لم يكن صاحب السمو الملكي الأمير سيدي محمد يتخيل لحظة أنه سيدخل مستشفى ابن سيناء بالرباط وليا للعهد وسيغادره، بعد بضع ساعات، ملكاً جديداً على المملكة المغربية. حدث ذلك يوم الجمعة 23 تموز (يوليو) 1999، حين اضطر أطباء الملك الحسن الثاني إلى حمله على وجه السرعة إلى مستشفى ابن سيناء نتيجة تعرضه لأزمة قلبية حادة.

مع والده الملك الحسن الثاني في احدى مناسبات توديع الحجاج

كان الملك الحسن الثاني قد هاتف، ليلة الخميس، أحد مستشاريه ثم أحد المسؤولين عن التشريفات الملكية وأخبرهما أنه قرّر أخذ قسطٍ من الراحة خلال الأيام الثلاثة المقبلة (الجمعة والسبت والأحد) وطلب منهما إلغاء كافة التزاماته ومواعيده.

ولي عهد المغرب آنذاك في موكب استقبال العداء الأولمبي الشهير سعيد عويطة

في نفس الليلة، سمح الملك الحسن الثاني لمعاونيه ومساعديه بمغادرة مقر إقامته بالصخيرات، ضواحي الرباط، حيث كان يقضي عطلة الصيف. في تلك الليلة، شعر الملك باضطراب في أحواله الصحية وبعياء ألزمه الفراش، لذلك قرر بعد استشارة أطبائه، الخلود للراحة. في هذه الأثناء، كان ولي العهد على علم بمجريات الأحداث، يتابعها عن قرب، ويستطلع الأطباء ويدعو بالصحة والسلامة لوالده.

في قاعة الإنعاش
في مستشفى ابن سيناء، ستتدهور الأوضاع الصحية للملك وسيُسارع الأطباء إلى إدخاله قاعة الإنعاش الطبي، تلك القاعة التي سبق للملك الحسن الثاني أن أمر بإنشائها في الطابق الرابع، الذي خُصص لأمراض القلب بعد أن تبيّن له انعدام وجود مستشفى خاص بهذه الحالات من الأمراض. تابع الملك الحسن الثاني تجهيز هذا المستشفى المتخصص بل ساهم في اقتناء أحدث التجهيزات للفحص والعلاج. وطيلة عدة سنوات استفاد من هذه المبادرة الملكية آلاف المرضى. ومن أسرار القدر أن الملك الحسن الثاني سيدخل بدوره هذا الطابق وسط أجواء من التوتر والترقب.


مع رئيس الكونغو دينيس ساسو نغيسو

وقف ولي العهد، وشقيقه الأمير مولاي رشيد، أمام قاعة الإنعاش. كانا حزينين، غالبت عيونهما الدموع. كان ولي العهد على اتصال دائم بالأطباء يخبرونه بانتظام بالتطورات الطبية والمجهودات المبذولة لمواجهة الأزمة القلبية. كان سيدي محمد يحمل هاتفه النقال ويُجيب على تساؤلات والدته وشقيقاته الأميرات... كان يرد بصوتٍ خافتٍ وهادئٍ ينقل إليهن ما تناهى إلى علمه من معلومات.
شعر الأمير في تلك اللحظة بخطورة الوضع، وعِبء المسؤولية، واستعد فكرياً ونفسيا لمواجهة الموقف بما يتطلبه من حكمة وتبصر. كان على علم، وهو في السادسة والثلاثين من عمره، أنه مؤتمن على مصير عائلة شريفة حاكمة منذ ثلاثة قرون ونصف قرن، بل ها هي الأقدار تختاره ليتحمل مسؤولية استمرار إحدى أقدم الملكيات في العالم، عمَّرت اثني عشر قرناً، من إدريس الأول إلى الحسن الثاني. في هذا الظرف الحرج، كان على الأمير سيدي محمد أن يحمل المشعل ويواصل الطريق.

