من مفكرة سفير عربي في اليابان

منذ أن سقط جدار برلين وأنهار الاتحاد السوفيتي، كشفت الولايات المتحدة عن بعض تكنولوجيات حربها الباردة، لتوفر تكنولوجية الاتصالات والمواصلات للشعوب، ولتحول كرتهم الأرضية لقرية عولمة صغيرة. وقد فتحت دول العالم أبوابها للعولمة الجديدة وسوقها الحرة، فتخلصت من قيود جماركها، وخصخصت قطاعاتها العامة، وحررت مؤسساتها المالية من الأنظمة والقوانين المكبلة. وبعد أن تحررت السوق الحرة من قيودها، وتوقع رجال الاقتصاد أن تنظم اليد الخفية للرأسمالية سوقها المنفلتة، أنصدم العالم بانفجار فقاعة اقتصادية جديدة، لتفلس المؤسسات المالية، ولتنهار سوق الأسهم، ولتقل مبيعات المصانع وتنخفض أنتاجها، فتسرح الملايين من القوى العاملة، لتزداد البطالة وترتفع نسب الفقر، وليتوقف المواطنون دفع ديونهم الإسكانية، لتدور الخسائر والإفلاسات في حلقات مفرغة. وقد خسر العالم التريليونات من الدولارات في هذه الأزمة، وضخت حكوماتها المليارات في مؤسساتها المالية وفي مشاريع تطوير بنيتها التحتية، لمنع انهيار النظام المالي العالمي وتفاقم معضلة البطالة. فبعد هذه الجهود المضنية للحكومات، وخسارة التريليونات من الدولارات، يبدو بأن هناك بصيص أمل لاستقرار الاقتصاد العالمي، وذلك بارتفاع نمو الاقتصاد الصيني من جديد، وزيادة التفاؤل في سوق الأسهم الأمريكية، وببدء ارتفاع مبيعات السيارات اليابانية. والسؤال لعزيزي القارئ: هل هذه الظواهر مؤشرات لنمو اقتصادي، أم علامات لانفجار فقاعة اقتصادية جديدة؟ وما السبب الحقيقي وراء هذه الفقعات المتكررة؟ وهل الوقاية خير من علاجها؟
لقد ناقش الاقتصادي الأمريكي روبرت صميولسون الوقاية من انفجار الفقاعات الاقتصادية، في مقال بصحيفة اليابان تايمز، الصادرة في الخامس عشر من نوفمبر الماضي، وتحت عنوان، هل نروج لفقاعة قادمة؟ يقول الكاتب: quot;حينما يتكلم البروفيسور نوريل روبيني، اقتصادي جامعة نيويورك، ينصت العالم لتنابوأته المحبطة، وقد بدأ يصرخ مؤخرا.quot; فقد حذر في صحيفة الفاينانشيل تايمز، بأن البنك الاحتياطي الأمريكي والبنوك الحكومية المركزية الأخرى يغذون فقاعة ممتلكات جديدة، قد تنفجر يوم ما، وبنتائج مدمرة. فقد بقيت نسب الفائدة قريبة من الصفر، لذلك يتدين المستثمرون والمضارون دولارات رخيصة، ويشترون بها أسهم وسندات مالية وذهب ونفط ومعادن وعملات أجنبية، وينتظرون ارتفاع الأسعار ليسجلوا أرباح هائلة. وقد حذر البروفيسور روبيني بأن ذلك لن يستمر طويلا، فسترتفع نسب الفائدة، كما ستغير الأزمات القادمة، كالمجابهة مع إيران أو الخوف من انفجار فقاعة مالية جديدة، سيكولوجية السوق، ليبدأ الجميع في بيع أصولهم فجأة، لتتكرر أزمة جديدة، بانهيار أسعار الأسهم والمستندات المالية والمنتجات، ولترتفع نسب الخسائر، ويفقد الجميع الثقة في السوق، وليعاني الاقتصاد العالمي من جديد. ويبدو بأن مسئولي المال لم يلاحظوا قرب انفجار الفقاعة الجديدة، التي ينفخون فيها، وكلما زاد عميانهم كلما اشتدت حدة النزول. الم نشاهد ذلك من قبل؟ فكما حدث قبل سنوات قليلة، ترتفع الأسعار أولا بشكل جنوني. فمنذ مارس هذا العام، ارتفعت سوق الأسهم الأمريكية بنسبة تقارب 50%، وزادت مؤشرات الأسهم لي 22 دولة صاعدة للضعف، وارتفع سعر النفط 150%، وزاد سعر اونصة الذهب لأكثر من ألف دولار. كما انخفض سعر الدولار أمام العملات الأخرى. فيبدو بأن نصف ما توقعه روبيني قد حصل، حتى الآن، وننتظر النصف الآخر، صدمة نزول جديدة. فقد قلت سيكولوجية تخوف المستثمرون، فاستثمروا بعض أموالهم في السوق لترتفع الأسعار، ليحقق البنك الفيدرالي المركزي أمنيته، فقد دفع لخفض نسب الفائدة لتتحرك الأموال في الاستهلاك أو شراء الاستثمارات، فيحتاج الوقاية من التراجع تشجيع الاستهلاك والاستثمار. والمشكلة أن الخيط رفيع بين الوقاية من التراجع، ومنع الفقاعة، وقد كان واضحا ذلك في انفجار فقاعة الانترنت والقروض الإسكانية، والتي ساهم البنك الاحتياطي الفيدرالي فيها. كما ستتفاقم المشكلة بخفض نسب الفائدة في دول آسيا وأمريكا اللاتينية، التي استثمر تجار الغرب الكثير في سوق أسهمها، ليعبروا عن استيائهم من قوة الدولار، وقد أدى ذلك لتزايد حجم الفقاعة، واحتمالات انفجارها. وتعاني دول آسيا وأمريكا اللاتينية من الحيرة، فرفع الفائدة قد يزيد من إيداع الأموال الأجنبية في بنوكها، وخفضها يشجع المضاربين في زيادة ديونهم، وتنتج هذه الحيرة من خفض الفائدة وضعف الدولار. فكيف سيبحر مسئولي البنك الفيدرالي في أنظمته الحالية لحماية اقتصاد الولايات المتحدة ودول العالم، فالسرعة قد تقتل الانتعاش، والبطء سينفخ الفقاعة، ويقتل الانتعاش أيضا.
ويقترح رجل الاقتصاد والأعمال الأمريكي، جورج سورس، تصورات للتعامل مع بنية اقتصاد عالمي جديد، للوقاية من انفجار فقاعات اقتصادية متكررة، في مقال بصحيفة اليابان تايمز، الصادرة في الثامن من نوفمبر الماضي، وبعنوان، ليس هناك بديل لهندسة عالمية جديدة. يقول الكاتب:quot;يواجهه العالم بعد عشرين عاما من سقوط جدار برلين وانهيار الشيوعية، الخيار بين نوعين من الأنظمة، الرأسمالية الدولية ورأسمالية الدولة. وبينما فشلت الرأسمالية الدولية بقيادة الولايات المتحدة، حافظت رأسمالية الدولة على الصعود بقيادة الصين. وسينهار، تدريجيا، النظام المالي الدولي، وسنحتاج لاختراع نظام متعدد الأطراف، يعتمد على أساسيات ثابتة. فقد يكون من الصعب تحقيق تعاون دولي تدريجي، ولكن قد ننجح بصفقة فجائية كبيرة رابحة، تنظم النظام المالي العالمي بأكمله. فهناك حاجة لمؤتمر quot;بريتون وودquot; جديد، كالذي أسس النظام العالمي المالي بعد الحرب العالمية الثانية، ليشرع قوانين دولية جديدة، تنظم عملية انقاد المؤسسات المالية الكبيرة من السقوط، وأنظمة تحدد كيفية السيطرة على رأس المال. بالإضافة للحاجة لتعديلات أنظمة صندوق النقد والبنك الدولي لمساعدة اقتصاديات دول العالم في الأزمات، ولتعديل نظام النقد الدولي، الذي ميز الولايات المتحدة بعد الحرب عن غيرها، ليخلق عدم توازن خطير. ولم يعد يتمتع الدولار بالثقة التي كان يحضي بها، ومع ذلك ليست هناك عملة أخرى تستطيع تحمل مسئولياته.
والسؤال لعزيزي القارئ: هل حان الوقت لوقف جشع مضاربات السوق والربحية السريعة، للوقاية من تكرار انفجار فقاعات مدمرة، وذلك بالالتزام بأخلاقيات تجارة عولمة جديدة؟ وهل سنطور تعليم يجمع بين العلوم التكنولوجية والاقتصادية الإنسانية، فيهيئ جيل يجمع بين الذكاء الذهني والروحي والبيئي والإبداع التجاري؟ وهل ستشجع حكومات المنطقة الأجيال القادمة على العمل الحر المبدع، المسئول عن خلق شركات خاصة جديدة لتسويق تكنولوجيات متقدمة، توفر وظائف مربحة، وتحافظ على البيئة، وتنمي الاقتصاد؟ وهل ستساعد الشباب لإنشاء شركاتهم الصناعية الصغيرة، بمشاركة بنوك التنمية المحلية والشركات التكنولوجية الصغيرة الأجنبية؟ وهل ستطالب الأمم المتحدة لعقد مؤتمر بريتون وود جديد، لوضع أساسيات النظام المالي لمجتمع عولمة القرن الواحد والعشرين؟ ولنا لقاء.

سفير مملكة البحرين في اليابان