في ١٨ يوليو ٢٠٠٨ أرسل مكتب وزير الخارجية المصري رسالة من عشر صفحات laquo;بالفاكسraquo; إلى وزارة خارجية إحدى دول وسط أوروبا بشأن استفسارات الأخيرة حول أوضاع الأقباط، وذلك نتيجة تعدد شكاوي أقباط هذه الدولة مما تقترفه الحكومة في وطنهم الأصلي ـ مصر ـ بحق مواطنيها الأقباط وكيف تستهين بحقوقهم.
وبرغم أن الرسالة احتوت علي الكثير من الكلام الفارغ (المعتاد) فإننا حرصنا على عدم تناولها بالرد في حينه لكي لا نسبب إحراجا لأحد ـ بما في ذلك الحكومة المصرية نفسها، إذ كان هناك احتمال ـ حتى لو كان لا يزيد عن واحد بالمائة ـ أن يكون مجرد محاولة كتابة رسالة مطولة في حد ذاته إشارة خافتة إلى أن laquo;القيادة السياسيةraquo; ربما شعرت بأن الأوان قد آن لعمل شيئ جدي بخصوص الملف القبطي، بدل الاستمرار في إنكار المشاكل أو تضييع الوقت في اختلاق الأعذار والتلاكيك الفارغة.
ولكن الشهور مضت بدون أدنى بادرة بوجود نية على التحرك، باستثناء إرسال laquo;البعثاتraquo; الرسمية التي تحاول امتصاص الغضب المتزايد بين أقباط المهجر، أو تكثيف محاولات الاختراق والالتفاف. ولذا وجدنا أنه لا مفر من العودة إلي تلك الرسالة لتحليلها والتعليق عليها.
وسنقتصر في هذه العجالة على موضوع laquo;بناء الكنائسraquo; لأنه أصبح على مر السنين مصدرا مستمرا للألم والصداع والالتهاب، وكان الشرارة التي انطلقت بسببها العديد من حوادث الاعتداء على الأقباط (التي يطلق عليها ـ من باب الدلع ـ laquo;أحداث العنف الطائفيraquo;).
***
ولكن الشهور مضت بدون أدنى بادرة بوجود نية على التحرك، باستثناء إرسال laquo;البعثاتraquo; الرسمية التي تحاول امتصاص الغضب المتزايد بين أقباط المهجر، أو تكثيف محاولات الاختراق والالتفاف. ولذا وجدنا أنه لا مفر من العودة إلي تلك الرسالة لتحليلها والتعليق عليها.
وسنقتصر في هذه العجالة على موضوع laquo;بناء الكنائسraquo; لأنه أصبح على مر السنين مصدرا مستمرا للألم والصداع والالتهاب، وكان الشرارة التي انطلقت بسببها العديد من حوادث الاعتداء على الأقباط (التي يطلق عليها ـ من باب الدلع ـ laquo;أحداث العنف الطائفيraquo;).
***
تحت عنوان laquo;الكنائس في مصرraquo; يقول خطاب الحكومة المصرية: [من الجدير بالذكر أن إجمالي عدد الكنائس في مصر هو ٢٥٢٤ كنيسة، منها ١٣١٩ للأقباط الأرثوذكس، وإجمالي عدد الأديرة هو ١٩٦ منها ٨٤ للأقباط الأرثوذكس. ويبين الجدول التالي أن بناء وإصلاح الكنائس في مصر لم يتوقف في مصر (هكذا في النص!)].