افتخار ملك
لم يكن الرأي العام المغربي على علم بما يجري في الطابق الرابع من المستشفى، ولا تفاصيل ما جرى ليلة الخميس، ولا اضطرار الأطباء إلى حمل الملك إلى قاعة الإنعاش، لكنه كان على علم أن الملك الحسن الثاني يعاني منذ زمن، وأن مرضه لم يكن سراً داخل أسوار القصر. كان ظهور الملك، في آخر أعياد ميلاده، يوم 9 يوليو، يوحي بأنه مريض، إذ لاحظ المشاهدون، على شاشة التلفزيون، أنه كان شاحب الوجه بطيء الخطى، متثاقلاً في حركته، تقبَّل التهاني من عدد قليل من الرسميين، قبل أن يغادر باحة القصر. كان ولي العهد إلى جانبه يؤازره ويقف إلى جانبه ويأسف لوضعيته الصحية.

ورغم كثرة الشائعات، استبشر المغاربة خيراً عندما تابعوا، ليلة الرابع عشر من يوليو، الاستعراض العسكري للجيش الفرنسي في أرقى شوارع باريس. كان الملك حاضراً إلى جانب الرئيس الفرنسي جاك شيراك. بدا الملك الحسن الثاني، بلباسه التقليدي، سعيداً لمشاهدته الوحدات العسكرية المغربية وهي تفتتح الاستعراض.


في عشاء رسمي رفقة ملك بلغاريا السابق سيميون الثاني ويبدو الى جانبه الدكتور عز الدين العراقي رئيس الحكومة وأحمد عصمان رئيس مجلس النواب

لاحظ الناس ابتسامة الملك عندما وقف احتراماً للعلم الوطني وهو يتقدم الجوق النحاسي للحرس الملكي، تتلوه وحدات من القوات المسلحة الملكية. بدا جليا أن الحسن الثاني شعر بالافتخار نظراً لما أبانت عنه الوحدات العسكرية المغربية، وهي تعبر شارع الإليزيه، من انضباط وتنظيم. كما لاحظ المغاربة أنه بمجرد مرور الوحدات المغربية، انحنى الرئيس الفرنسي لتهنئة الملك الحسن الثاني على حضوره شخصياً وعلى سلاسة ودقة مشاركة الطلائع المغربية.

في تلك الليلة كان الشعور العام لدى المغاربة ،هو أن الملك في صحة وعافية رغم مظاهر العياء،معتبرين ذلك نتيجة طبيعية لما تطلبهالسفر والحضور والوقوف لساعتين .

رحيل ملك
في الطابق الرابع، كانت الأجواء متوترة والأخبار غير مطمئنة مع جملة انتظارات وتكهنات. كان ولي العهد يستعد دون أن يتسرع، ففي هذه الوضعية لم يكن من التقاليد أن يتخذ الإجراءات الضرورية للحفاظ على السير الطبيعي للمملكة. إنه ولي للعهد في خدمة الملك... إنها لحظات من أصعب لحظات التاريخ، في الأنظمة الملكية، حين يكون الملك في قاعة الإنعاش، بين الموت والحياة، وإلى جواره ولي عهده لا يستطيع اتخاذ المبادرة. إنها أخطر الفترات في مسار انتقال المُلك، لابد خلالها من الصبر مع الاستعداد لضمان الانتقال الهادئ والسلس للجلوس على العرش.

كان ولي العهد مهيئاً لمواجهة كلّ الاحتمالات سواء تعلق الأمر بانتعاشة مرجوة لوالده، أو استمرار إقامته في المستشفى. كما كان مهيئاً لاحترام واجباته الدستورية وأن يتولى فوراً المسؤولية إثر وفاة محتملة.


ولي عهد المغرب الأمير سيدي محمد يلقي كلمة في حفل عشاء رسمي اقامته على شرفه مارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا في مقر رئاسة الحكومة في 10 داونينغ ستريت بلندن

كان الملك الحسن الثاني يملأ كل المساحات، بينما كان ولي عهده يحترم «التقاليد السلطانية» التي تجعل ولي العهد الرّجُل الثاني في سلم البروتوكول دون أن يحتل نفس الرتبة في سلم الحكم. كانت تلك التقاليد تقضي أن تكون غالبية السلط بيد الملك وولي عهده يتكون يراقب ويتهيأ.

