من مفكرة سفير عربي في اليابان

الحلقة الأولى

عرض الفنان المبدع، عادل إمام، في فلم حسن ومرقص، ظاهرة الصراع السياسي الطائفي في الشرق الأوسط، والذي أرتبطت بعوامل ضعف داخلية وخطط انتقام خارجية، وتفاقمت بإرهاصات أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وقد عرض الكاتب الأمريكي، جورج فريدمان، في كتابه، المائة سنة القادمة وتوقعات القرن الواحد والعشرين، واقع بلاده بعد هذه الأحداث، بقوله: quot;تعاني الولايات المتحدة من الشكوك في قدراتها، فهي نفسيا مزيج من الثقة الزائدة، وتخوف انفعالي غير عقلاني من فقدان الإحساس بالأمن والاستقرار. وهو الوصف الدقيق للعقلية المراهقة، التي ستعاني منها خلال القرن الواحد والعشرين. وتعتبر أمريكا تاريخيا دولة فتية، وبها مجتمع مراهق ينقصه النضج، ومن المتوقع انتقالها لفترة كهولة أكثر استقرارا وقوة. فهي في مراحل مبكرة لقوتها الهائلة، وهي ليست متحضرة كاملا، بل تمر بنفس مرحلة أوروبا في القرن السادس عشر، مرحلة بربرية، وبثقافة غير ناضجة، وبعواطف انفعالية متقلبة، وفي اتجاهات متناقضة.quot;
وعرض فريدمان الثقافات التي تمر بها الدول خلال مراحل تطورها الثلاث، البربرية والحضارة والانحطاط. وتبدأ المرحلة الأولى بثقافة البربر، والتي يعتقد مواطنيها، وبتعصب، بأن عادات قراهم هي قوانين طبيعية، ومن يعيش خلاف معيشتهم، quot;فهو حقير يجب أن يستغفر أو يحطم.quot; وتنتهي المرحلة الأخيرة بثقافة الانحطاط، والمنحط لا يعتقد بأي شيء، quot;فليس هناك أي شيء أفضل من أي شيء آخر، كما ليس هناك شيء يستأهل الحرب للحصول عليه.quot; بينما تتميز المرحلة الثانية، النادرة، بثقافة الحضارة، فالشعوب المتحضرة تستطيع أن تخلق توازن لفكرتين متضادتين في أذهانهم. فهم يؤمنون بان هناك حقيقة، وبأن ثقافاتهم قريبة من هذه الحقيقة، وفي نفس الوقت تبقى أذهانهم متفتحة، للاحتمال بأنهم قد يكونوا مخطئين. فتجمع الشعوب المتحضرة بين الإيمان والشكوكية، كما تنتقي حروبها بدقة لتنتصر. وتجمع ثقافات الدول، عادة، بين أناس بربريين ومتحضرين ومنحطين، ولكن تسيطر عليها ثقافة وحيدة، البربرية أو الحضارة أو الانحطاط. ويعتقد الكاتب quot;بأن أوروبا كانت بربرية في القرن السادس عشر، حيث أشعل يقينها المسيحي نيران صراعاتها وغزواتها الأولى، وانتقلت للحضارة في القرن الثامن والتاسع عشر، وانهارت في انحطاط في القرن العشرين.quot;
وعرض الكاتب الرحلة الأمريكية بقوله: quot;قد بدأت للتو الولايات المتحدة رحلتها الحضارية والتاريخية، وحتى الآن لم توضح معالم حضارتها، وحينما أصبحت مركز للعالم، بدأت تطور حضارتها، والتي ستكون حتميا بربرية في البداية. فهي المكان الذي يحتقر فيه اليمين المسلمين لعقيدتهم، بينما يحتقرهم اليسار لطريقة تعاملهم مع المرأة، وتجمع هذه النظرات المتباينة، اليقين بأن قيمهم هي الأفضل. وكأي ثقافة بربرية، فالأمريكيون مستعدون، وبسرعة، للحرب لأي حقيقة يعتقدون بصحتها، ولا يعتبر ذلك نقدا، بل هو كوصف شخص في سن المراهقة بأنه مراهق، فهي مرحلة تطور ضرورية وحتمية. فثقافة الولايات المتحدة ثقافة شابة خرقاء مباشرة، وأحيانا وحشية، وفي الكثير من الأحيان ممزقة بخلافاتها الداخلية، ويوحد منشقييها، فقط، فكرة أن قيمهم هي الأفضل، وهي تجمع بين هذه المتناقضات، كأوروبا في القرن السادس عشر، ولكن ستبقى بجميع تلعثماتها مؤثرة وبشكل رائع.quot;