١٩٩٨١٧٩٥
١٩٩٩٣٤٠١٠
٢٠٠٠٣٩٩١٠
٢٠٠١٣٠٤١٢
٢٠٠٢١٧٥٢
٢٠٠٣٢٣٧٨
٢٠٠٤١٦٥٦
٢٠٠٥٢٧٣٩
٢٠٠٦٣١٠١
٢٠٠٧٩١٢
المجموع(٢٤٧٥)(٦٥)
(لاحظ أن الإجمالي الصحيح لعمود laquo;صيانة الكنائسraquo; هو ٢٤٧٣)
ثم يعطي الجدول التالي في خطاب وزارة الخارجية تفصيلا لعدد laquo;الكنائس والأديرةraquo; بكل محافظة، وهي: [القاهرة (٢٨٨) الاسكندرية (١٢٥) وبورسعيد (٢٢) والسويس (١٣) ودمياط (٧) والدقهلية (٤٦) والشرقية (٦٢) والقليوبية (٦٢) وكفر الشيخ (١٣) والغربية (٥٧) والمنوفية (٦٧) والبحيرة (٤٥) والاسماعيلية (٢١) والجيزة (٧٨) وبني سويف (٨٤) والفيوم (٣٧) والمنيا (٥٢٤) وأسيوط (٤٢٥) وسوهاج (٢٧٠) وقنا (١٢٣) وأسوان (٣٨) والأقصر (٢١) والبحر الأحمر (١٥) والوادي الجديد (٢) ومطروح (٤) وشمال سيناء (٢) وجنوب سيناء (٥) بإجمالي وقدره (٢٤٥٦)].
وتحت عنوان laquo;جهود على المستوى القومي لمزيد من تعميق حقوق الأقباط المسيحيين المصريينraquo; البند ٣ يقول الخطاب [ونحو هذا الهدف فقد اتخذت حكومة مصر العديد من الإجراءات المحددة في السنوات الأخيرة للتأكد من أن الأقباط المسيحيين يتمتعون تماما بحقوقهم المصانة دستوريا. وهذه تشمل: (أ) تسهيل الإجراءات التي تنظم بناء وتجديد وإصلاح الكنائس: صدر في ٢٠٠٥ قرار جمهوري يفوض سلطة إصدار تصاريح تجديد وإصلاح الكنائس للمحافظين الذين عليهم التقرير في غضون ثلاثين يوما من استلام الطلبات المعنية. وأي رفض يجب أن يكون مسببا. وتقوم الحكومة في الوقت الحالي بدراسة مشروع قانون موحد لدور العبادة كان المجلس القومي لحقوق الإنسان قد أعده.]
***
ولنا الملاحظات التالية:
ولنا الملاحظات التالية:
أولا ـ ملحوظة حسابية بحتة: إجمالي عدد laquo;الكنائس والأديرةraquo; بكل المحافظات المذكور في الجدول (٢٤٥٦) يختلف عن الرقم المذكور في الفقرة الأولى من نفس الرسالة وهو (٢٥٢٤) كنيسة و (١٩٦) ديرا. والفرق بين المجموعين هو (٢٦٤). كما يختلف عدد الكنائس عنه في تقرير laquo;مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرارraquo; (التابع لمجلس الوزراء المصري!) لسنة ٢٠٠٧ بزيادة تبلغ (١٠٥) كنيسة في القاهرة و (٥٧) في الإسكندرية و (١١٨) في المنيا و (٣٢) في المنوفية و (٤٣) في قنا، وبفارق يصل إلى ٦٤٦ كنيسة عن الإجمالي الذي يرصده المركز (١٨٧٨).
ولكن هذه اللخبطة الحسابية التي تؤدي إلى فروق تتراوح بين ١١٪ و ٣٤٪ هي بلا شك أمر طبيعي ومتعارف عليه، خصوصا في ظل العولمة وتحت تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعيات حرب غزة؛ وتقل عن المعدلات العالمية لما يحدث في شتى الدول المتقدمة التي تصدر فيها قرارات جمهورية بتصاريح كنائس. وربما نتج اللبس عن تلامس في أسلاك أجهزة الحواسب الآلية للحكومة، أو لأسباب فنية، أو غير فنية، أخرى (مثل ما يفعله حاسب مصلحة الأحوال الشخصية الذي يعتبر كل الناس laquo;مسلمينraquo; ما لم يثبت العكس ـ وأحيانا حتى لو ثبت العكس).