أمام خطورة الوضع قرر الأمير إخبار الشعب المغربي بما يجري في الطابق الرابع من مستشفى ابن سيناء، فأصدرت التشريفات الملكية بلاغاً، حوالي الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر، أعلنت فيه هيئة أطباء القصر «أن جلالة الملك الحسن الثاني التحق هذا اليوم بمستشفى ابن سيناء على إثر التهاب حاد في رئتي جلالته، استلزم مراقبة مستمرة لجهازي القلب والتنفس». بهذا البلاغ حرص ولي العهد على تقاسم المعلومات الطبية مع كافة المواطنين ليكون الرأي العام الوطني والدولي على علم بالحالة الصحية للملك الحسن الثاني.

فجأة دُعي الأمير لدخول قاعة الإنعاش. ساد الصمت وجاء الخبر المحتوم المُعلن عن وفاة الحسن الثاني بعد حكم دام ثمانية وثلاثين سنة، بصفته الملك الثاني والعشرين في سلالة الدولة العلوية. سالت دموع الأميرين وشعرا باليتم هما اللذان عاشا في كنف ملك عظيم.

انحنى الأطباء آسفين مُحبطين بعد جهود كثيفة بَدَلُوها طيلة عدة ساعات. كانوا أول المعزين والمبايعين للملك الجديد، إذ منذ تلك اللحظة، الحاسمة والتاريخية، أصبح ولي العهد الأمير سيدي محمد الملك الثالث والعشرين في سلالة الدولة العلوية الفيلالية السجلماسية. كان أول سلاطينها هو محمد الأول، في منتصف القرن السابع عشر، وها هو محمد السادس يتولى المُلك في مطلع القرن الواحد والعشرين. هو ثالث الملوك منذ أن قرر جدّه محمد الخامس التخلي عن لقب «السلطان» واختار لقب ملك المملكة المغربية.

أكد الملك الحسن الثاني في كتابه «التحدي» «إن الثقة التي يوليها الشعب إلى ملِكه هي وديعة مقدسة، ولم يتخل والدي عن هذه الثقة إلا عندما تخلت الحياة عنه، وقد سلمها إليَّ كما سأُسلمها بدوري إلى ولي العهد سيدي محمد... ولدي».

مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في بغداد

الهدوء والحزم
لم يعد ولي العهد يلقب كما هي التقاليد بالقصر الملكي بـ «اسْميت سيدي» بل أصبح الآن حسب نفس التقاليد «سيدنا». لذلك أصبح واجباً على «سيدنا» أن يتحرك بحزم وذكاء ليتحكم في المجال. كان على قناعة بأنه أمام أكبر وأخطر امتحان في حياته، وكان على يقين أن أي خطأ أو هفوة مهما كان حجمها ستكون لها انعكاسات أكيدة على مسار المملكة وبالتالي على مستقبل البلاد.

غادر «سيدنا» المستشفى بعد أن أصدر أوامره بخصوص نقل جثمان والده إلى القصر الملكي. وظهر واضحاً أن الأمر لابد أن يظل سراً لبعض الوقت في انتظار إعداد الأجواء المناسبة.
وهو في الطريق إلى القصر الملكي، غير البعيد عن المستشفى، كان يجفف دموعه. في القصر استقبلته العائلة الملكية باكية حزينة. ارتمت في أحضان الملك الجديد للتعزية والمبايعة. كانت الأسرة شاهدةً على أن الأمير سيدي محمد مهيأ لهذه المسؤولية العظمى. وكما اعتادت التقاليد، انطلقت الزغاريد إيذاناً بالفرح بعد مبايعة العاهل الجديد.

مع الرئيس المصري الراحل حسني مبارك

إلى جانب قاعة العرش، وفي جو مفعم بالحزن، حدد الملك الأولويات إذ كان عليه أن يتحرك على عدة واجهات، انطلاقا من الاحترام والالتزام بالإجراءات الدستورية والتقاليد المرعية. كان لابد من الإعداد الدقيق لمراسيم البيعة وتنظيمها وتحديد لائحة المدعوين لها. كان من الضروري أيضا إخبار الرأي العام وإعداد الخطاب المناسب. كان كذلك من اللازم اتخاذ الإجراءات الأمنية والتنظيمية والإعداد المحكم لمراسيم الجنازة.


