النفطية في دول الخليج إذا ما تعرضت بلادهم لهجوم اميركي او إسرائيلي.
لا شك ان الدول الاربع تقع على خط المواجهة مع إسرائيل، إنما ايضاً لا شك ان هذه الدول تختلف في الوسائل والسبل. ففي حين يخوض اردوغان صراعاً تركياً في مواجهة إسرائيل في المنتديات الدولية عموماً، تخوض سوريا صراعاً إعلامياً معها، وتخوض المملكة العربية السعودية صراعاً حاداً في مواجهتها من أجل احداث تغيير، بات شبه ملموس، في الرأي العام الدولي حيال إسرائيل، وفي علاقات الصداقة السياسية التي تقيمها مع دول العالم التي تعترف بوزنها الراجح في المعادلة الشرق اوسطية. أما إيران فخاضت صراعها ولا تزال تحت حجج تفيد ان النشاط السعودي الدبلوماسي في مواجهة إسرائيل غير مجد بل ويقرب من الخيانة، وان العمدة في الصراع يتصل بمقاومة اسرائيل بالسلاح، فيما يقع على عاتق المملكة العربية السعودية مهمة إعادة إعمار ما تهدمه آلة الحرب الإسرائيلية في لبنان وفلسطين وتمكين الشعبين من الصمود والبقاء واستحضار الأمل.
قد يقول قائل ان الدورين متكاملان، ايران تهدد إسرائيل عسكرياً والمملكة العربية السعودية تسهم في تمتين صمود الشعبين اللبناني والفلسطيني وتعزيزه. لكن هذا القول سرعان ما يبدو من غير ذي منطق حين يستمع اي كان لخطب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. ذلك ان هذه الخطب نادراً ما تحرج الإسرائيليين وحلفائهم في اي مكان من العالم، لكنها دائماً تلحق بصورة العرب والمسلمين افدح الأضرار.