ولكن هذه اللخبطة الحسابية التي تؤدي إلى فروق تتراوح بين ١١٪ و ٣٤٪ هي بلا شك أمر طبيعي ومتعارف عليه، خصوصا في ظل العولمة وتحت تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعيات حرب غزة؛ وتقل عن المعدلات العالمية لما يحدث في شتى الدول المتقدمة التي تصدر فيها قرارات جمهورية بتصاريح كنائس. وربما نتج اللبس عن تلامس في أسلاك أجهزة الحواسب الآلية للحكومة، أو لأسباب فنية، أو غير فنية، أخرى (مثل ما يفعله حاسب مصلحة الأحوال الشخصية الذي يعتبر كل الناس laquo;مسلمينraquo; ما لم يثبت العكس ـ وأحيانا حتى لو ثبت العكس).
ثانيا: إن كنا مستعدين لأن نقبل الأرقام فيما يتعلق بالكنائس، لأن خلافا يصل إلى ٣٤٪ لا يفسد للود قضية ولا ينبغي أن يؤثر على صداقة ومصداقية أصدقائنا الحكوميين والأمنيين، فإن عدد الأديرة يبدو مبالغا فيه جدا. وحسب معلوماتنا فعدد أديرة الأرثوذكس، مثلا، أقل من ٢٥ وليس ٨٤، كما نشك جدا في أن تصل أديرة الكاثوليك والروم إلى ١١٢ ويبدو أن التعداد الحكومي يشمل الكثير من الأديرة الأثرية غير المأهولة في مصر والدول العربية الشقيقة.
ثالثا: ليس لدينا وسيلة للتأكد من حقيقة أرقام تصاريح الصيانة والإصلاح، وربما كانت laquo;علي الورقraquo; فقط وليس في الواقع. ولعل حادث الانهيار مؤخرا في كنيسة بمركز مراغة بسوهاج الذي راح ضحيته ثمانية أقباط، والذي قابله الأقباط باستسلام وفتور جديرين بقوم تأصلت ذميتهم، يعطي صورة عن الواقع:
الكنيسة عمرها أكثر من مائة عام ومبنية بالطوب اللبن. وفي عام ١٩٧٩ صدر تقرير من الادارة الهندسية بمديرية الإسكان بسوهاج يفيد بوجود شروخ متفرقة تسبب خطرا علي المصلين ولذا يلزم هدمها. وفي ١٩٨٦ تقدم أسقف المنطقة بطلبات للمسئولين يلتمس سرعة التدخل ولكن دون جدوي. وفي ٢٠٠٤ و ٢٠٠٦ تمت معاينات اخري للكنيسة أفادت بأن الشروخ آخذة في الاتساع والمبني يشكل خطورة علي المصلين ومعرض لللانهيار في اي لحظة. وفي نوفمبر ٢٠٠٨ تمت معاينة من ضابط أمن الدولة بسوهاج الذي هاله الوضع (!) وطلب تقديم رسومات هندسية لرفعها للمسئولين بالقاهرة (لاحظ: ليس laquo;للمحافظraquo;). وفي منتصف يناير انهار أحد الحوائط فاهتم laquo;المسئولونraquo; بالأمر وأبلغوا راعي الكنيسة بأنه تمت الموافقة علي إعادة بناء الكنيسة وطلبوا منه هدمها، علي أن يبدأ بعدها البناء. لكن عند الانتهاء من أعمال الهدم ثم الحفر تمهيدا للبناء، استدعى رجال الأمن الكاهن واخذوا عليه اقرارا كتابيا بعدم بدء البناء لحين استصدار الترخيص اللازم laquo;من القاهرةraquo;، برغم إعلامهم بأن كشف أساسات المنازل المجاورة سيعرضها للانهيار، بل رفضوا حتى التصريح بعمل دعائم وصلبات للحوائط المجاورة. وأخيرا، في ١٩ فبراير، حدث المتوقع وانهارت حواط المنازل المجاورة للكنيسة على عدد من الأشخاص الموجودين.
