إن قرار الجمعية العمومية عن نزع السلاح النووي مهم جدا، ولكنه لم يعالج الموضوعين الساخنين الملحين، أي النووي الإيراني، والخطر النووي الذي تمثله كوريا الشمالية.براون وسركوزي وحدهما كانا في الصميم. وقال سركوزي مخاطبا أوباما إن الطريق لنزع السلاح النووي الشامل يمر عبر منع حصول دول جديدة على السلاح النووي، وإن معاقبة الدول التي تقوم بالانتشار النووي معاقبة صارمة هي التي تخدم هدف عالم بلا نووي. إن وجود القنبلة عند هذه الدولة أو تلك لا يبيح السماح لدولة جديدة بامتلاك السلاح النووي بحجة أنها موجودة لدى غيرها، وسركوزي أكد مجددا أن معلومات الاستخبارات الفرنسية تؤكد الغرض العسكري من النووي الإيراني، وهذا أيضا ما ورد في الملحق السري لتقرير البرادعي قبل أسبوعين، وهو الملحق الذي اتهمت فرنسا الدكتور بإخفائه. وقد سبق أن توصلت لنفس المعلومات استخبارات الخارجية البريطانية في تقرير نفذ لصحيفة التايمز اللندنية، وكذلك، من قبل ذلك، تأكيد رئيس هيئة أركان الأميركية القوات الأميركية المشتركة قبل حوالي شهرين. حتى الدكتور البرادعي، المساير لإيران، كان قد صرح في حوار مع quot;الشرق الأوسطquot; في 18 يونيو الماضي بأن quot;ما لدى إيران من يورانيوم مخصب يكفي لإنتاج سلاح نووي واحدquot;، رغم محاولته الالتفاف على نفس المعلومة.
لذلك كله، طالب كل من سركوزي وبراون بكل وضوح أمام الجمعية العمومية بوجوب استخدام سلاح العقوبات إذا استمرت إيران على تعنتها.
الذي حدث بعد جلسات تلك الخطب، وخلال انعقاد القمة الصناعية، غير الجو وذلك بمفاجئة الإعلان الإيراني رسميا عن وجود مفاعل نووي سري قرب المدينة الدينية quot;قمquot;، مما ألهب الغضب الغربي في اجتماع مع الصحافة حضره أوباما وبراون وسركوزي، ولاسيما التصريحات القوية الجديدة لبراون وسركوزي. كما أبدى الجانب الأميركي مخاوفه، وصعد اوباما من لهجته تجاه إيران، وهدد بالعقوبات.
إن انكشاف مفاعل قم، الذي كانت المعلومات عنه قد تسربت للمخابرات البريطانية والفرنسية والأميركية، قد برهن بلا التباس على سياسة وأساليب الخداع والمناورة التي تستخدمها إيران منذ 2002 بصدد نشاطها النووي ذي الأهداف العسكرية. إن التعنت الإيراني جعل حتى الروس يبدلون بدرجة ما موقفهم باحتمال القبول بعقوبات جديدة، رغم تأكيدهم على أنها لا تجدي. ولا نعلم عن أي نوع من العقوبات يتحدثون، إذ منها ما يوجه ضربة في الصميم للنظام الإيراني. ونسأل من جانبنا، إلى متى العقوبات، وهي تؤذي المواطنين أيضا وليس النظام لوحده؟؟
وزير الدفاع الأميركي، غيتس، أكد بأن quot;الإيرانيين ينوون الحصول على السلاح النوويquot;، ولكنه، عاد مستدركا للقول بأن هناك quot;شكوكاquot; حول عزمهم على السعي لذلك. هذا تناقض، ربما هو مقصود لتبرير مواصلة الأمل بعقلانية إيران، والرضوخ للقرارات الدولية. وقد قال في نفس المقابلة التلفزيونية، وبحزم :
quot; إذا لم يكن البرنامج النووي الإيراني مخصصا سوى لأهداف مدنية، فلماذا لم يكشفوا عن وجود هذا الموقع عندما بدئوا ببنائه؟ ولماذا لم يسمحوا لمفتشي الوكالة الدولية بتفقده منذ البداية؟quot;، وأضاف :quot; كل هذا جزء من إستراتيجية تقوم على الخداع والكذب، يستخدمها الإيرانيون عندما يطرح موضوع برنامجهم النووي.quot;
والآن؟ الحكام الإيرانيون أعلنوا مرارا وتكرارا بأن لا تفاوض حول برنامجهم النووي، وهم، بالعكس، يريدون الجلوس مع الكبار على قدم المساواة لبحث جميع المشاكل الدولية، طبعا باستثناء النووي الإيراني، والاعتراف بإيران كدولة نووية مهيمنة في المنطقة.