مرتديا هو وشقيقه الامير مولاي رشيد بدلة عسكرية رفقة الراحلين الهادي المبروك وزير خارجية تونس الاسبق وعبد اللطيف الفيلالي وزير خارجية المغرب الاسبق


كان «سيدنا» يشرف على هذه الاستعدادات، يصدر الأوامر بما تقتضيه الأوضاع من السرعة دون التسرع ومن الهدوء دون التراخي ومن الحزم دون التوتر.

وسبق للملك الحسن الثاني في لقاء مع مجلة «باري ماتش» (نوفمبر 1976) أن تحدث عن تكوين الأمير وإعداده قائلاً: «إني أحرص على أن أجعل من ولي العهد رجلاً يمكنه أن يخدم الجميع بمعنى أن يكون له حدّ أدنى من الاعتزاز بالنفس، وحدٍّ أدنى من الشخصية مع الاحتفاظ بصفة التواضع وألا يكون متوسط الذكاء... لقد علمني والدي هذه الصفة».

المدرسة المولوية
التحق الأمير سيدي محمد وهو في الخامسة من عمره بالكتاب القرآني «لمْسيد» داخل القصر الملكي، وطيلة حياته الدراسية واصل حفظ القرآن الكريم والاستماع إلى شروحه مما جعله دائم الاتصال بكتاب الله.


في المدرسة المولوية

التحق الأمير سيدي محمد وهو في الخامسة من عمره بالكتاب القرآني «لَمْسيد» داخل القصر الملكي، وطيلة حياته الدراسية واصل حفظ القرآن الكريم والاستماع إلى شروحه مما جعله دائم الاتصال بكتاب الله.

كانت الدراسة في «لمسيد» تتم حسب الطريقة التقليدية المغربية كما كان يتابعها سلاطين المغرب عبر العصور.
بعد سنتين، سيلتحق الأمير بقسم الدراسة الابتدائية، بداية في حجرات داخل القصر، قبل أن ينتقل إلى بناية «المدرسة المولوية» (المدرسة الأميرية) التي اختار لها الحسن الثاني مجموعة من الأساتذة المبرزين لتعليم الأمير. كانوا مغاربة وأجانب.

في القسم، كان الأمير محفوفاً بزمرة من التلاميذ اختارهم الملك لمرافقة الأمير في مسيرته الدراسية، كانوا حسب رغبة ملكية من جهات مغربية مختلفة ومن أوساط شعبية متوسطة. وباستعراض سريع لأسماء أولئك التلاميذ وأوضاع عائلاتهم يتأكد أنهم ينتمون لأوساط اجتماعية متواضعة ارتاحت لاختيار أبنائها لمرافقة ولي العهد في الدراسة الابتدائية والثانوية والجامعية.


ولي العهد الامير سيدي محمد مع جين كيرك باتريك مندوبة أميركا السابقة لدى الامم المتحدة ويبدو إلى جانبها مستشار الملك الحسن الثاني أحمد رضا كديرة بينما بدا إلى جانب ولي العهد السفير الاميركي آنذاك جوزيف ريد


كانت إحدى أهداف هذا الاختيار هو السماح لولي العهد بالعيش مع أبناء الشعب ونسج علاقة صداقة ومودة معهم تسمح له بالاطلاع على أحوالهم وطريقة عيشهم وحياتهم الأسرية.

أسس الملك الراحل محمد الخامس «المدرسة المولوية» في بداية عقد الأربعينيات من القرن الماضي، وجعل منها نواة للتعليم والتربية لأبنائه وبناته. كان محمد الخامس، بهذه المبادرة التربوية، أول ملك مغربي ينشئ داخل القصر مدرسة حديثة متفتحة على الثقافات الإنسانية محافظة على التقاليد المغربية.

في هذه المدرسة تعلم الملك الحسن الثاني وشقيقه الأمير مولاي عبد الله، وهُنا أرادت الأقدار أن يدرس الأمير سيدي محمد وشقيقه الأمير مولاي رشيد.

صلاة الجمعة
كان الأمير ورفاقه العشرة يخضعون لنظام العيش والدراسة داخل المدرسة، يقضون بها الأسبوع بكامله ولا يغادرونها إلا صبيحة الأحد ليعودوا إليها مساء نفس اليوم. في يوم الجمعة يتوجه الأمير وباقي أصدقائه التلاميذ إلى مسجد آهل فاس الموجود في باحة القصر. كانوا يرتدون اللباس المغربي التقليدي: الجلباب الأبيض والطربوش الأحمر والبلغة الصفراء. يمتطون حافلة تنقلهم إلى المسجد وتعيدهم إلى المدرسة بعد أداء صلاة الجمعة مع كافة المصلين.