إن دماء الضحايا الأبرياء في هذا الحادث المؤلم، وغيره من الحوادث المؤلمة وما أكثرها، هي بلا شك في رقبة الدولة ـ من أصغر laquo;باشاraquo; أمن حتى أكبر رأس: (ذاك الذي لم يحدث قط طوال فترة حكمه العتيد أن اهتم أو أبدى تعاطفا مع الضحايا من laquo;رعاياهraquo; الأقباط).
كما يدل الحادث بجلاء على أن موضوع laquo;تفويض المحافظينraquo; سلطة إصدار القرارات في هذا الشأن لا يعني شيئا بالمرة لأن laquo;الأمنraquo; (بالقاهرة!) هو الذي يقرر في جميع الأحيان، ولا أهمية لمن laquo;يبصمraquo; على القرار ـ سواء كان بدرجة محافظ، أو رئيس لجمهورية مصر العربية الأمنوقراطية.
الكنيسة عمرها أكثر من مائة عام ومبنية بالطوب اللبن. وفي عام ١٩٧٩ صدر تقرير من الادارة الهندسية بمديرية الإسكان بسوهاج يفيد بوجود شروخ متفرقة تسبب خطرا علي المصلين ولذا يلزم هدمها. وفي ١٩٨٦ تقدم أسقف المنطقة بطلبات للمسئولين يلتمس سرعة التدخل ولكن دون جدوي. وفي ٢٠٠٤ و ٢٠٠٦ تمت معاينات اخري للكنيسة أفادت بأن الشروخ آخذة في الاتساع والمبني يشكل خطورة علي المصلين ومعرض لللانهيار في اي لحظة. وفي نوفمبر ٢٠٠٨ تمت معاينة من ضابط أمن الدولة بسوهاج الذي هاله الوضع (!) وطلب تقديم رسومات هندسية لرفعها للمسئولين بالقاهرة (لاحظ: ليس laquo;للمحافظraquo;). وفي منتصف يناير انهار أحد الحوائط فاهتم laquo;المسئولونraquo; بالأمر وأبلغوا راعي الكنيسة بأنه تمت الموافقة علي إعادة بناء الكنيسة وطلبوا منه هدمها، علي أن يبدأ بعدها البناء. لكن عند الانتهاء من أعمال الهدم ثم الحفر تمهيدا للبناء، استدعى رجال الأمن الكاهن واخذوا عليه اقرارا كتابيا بعدم بدء البناء لحين استصدار الترخيص اللازم laquo;من القاهرةraquo;، برغم إعلامهم بأن كشف أساسات المنازل المجاورة سيعرضها للانهيار، بل رفضوا حتى التصريح بعمل دعائم وصلبات للحوائط المجاورة. وأخيرا، في ١٩ فبراير، حدث المتوقع وانهارت حواط المنازل المجاورة للكنيسة على عدد من الأشخاص الموجودين.
إن دماء الضحايا الأبرياء في هذا الحادث المؤلم، وغيره من الحوادث المؤلمة وما أكثرها، هي بلا شك في رقبة الدولة ـ من أصغر laquo;باشاraquo; أمن حتى أكبر رأس: (ذاك الذي لم يحدث قط طوال فترة حكمه العتيد أن اهتم أو أبدى تعاطفا مع الضحايا من laquo;رعاياهraquo; الأقباط).
كما يدل الحادث بجلاء على أن موضوع laquo;تفويض المحافظينraquo; سلطة إصدار القرارات في هذا الشأن لا يعني شيئا بالمرة لأن laquo;الأمنraquo; (بالقاهرة!) هو الذي يقرر في جميع الأحيان، ولا أهمية لمن laquo;يبصمraquo; على القرار ـ سواء كان بدرجة محافظ، أو رئيس لجمهورية مصر العربية الأمنوقراطية.