وينهي فريدمان نقاشه بالقول: quot;وقد بدأ الزمن الأمريكي في عام 1991، حينما انهار الاتحاد السوفيتي، وتركها قوة عظمى وحيدة، ولكن في الحقيقة بدأ قرنها الواحد والعشرين بعد الحادي عشر من سبتمبر. وكان أول امتحان للزمن الأمريكي، وقد لا تكون حققت النصر على الجهاديين، ولكنها حققت أهداف إستراتيجيتها، وتبدو بان هذه الحرب قرب نهايتها.quot; والسؤال المحير: هل يرتبط التطرف الفكري والتمزق الطائفي في منطقة الشرق الأوسط بمراحل ثقافتها؟ وهل تعيش هذه المنطقة مرحلة ثقافة بربرية أم حضارية أم انحطاط؟ وهل حان الوقت لكي تتعايش مع quot;المراهقةquot; الأمريكية بدل مناطحتها؟
لنستطيع مناقشة هذه الأسئلة نحتاج لتطوير دبلوماسية الاستقراء، بتحليل حوادث التاريخ لمعرفة أنماط تكراره، لنستطيع توقع المستقبل، وموقع القوة الأمريكية المستقبلية فيه. وقد حاول جورج فريدمان القيام بعملية الاستقراء هذه بعد أن درس تاريخ العالم، وأكتشف حلقات تطوره. فبحث في أفول حضارة الأندلس والاستعمار البرتغالي والإمبراطورية البريطانية، كما درس بدء عظمة الولايات المتحدة بعد فشل الشيوعية، والذي أدى لعولمة قوتها، بعد كشفها لأسرار الإنترنت. ويعتقد الكاتب بأن الولايات المتحدة ستستمر في تطوير قوتها العسكرية الهائلة، للمحافظة على حرية بحور العالم ومحيطاته، لتستمر في عولمة السوق الحرة، لبيع منتجاتها وتشغيل مصانعها وتطوير اقتصادها. كما ستطور قوتها الفضائية لبناء مراكز دفاعية على سطح القمر، والتي ستحتاج لكميات هائلة من الطاقة.
ويتوقع الكاتب بنشوب حرب عالمية ثالثة، فضائية، قبل نهاية هذا القرن، بين الولايات المتحدة وبعض الدول الصاعدة، والتي ستتركز على تحطيم التكنولوجيات العسكرية الفضائية لأعدائها، ولن تكون تكلفتها البشرية باهظة. كما سيؤدي الاستعداد لهذه الحرب، للاستثمار الكبير في الطاقة البديلة، لتستطيع المحطات الفضائية العسكرية الاستفادة من الطاقة الشمسية، بل وتوجيه جزء منها لمحطات كهربائية أرضية. ويتوقع الكاتب بأن تتحول اليابان لقوة اقتصادية وعسكرية عظمى، بتطوير تكنولوجياتها الفضائية المدنية والعسكرية، وبتحسين استفادتها من الطاقة البديلة. وستبقى الصين منشغلة في تطوير قواها البشرية وبنيتها التحتية، وستحافظ على تعاونها التكنولوجي والتجاري مع الولايات المتحدة، وستتجنب المجابهة العسكرية. كما يتوقع بأن تبرز بولندا كدولة عظمى رئيسية في أوروبا وبالدعم الأمريكي، بعد أن تتفاقم معضلات أوروبا الغربية. وستتعرض منطقة الشرق الأوسط لتغيرات تؤدي لأن تصبح تركيا قوة عولمة هامة، ولتمتد تأثيرها على منطقة الشرق ألأوسط الكبير.
والسؤال لعزيزي القارئ: هل حان الوقت للسلام في منطقة الشرق الأوسط بعد قرون من مناطحة حروب مدمرة؟ وهل ستتعلم دولها من تجربة الحروب الأوروبية، ليتحاوروا في حل خلافاتهم وتطوير استثماراتهم المشتركة؟ وهل سيتفيدوا من تجربة دمج الثقافة الغربية المسيحية-اليهودية بعد الحرب العالمية الثانية، لتطوير ثقافة تناغم دينية إسلامية مسيحية يهودية؟ وهل ستلهم الحكمة الكونفوسوشية قياداتها، لتتعاون مع الولايات المتحدة القوية والمتطورة quot;والمراهقة،quot; ليستفيدوا من قدراتها التكنولوجية كما استفادت منها اليابان والصين؟ وهل سيؤمن العرب بأنه، في الدبلوماسية، ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم، بل هناك مصالح دائمة؟

سفير مملكة البحرين في اليابان