ترى، إلى أين سينتهي التعنت الإيراني بالعالم، وبإيران نفسها؟؟
الاحتمالات عديدة، وكل منها خطير.
السماح لإيران بالقنبلة يهدد شعوب منطقتنا وأوربا والمصالح الغربية، ولا نعتقد أن دولا كفرنسا وبريطانيا وألمانيا سترضخ. أما أوباما، فنرى أن موقفه بعد كشف مفاعل قم قد صار صعبا جدا وشديد التعقيد، فهل سيستمر الاتجاه نحو التعايش مع القنبلة تحت رقابة دولية صارمة، وما يدعى بمظلة عسكرية وقائية في أوروبا والمنطقة؟ ولكن أوباما تخلى عن مشروع الدرع الصاروخية في بولونيا وتشيكيا، الموجه تجاه الخطر الإيراني، وعرض الرئيس الأميركي بذلك البلدين لمخاطر التوسعية الروسية، ودون أن تقدم روسيا تنازلا هاما مقابلا، سوى تصريح ضعيف عن إمكان فرض عقوبات جديدة على إيران، مع تأكيد ميدفيديف على أن العقوبات غير مجدية، وإن دفعته quot;صدمةquot; كشف المفاعل الجديد لإدانة وجود المفاعل واعتباره انتهاكا للقرارات الدولية. فهل سيسير الروس أبعد تجاه إيران؟ احتمال، ولكنه غير كبير كما نرى.

نسأل:
هل الاحتمال القوي فرض عقوبات غربية قاسية، ولكن بعد المفاوضات المقررة القادمة، وما يعنيه من ضياع وقت آخر ثمين تستغله إيران؟
أم أن الخيار العسكري بات غير مستبعد، وأقرب مما كان متصورا لحد اليوم؟؟ إنه خيار صعب للغاية لما يترتب عليه من تصاعد قوى التطرف العنف والإرهاب في المنطقة والعالم؛ ثم هل سيكون حربا غربية، أم ضربة إسرائيلية بضوء غربي أخضر؟؟
الجو صار مكفهرا في وجه إيران، فهل سوف تتراجع؟ لا نعتقد أبدا، فهي تعول على القوى الموالية والمساندة لها، تماما كما كان يفعل صدام.
وهكذا يضع نظام ولاية الفقيه العالم أمام خيارات صعبة، مواصلا توتير الجو الدولي، ومستمرا في التدخل في دول المنطقة، وفي دعم وتمويل وتسليح قوى الإرهاب من مختلف المشارب والمذاهب والتفرعات.
وقد تساءل كتاب عرب موضوعيون عن أسباب بناء المفاعل في مدينة مقدسة عند الشيعة. أليس ذلك لتهييج الشيعة وكل المسلمين فيما لو تعرض المفاعل للقصف، والادعاء آنئذ بأن العالم، وخصوصا الغرب quot;الكافرquot;، ضد الإسلام؟؟!
مهما يكن، ومهما فعل النظام الإيراني، فإنه منهار على أية حال، والمجتمع الدولي لن يتساهل طويلا مع الخطر الإيراني المتصاعد، والذي قد يواجه أخيرا بعملية جراحية دولية كبرى تستأصل الخطر!!