رابعا ـ طبقا للجدول أعلاه فإن عدد تصاريح laquo;الكنائس الجديدةraquo; في السنوات العشر الأخيرة هو (٦٥). ولكن هذا الرقم، (إن كان صحيحا) يخفي أن معظم القرارات الصادرة هي مجرد laquo;تقنينraquo; أوضاع كنائس بنيت في الماضي عندما كانت الحكومات في بعض الفترات (حتى نهاية الحقبة الناصرية) أحيانا تتغاضى عن أو تتساهل في تطبيق laquo;الخطاب الموشح باللخط الهمايونيraquo; (الصادر عن الدولة العثمانية في فبراير ١٨٥٦) والشروط العشرة التابعة له. ولكن الدولة المصرية منذ ١٩٧١ وحتى الآن أصبحت تتمسك بتطبيق laquo;الخطraquo; وشروطه الإذلالية بهمة عالية وإصرار لا تهاون فيه. ويتلذذ رجال العسس والبصاصون بأجهزة الأمن في فرض سطوتهم قبل وبعد الحصول على القرار الجمهوري مما يجعل بناء كنيسة أمرا دونه الأهوال، يتطلب، في المعتاد، عشرات السنين. كما يقوم laquo;المواطنون الصالحونraquo; في كل مكان بواجبهم الشرعي للسهر على التأكد من أن أحدا لا يتجرأ على الصلاة في أي مكان بدون تصريح! وفي بلاد يندر أن يحترم أحد فيها (أفرادا وحكومة) القانون إلا إذا كان يصب في مصلحته، يدهشنا أن نجد إجماعا على احترام laquo;الخط الهمايونيraquo; حرفا وروحا، بما يجعله يستحق لقب laquo;القانون الأكثر احتراما في مصرraquo;.
وكما يبين نفس الجدول، فإن عدد قرارات laquo;بناءraquo; كنائس في ٢٠٠٦ و٢٠٠٧ هو laquo;ثلاثةraquo; في عامين، وهو أقرب بكثير إلى الواقع.
وبالمناسبة، فإن عدد القرارات الجمهورية الصادرة في ٢٠٠٨ هو laquo;١٧raquo;، ولكن كلها بدون استثناء (نكرر بدون استثناء) تتعلق بترميم (أي توفيق أوضاع) كنائس قائمة، منها ٦ للأرثوذكس و ٣ للكاثوليك و ٧ للإنجيليين (راجع التقارير الربع سنوية للمبادرة المصرية للحرية الشخصية التي يرأسها حسام بهجت).
وحتى لو افترضنا جدلا أن عدد تصاريح الكنائس الجديدة خلال السنوات العشر يصل إلى نصف العدد المذكور أعلاه (٦٥) ـ وهو فرض مستحيل ـ فإنه يعني زيادة إجمالية قدرها بالكاد ١،٣ ٪ وهي أقل من معدل زيادة السكان في السنة (وليس في العشر سنوات).
وهذا في حد ذاته، وبناء على أرقام الحكومة، هو إدانة بالغة للسياسات التمييزية الصارخة والمتعمدة التي تتبعها الدولة المصرية.
(بالمناسبة: هل تذكرون تساؤل أنور السادات في سبعينيات القرن الماضي عن عدد الكنائس التي تحتاجها الكنيسة سنويا. وعندما أُبلغ بأنه حوالي ٢٥ في السنة، قال ـ باستعباطه المعهود ـ بل سأعطيكم تصاريحا بخمسين في السنة! وبالطبع لم يحدث أي شيء من هذا، بل زاد التعسف ومازال مستمرا بلا هوادة).
