1 ـ 2

تحالفٌ واسع من سبعِ أحزابٍ وحركات ومنظمات إضافة إلى العديد من الشخصيات السياسية العراقية أطلق على نفسه اسم quot;الائتلاف الديمقراطيquot; أعلن مشروعَه السياسي. القوى والشخصيات السياسية المشترِكة في الائتلاف تجمعها مُشتَرَكات عامة وجوهرية، أهمها العمل بالديمقراطية اللبرالية وفصل الدين عن السياسة. يتضمن المشروع نقاطا متقدمة ويتميز بالوضوح والجرأة في العديد من النقاط التي تجنبتها أحزابٌ أخرى غلّبت سياسة المراضاة مرسخةً مرضا سياسيا عراقيا مزمنا.
شهد العراق كبلد متنوع القوميات والطوائف والأديان تباعدا متصاعدا في الرؤى السياسية عمقت الشرخ بين مكوناته في السنوات الأخيرة ولم تبذل الكثير من القوى جهدا كافيا يستهدف البحث عن المشتركات، بل حصل العكس أحيانا، أي أن بعض هذه القوى توصل إلى نظرة ضيقة تفيد أن صراع مكونات الشعب العراقي يوفر له فرصةً أفضل للحصول على حقوقه، وبذا فإن مسعى quot; الائتلاف الديمقراطي quot; لإيجاد وتشخيص هذه المشتركات وإعلانها يشكل بحد ذاته خطوة كبيرة إلى الأمام.
يبدو أن أحد أهم مرتكزات الانطلاق في مشروع هذا التجمع السياسي هو التأكيد على الهوية الوطنية وإعادة الاعتبار لـ quot; العراق quot; كإطار للتعايش المشترك جاء هذا متزامنا مع الهجوم الذي تعرّض له هذا الإطار من قبل أكثر من طرف يسعى إلى تسفيهه واعتبار العراق كيانا مصطنعا لم تعد له ضرورة، فقد ورد في مقدمة هذا المشروع السياسي أن القوى المتحالفة ضمن هذا الائتلاف ترفض الولاءات الطائفية والقومية العنصرية وإنها quot; تعتمد العراقية والولاء لها المعيار الوحيد للمواطنة quot;... كما ورد في المادة الثانية المعنونة quot; القواسم المشتركة quot; النقطة الأولى ما يلي quot; اعتماد المواطنة، وتعزيز قيمها بتأكيد الهوية الوطنية العراقية quot;.
يتضمن البرنامج عدا ذلك مرتكزات أساسية أخرى هي الديمقراطية اللبرالية والعلمانية وهذه الأخيرة وردت بصيغتها الصريحة كما وبصيغة فصل الدين عن السياسة في أكثر من موقع.
و إذا ما كان من الصائب تشخيص الهوية الوطنية العراقية في الوقت الحاضر كإطار ونقطة انطلاق وحيدة متاحة لتحقيق المصالح المشتركة لكل مكونات الشعب العراقي، وإذا ما كان ذلك لا يتعارض وإنما يعزز المصالح والتطلعات quot; الفرعية quot; لكل مكونات الشعب العراقي بطريقة متناغمة مع المصلحة العامة ويوفر المقدمات لتحقيقها، فليس للمرء إلا أن يتساءل أما كان الأجدر والحالة هذه أن يسمى هذا الائتلاف بـ quot; الائتلاف الديمقراطي العراقي quot;؟.

مستويات مختلفة ومعقدة للمشروع السياسي
ورد في بيان التأسيس:
quot; وهنا لا بد من الإشارة أن من الضروري التمييز بين مشروعنا السياسي الموسوم بـ laquo;الائتلاف الديمقراطيraquo; وبين التحالفات الانتخابية، التي يمكن أن نكون جزءً منها، سواء كنا مبادرين أو مستجيبين لها، حيث أن المرحلة تتطلب التعامل بقدر أكبر من المرونة فيما هي القواسم المشتركة في إطار التحالف الانتخابي مما هو الحال مع الائتلاف السياسيquot;.
