صحيح أن رصاصة الإجرام أخطأت المرشح الرئاسي دونالد ترامب في بنسلفانيا، لكنها اخترقت جدار الأمان الديمقراطي الأميركي وأصابت في الصميم خصمه الرئيس جو بايدن، الذي يحمل على أكتافه ثقل الشيخوخة ويصر على المضي في السباق الرئاسي.

لم يكن ترامب بحاجة إلى "رصاصة النصر" كي يقلب عدادات استطلاعات الرأي لمصلحته، لكن محاولة الاغتيال التي هزت العالم كفيلة بثبات معسكر الديمقراطيين خلف قرار إقناع جو بايدن بالخروج من السباق الرئاسي. ما لم يكن الأخير يخفي في جعبته "إنجازات" إقليمية تفوق في تأثيرها صدى رصاصة الاغتيال، ويتكئ عليها في مواجهة ترامب الجريح.. وندوب الكهولة.

في المنطق السياسي، دونالد ترامب حسم معركة الرئاسة في بنسلفانيا، وعلى العالم أن يستعد لعودته إلى البيت الأبيض. وهنا على الفلسطينيين -سواء السلطة الفلسطينية أو حماس- الاستعداد لتجرع مرارة إحياء القرارات الترامبية وفي مقدمتها الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وتشجيع الاستيطان، فضلاً عن إحياء أو استكمال مشروع صفقة القرن بقيادة الصهر جاريد كوشنر.

لن تجد إدارة ترامب -في حال عودتها- أفضل من الأرضية السياسية التي خلفها طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي كي تكمل عملية قضم حلم الدويلة الفلسطينية، والمضي في استكمال ما ورد في صفقة كوشنر.

إلى جانب الخسائر التاريخية، عسكريًا وبشريًا، التي أصابت "غزة حماس"، هناك اثنان يعبران في أسوأ مراحلهما السياسية هما السلطة الفلسطينية بزعامة محمود عباس، والحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتانياهو، والأخيران مرشحان لأن يكونا أول ضحايا إحياء صفقة القرن والشرق الأوسط الجديد الذي وعدتنا به أميركا.

كانت السلطة الفلسطينية أولى ضحايا تسونامي "طوفان الأقصى". فقدت دورها كسلطة سياسية عندما استُبعدت من مفاوضات خارطة اليوم التالي في غزة. فقدت دورها كسلطة أمنية في ضبط الشارع بالضفة الغربية. فقدت هيبتها كجهة راعية لمواطنيها مع نضوب خزينة الدولة وعجزها عن سداد كامل رواتب الموظفين تحديداً العسكريين منهم. ثم فقدت الحاضنة السياسية العربية والعالمية وبات الدعم لا يتجاوز اجترار بيانات التأييد.

وقد لا يجافي الحقيقة القول إن طوفان الأقصى قضى على دور حماس في غزة لكنه دمر مستقبل السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي ومن غير المستبعد أن تطل الإدارة الأميركية الجديدة بقرار بكيان وربما كيانات سياسية فلسطينية جديدة تواكب مرحلة "اليوم التالي" وتتأقلم معها.

في المقابل، إذا قُدر لصفقة القرن أن تنطلق مجدداً، وهو المرجح، فإن القطار لابد أن يلفظ من مقاعده بنيامين نتانياهو. فبعد نحو مائة ألف من الضحايا بين قتيل وجريح ودمار لم تشهده البشرية منذ الحرب العالمية الثانية في قطاع غزة، فإنه من الصعوبة بل من الاستحالة أن يكون له مكان في معادلة الشرق الأوسط الجديد الموعودة.

فشل نتانياهو في إلحاق هزيمة بحماس ترضي غرور جيشه. وفشل في رأب الصدع السياسي الكبير في ائتلافه الحاكم. وفشل في جر واشنطن إلى حرب مع إيران أو حزب الله في جنوب لبنان. وهو، أي نتانياهو، على موعد مع الفشل في مواجهة قضايا الفساد التي تطوقه في الداخل الإسرائيلي.

ختاماً، ثمة من يرى أن تسونامي طوفان الأقصى أطاح بمرتكزات القضية الفلسطينية. وأن طلقة بنسلفانيا ربما تحيي مشروع صفقة القرن. جعبة الأيام قد تحمل إجابات.