وإذا اعتبرنا نسبة الأقباط للسكان هي (طبقا لتصريحات laquo;كبار المسئولينraquo;) ١٠٪ فقط، أي حوالي ثمانية ملايين ونصف، وحيث أن ٩٠٪ منهم ينتمون للكنيسة الأرثوذكسية، نجد بحسبة بسيطة أن هناك، على أفضل تقدير، كنيسة لكل (٥٩٢٠) فردا، إذا أخذنا الرقم الأعلى لعدد الكنائس. وليس غريبا إذن أن نجد حالات لا تحصى يضطر فيها المسيحيون للسفر عدة كيلومترات لأقرب كنيسة لممارسة بعض الطقوس الأساسية مثل الزواج والصلاة على الموتي. وليس غريبا أن نسمع عن عائلات بالقاهرة ذاتها لم تذهب للكنيسة في الأعياد منذ سنوات طويلة بسبب الزحام الخانق.
وكما يبين نفس الجدول، فإن عدد قرارات laquo;بناءraquo; كنائس في ٢٠٠٦ و٢٠٠٧ هو laquo;ثلاثةraquo; في عامين، وهو أقرب بكثير إلى الواقع.
وبالمناسبة، فإن عدد القرارات الجمهورية الصادرة في ٢٠٠٨ هو laquo;١٧raquo;، ولكن كلها بدون استثناء (نكرر بدون استثناء) تتعلق بترميم (أي توفيق أوضاع) كنائس قائمة، منها ٦ للأرثوذكس و ٣ للكاثوليك و ٧ للإنجيليين (راجع التقارير الربع سنوية للمبادرة المصرية للحرية الشخصية التي يرأسها حسام بهجت).
وحتى لو افترضنا جدلا أن عدد تصاريح الكنائس الجديدة خلال السنوات العشر يصل إلى نصف العدد المذكور أعلاه (٦٥) ـ وهو فرض مستحيل ـ فإنه يعني زيادة إجمالية قدرها بالكاد ١،٣ ٪ وهي أقل من معدل زيادة السكان في السنة (وليس في العشر سنوات).
وهذا في حد ذاته، وبناء على أرقام الحكومة، هو إدانة بالغة للسياسات التمييزية الصارخة والمتعمدة التي تتبعها الدولة المصرية.
(بالمناسبة: هل تذكرون تساؤل أنور السادات في سبعينيات القرن الماضي عن عدد الكنائس التي تحتاجها الكنيسة سنويا. وعندما أُبلغ بأنه حوالي ٢٥ في السنة، قال ـ باستعباطه المعهود ـ بل سأعطيكم تصاريحا بخمسين في السنة! وبالطبع لم يحدث أي شيء من هذا، بل زاد التعسف ومازال مستمرا بلا هوادة).
وإذا اعتبرنا نسبة الأقباط للسكان هي (طبقا لتصريحات laquo;كبار المسئولينraquo;) ١٠٪ فقط، أي حوالي ثمانية ملايين ونصف، وحيث أن ٩٠٪ منهم ينتمون للكنيسة الأرثوذكسية، نجد بحسبة بسيطة أن هناك، على أفضل تقدير، كنيسة لكل (٥٩٢٠) فردا، إذا أخذنا الرقم الأعلى لعدد الكنائس. وليس غريبا إذن أن نجد حالات لا تحصى يضطر فيها المسيحيون للسفر عدة كيلومترات لأقرب كنيسة لممارسة بعض الطقوس الأساسية مثل الزواج والصلاة على الموتي. وليس غريبا أن نسمع عن عائلات بالقاهرة ذاتها لم تذهب للكنيسة في الأعياد منذ سنوات طويلة بسبب الزحام الخانق.