الصياغة الواردة quot; أن المرحلة تتطلب التعامل بقدر أكبر من المرونة فيما هي القواسم المشتركة في إطار التحالف الانتخابي مما هو الحال مع الائتلاف السياسيquot; تنطوي على عدم وضوح وخصوصا في القول quot; فيما هي القواسم.. الخ quot;.
و اذا ما كان فهمنا صحيحا فإن المشروع قيد التحليل يرى أن القواسم المشتركة التي قد تُعتمد في أي تحالف انتخابي سوف لن تكون بالضرورة هي نفس القواسم المشتركة المعتمدة لدى الائتلاف السياسي. وهنا تثار نقطتان:
الاولى: إن الائتلاف هو أصلا مجموعة أحزاب وكتل وتحالفات وشخصيات كان لدى كلٍ منها بالضرورة برنامجُها أو مشروعُها السياسي الخاص ثم توصلت إلى مقاربةٍ سياسية لتأسيس مشروعها السياسي المشترك الذي نحن بصدد تحليله ثم من المنتظر أن يكون لها مشروع سياسي ثالث توافقي في حالة دخولها في تحالفات انتخابية. بذلك سيكون لدينا ثلاثة مستويات للمشاريع أو البرامج السياسية يشكل لاشك لغما في طريق تحقيق المزيد من الانسجام الضروري وخصوصا في الحياة السياسية العراقية المليئة بطرق ملتوية للتآمر السياسي غير المعلن كما سنعرض لذلك بتفصيل أكبر.
إذا ما كان الذي بين يدينا مشروع سياسي مستقل عن مشروع آخر محتمل في حالة عقد تحالفات انتخابية، فإننا إزاء حزب ولسنا إزاء ائتلاف.
ثانيا: هذه الأطر الفضفاضة والإفراط في اللبرالية التنظيمية (وليست السياسية) أي ميوعة الحدود وتعدد مستويات البرنامج السياسي يضعف أي تحالف إلا اذا كان ما نراه تمهيدا للخطوة القادمة أي الاندماج في حزب واحد واختزال مستوى من مستويات المشاريع السياسية المنتظرة وسيكون هذا بمثابة تحدٍ لقدرة الساسة الفاعلين على تجاور التشرمذ والفسيفسائية السياسية.
تلعب الاعتبارات الشخصية والميل لتحقيق التطلعات الشخصية وحب القيادة دورا كبيرا في عقد أو انفراط التحالفات يفوق أحيانا دور برنامج متقدم مصاغٍ بعناية ودقة.
الترابط العضوي بين عناصر المشروع
و كما رأينا فقد وردت في سياق الحديث عن إمكانية عقد تحالفات انتخابية وإمكانية اعتماد مشروع سياسي مشترك آخر مع قوى أخرى العبارة التالية quot; مراعاة عدم التفريط بأسسنا الوطنية الديمقراطية الليبرالية التي تضمنها برنامجنا quot;. هذا ما يمكن اعتباره بديهية سياسية وهو عدا يتضمن قدرا من العمومية اذا لم يتم تأشير حدود المساومة وهل سيكون متاحا إسقاط عنصر من عناصر المبادئ المعلنة دون أن يسقط كامل البناء؟
يعرف المعادون لكل تحرك ديمقراطي علماني وخصوصا من قوى الإسلام السياسي والقوى المتحالفة معها لمصالح مختلفة كيف يصيبون أسس ومرتكزات مجموعة مترابطة من العناصر ويعرفون أين جوهرها من أجل تخريبها (في الحقيقة لا يعرفون غير ذلك). الديمقراطية اللبرالية والعلمانية والإطار العراقي كمعيار للولاء كلها عناصر لا يمكن أن تتجزأ وإن أحدها يشترط الآخر.