خامسا: ومن ناحية أخرى إذا علمنا أن بمصر ١٢٠ ألف مسجد (إضافة إلى حوالي ٩٠٠ ألف مصلى) منها، طبقا لتصريحات وزير الأوقاف، أكثر قليلا من مائة ألف مسجد تحت إشراف وزارته (أي تنفق عليها الدولة)، لتبين أن هناك مسجد لكل (٦٣٠) مواطن مسلم، ويصبح الرقم (٧٥) لو أخذنا في الاعتبار المصليات والزوايا.
وتحضرنا هنا قصة شخص بالقاهرة قرر بناء laquo;معهد دينيraquo;، رحبت إدارة التعليم الأزهري باستلامه وإدارته بعد بنائه. وعندما قام المهندس المعماري بعرض الرسوم عليه، تساءل الرجل عن مكان laquo;المصليraquo;، فقال المعماري أن المعهد ملاصق لجامع كبير ويمكن ـ إذا لزم ـ فتح باب في حائط المعهد يؤدي مباشرة لساحة الجامع. لكن الرجل أصر على بناء مسجد بالمعهد على أن يكون له مئذنة تليق به. وامتثل المعماري الذي هو ـ بالمناسبة ـ laquo;قبطيraquo; (مما يدل بصورة حاسمة على laquo;انعدام التمييزraquo; في مصر)، وهكذا تم بناء المعهد ومسجده الملاصق لمسجد آخر، لمجرد أن الرجل جاءت في ذهنة الفكرة وفي قلبه الرغبة.
وتحضرنا هنا قصة شخص بالقاهرة قرر بناء laquo;معهد دينيraquo;، رحبت إدارة التعليم الأزهري باستلامه وإدارته بعد بنائه. وعندما قام المهندس المعماري بعرض الرسوم عليه، تساءل الرجل عن مكان laquo;المصليraquo;، فقال المعماري أن المعهد ملاصق لجامع كبير ويمكن ـ إذا لزم ـ فتح باب في حائط المعهد يؤدي مباشرة لساحة الجامع. لكن الرجل أصر على بناء مسجد بالمعهد على أن يكون له مئذنة تليق به. وامتثل المعماري الذي هو ـ بالمناسبة ـ laquo;قبطيraquo; (مما يدل بصورة حاسمة على laquo;انعدام التمييزraquo; في مصر)، وهكذا تم بناء المعهد ومسجده الملاصق لمسجد آخر، لمجرد أن الرجل جاءت في ذهنة الفكرة وفي قلبه الرغبة.
سادسا: النقطة الأساسية التي يتجاهلها خطاب الحكومة المصرية، إذن، هي مسألة المبدأ: أن الكنائس يجري التعامل معها بصورة مختلفة تماما عن المساجد. ومجرد كون أجهزة الحكومة تتابع حالات وقرارات الإصلاح والبناء دليل ساطع في حد ذاته. وكما يعلم الجميع فإن بناء كنيسة يتطلب في كل حالة قرارا جمهوريا يستهل عادة بهذه العبارة العجيبة: laquo;بعد الاطلاع على الدستور وعلى القانون، قررنا ما يلي...raquo; بدون أن نفهم أي مادة في الدستور (بخلاف laquo;المادة الثانيةraquo;!) يطلع عليها الرئيس قبل أن يصدر مثل هذا القرار الذي يضرب عرض الحائط بمواد الدستور نفسه.
إذن فأي كلام عن laquo;المساواةraquo; أو laquo;احترام الحقوق الدستورية والقانونيةraquo;، كما يزعم خطاب الحكومة المصرية الموجه للخواجات السذج، هو هراء مقطر.
السؤال الهام هو: هل هناك أمل في صدور laquo;قانون موحد لدور العبادةraquo;، الذي يتفشخر الخطاب بكونه laquo;تحت الدراسةraquo;، بينما هو في الحقيقة مازال مركونا بأحد أدراج مجلس الشعب منذ سنوات لأن laquo;القيادة السياسيةraquo; لا تريد صدوره، ولذلك فلا أثر له على laquo;خطة القوانينraquo; التي تنوي الحكومة إستصدارها في العام البرلماني الحالي، كما قدمها laquo;وزير شئون مجلسي الشعب والشوريraquo;.
واقعيا، علينا إدراك أن التعامل مع موضوع الكنائس بالصورة التي نراها والذي يتناقض تماما بالطبع مع بديهيات وأسس الدولة الحديثة، أمر يستمد جذوره في نص وروح laquo;الشريعة الإسلاميةraquo; فيما يتعلق بقواعد laquo;الذميةraquo;. ولم يحدث في تاريخ laquo;الدولة الإسلاميةraquo; أن كانت حرية العبادة (ناهيك عن laquo;حرية العقيدة!) مباحة بدون قيود. هل ستجرؤ إذن الحكومة المصرية، التي تتنافس مع laquo;المحظورةraquo; علي نفس الأرضية، على إصدار مثل هذا القانون؟
نعتقد أن الإجابة حاليا وفي المستقبل القريب هي بالسلب. البديل الآخر، الذي (برغم تهليلات البعض له) لا يقل سوءا، هو إصدار قانون مكبل بالقيود لا يختلف عما يحدث الآن في الواقع ـ أي بنفس الطريقة التي laquo;تدرسraquo; فيها الحكومة إصدار laquo;قانون للإرهابraquo; تمهيدا لإلغاء laquo;حالة الطواريءraquo;، اكتشف الجميع، بناء على المناقشات التي جرت حتى الآن، أنه سيكون مجرد تقنين لحالة الطوارئ.
ولا عزاء للأقباط ولا للمواطنة في جميع الحالات.
إذن فأي كلام عن laquo;المساواةraquo; أو laquo;احترام الحقوق الدستورية والقانونيةraquo;، كما يزعم خطاب الحكومة المصرية الموجه للخواجات السذج، هو هراء مقطر.
السؤال الهام هو: هل هناك أمل في صدور laquo;قانون موحد لدور العبادةraquo;، الذي يتفشخر الخطاب بكونه laquo;تحت الدراسةraquo;، بينما هو في الحقيقة مازال مركونا بأحد أدراج مجلس الشعب منذ سنوات لأن laquo;القيادة السياسيةraquo; لا تريد صدوره، ولذلك فلا أثر له على laquo;خطة القوانينraquo; التي تنوي الحكومة إستصدارها في العام البرلماني الحالي، كما قدمها laquo;وزير شئون مجلسي الشعب والشوريraquo;.
واقعيا، علينا إدراك أن التعامل مع موضوع الكنائس بالصورة التي نراها والذي يتناقض تماما بالطبع مع بديهيات وأسس الدولة الحديثة، أمر يستمد جذوره في نص وروح laquo;الشريعة الإسلاميةraquo; فيما يتعلق بقواعد laquo;الذميةraquo;. ولم يحدث في تاريخ laquo;الدولة الإسلاميةraquo; أن كانت حرية العبادة (ناهيك عن laquo;حرية العقيدة!) مباحة بدون قيود. هل ستجرؤ إذن الحكومة المصرية، التي تتنافس مع laquo;المحظورةraquo; علي نفس الأرضية، على إصدار مثل هذا القانون؟
نعتقد أن الإجابة حاليا وفي المستقبل القريب هي بالسلب. البديل الآخر، الذي (برغم تهليلات البعض له) لا يقل سوءا، هو إصدار قانون مكبل بالقيود لا يختلف عما يحدث الآن في الواقع ـ أي بنفس الطريقة التي laquo;تدرسraquo; فيها الحكومة إصدار laquo;قانون للإرهابraquo; تمهيدا لإلغاء laquo;حالة الطواريءraquo;، اكتشف الجميع، بناء على المناقشات التي جرت حتى الآن، أنه سيكون مجرد تقنين لحالة الطوارئ.
ولا عزاء للأقباط ولا للمواطنة في جميع الحالات.
التعليقات