فلا ديمقراطية بدون فصل الدين عن السياسة أو الدولة كما رأينا من تجارب عديدة كما أن العلمانية بدون الديمقراطية والتعددية ستكون سلاحا بيد أي ديكتاتور وطاغية.
سنفترض السيناريو التالي سوف تقول حركة سياسية معلنة أو مستترة: برنامجكم رائع ولكن ما حاجتكم إلى الدعوة إلى فصل الدين عن السياسية نحن مستعدون للتحالف معكم بدون هذا..نحن ليبراليون مثلكم ولكن بدون فصل الدين عن السياسة.
تبدو الصفقة مقبولة للبعض في عالم السياسية، حيث من المألوف حصول تنازلات متقابلة، عندها سيكون ذلك بالضبط الإصابة القاتلة للركيزة التي تقوم عليها الركائز الأخرى ولن تكون سوى لعبة دمينو لعينة: سقوط الحجر الأول سيكون متبوعا بسقوط التالي والتالي إلى ما لا نهاية وسيكون الحجر الثاني سقوط الديمقراطية اللبرالية بما تنطوي عليه من تفاصيل التعددية، قبول الرأي الآخر... الخ.
إن هذه العناصر التحديثية المقترحة هي في الواقع كلٌ مترابطٌ لا يتجزأ. لقد وقعت أحزاب عريقة في مطب الانتقائية ورأينا أن تنازلا جوهريا لن يكون سوى مقدمة لتنازل آخر.

الفشل والظروف الموضوعية
يرد في أكثر من موقع في برنامج الائتلاف كما في برنامج أحزاب سياسية أخرى وكما في تصريحات قادة سياسيين عراقيين الحديث عن الظروف الموضوعية التي يُلقى باللوم عليها في حالة حصول فشل ما. ما هو شائع في العراق أن الفشل دائما أو في الغالب سببه الإرهاب أو ما قام به النظام السابق أو التدخل الخارجي...إلخ. لماذا إذن تم انتخابات نخبة من الساسة لقيادة شؤون البلد اذا كانت هذه النخبة أسوة بأبسط الناس لا تستطيع أن تشخّص وتعالج المشاكل وتجعل من الظروف الموضوعية شماعة لتعليق الفشل دون اللجوء الى مراجعة الذات وتقويمها بالنقد؟
لم أرَ أو أسمع أن مدربا لفريق كرة قدم ناهيك عن سياسي أوربي ألقى باللوم على الظروف الموضوعية في حالة فشله في أداء مهامّه. القادة السياسيون ومدربو الفرق الرياضية ومدراء المؤسسات.. الخ جميعهم يتنحون فورا في حالة الفشل. الناس تولي القادة أنفسها وتمييزهم عن نفسها لكي يقوموا بالتغلب على الظروف الموضوعية بواسطة مشروع نظري (برنامج أو مشروع سياسي) وتطبيقي (مجموعة إجراءات) تحسب الحسابات الحقيقية وتفعِّل الإرادة البشرية وتعمد إلى التشخيص الشجاع غير المهادن ولا الخائف من قول الحقيقة لا أن تعمد بعد جرد الحصاد البائس إلى القاء اللوم على الظروف الموضوعية. السياسي يتحمل وحده مسئولية الفشل وعليه أن يتحمل ذلك بشجاعة.
و يبقى برنامج الائتلاف الديمقراطي برنامجا متقدما بما لا يقاس مقارنة بما طرحته أحزاب أخرى وقد شخص بصواب العلل التي يعاني منها المجتمع العراقي وبعض طرق الخروج منها.
و ستكون لنا حلقة أخرى من نفس الموضوع حول بعض الأمور التي ربما أغفلها البرنامج مثل قضية المياه ومفهموم الدولة المدنية والمجتمع المدني والتواءات أخرى في الحياة السياسية العراقية.