كان الأمير والتلاميذ يستفيقون يومياً في السادسة والنصف صباحاً ويلتحقون بـ«لمْسيد»، وبعد ذلك يخرجون إلى ساحة المدرسة لحضور مراسيم رفع العلم الوطني. كان العلم يُرفع كل صباح ويتم إنزاله بنفس المراسيم بعد نهاية الدروس، ويُسلم لأحد التلاميذ الذي يأخذه بكثير من الاحترام إلى المكان المخصص له داخل المدرسة في انتظار رفعه من جديد.

مباشرة بعد رفع العلم يتناول الجميع طعام الفطور ثم تبدأ الدراسة، انطلاقا من الثامنة صباحا إلى منتصف اليوم، لتُستأنف بعد طعام الغذاء حتى الساعة السادسة.

كان الملك الحسن الثاني يتابع باهتمام الدروس والمناهج ويوجّه الأساتذة سواء بالنسبة لولي العهد أو لشقيقه مولاي رشيد الذي كان هو الآخر يقيم مع رفاقه في نفس المدرسة كتلميذ داخلي.

كانت المدرسة خلية لا تتوقف فيها الحركة، والمنافسة فيها على أشدها بين التلاميذ بغية الفوز بأعلى النقط وأحسن ارتسامات الأساتذة.

الأدب والشعر
كان الملك الحسن الثاني في مناسبات عديدة يدعو الأساتذة ويسألهم ويناقشهم بغية رفع مستوى الدراسة والتحصيل، بل كان في مناسبات أخرى يوجّه الأساتذة ويدعوهم إلى مراجعة وتغيير المراجع والمناهج. هكذا نجده عندما عيّن أحد أساتذة المعهد، الوزير المكلف الشؤون الثقافية، السيد الحاج امحمد باحنيني مشرفاً على تربية أصحاب السمو الملكي الأمراء والأميرات (يناير 1980) يخاطبه قائلاً: «إننا قررنا في تلقين العلم والمعرفة منهجاً، ربما يبدو غريباً خاصة في المواد العربية الأصيلة التي نعتبرها ركائز لكل تثقيف وتكوين كالآداب واللغة والشعر والتوحيد والفقه والنحو والصرف ومعرفة الأفكار الإسلامية وتياراتها. لذلك قررنا تلقين هذه المواد على الكيفية الأصيلة على يد علماء مشاركين».

لاشك أن هذا التوجيه بالعناية باللغة العربية والدراسات الإسلامية جاء نتيجة ما كان يروج في الساحة الوطنية من حراكٍ ونقاش، وما كان يموج في المجتمع من نظريات وأفكار، وبذلك أراد الملك ألا تظل المدرسة في واد ومحيطها في واد آخر ،بل رغب في أن يكون ولي عهده مسلحاً ومواكباً لكل التطورات الفكرية والإيديولوجية.لقد كانت جهود الملك الحسن الثاني تكمُن في إعداد «ملك المستقبل» مسلحا ليعيش عصره وما سيعرفه من تغييرات وصراعات وتقلبات تتطلب من الأمير إدراك أسسها ودوافع بروزها وأسباب انبثاقها.كان عليه كذلك أن يدرس الفلسفة والتاريخ والجغرافيا والآداب الإنسانية كأدوات ضرورية للانفتاح على العالم وفهم ميكانيزماته وتطوراته.

في المدرسة ستنشأ صداقات بين التلاميذ، وهم يعيشون في قسم الدراسة وحجرات النوم وساحة الملاعب وقاعة المراجعة.كان ولي العهد تلميذا يعيش وسط رفاقه.

كان في المطعم يجلس حول مائدة محاطا ببعض التلاميذ وكان في قاعة المراجعة وإعداد التمارين يشتغل دون توقف، علما منه أن والده كان لا يقبل النتائج المتوسطة كما قال مرة لمجلة «باري ماتش» (نوفمبر 1976):«لقد علمني والدي أن أفضل مثلا أن ينال ولي العهد نقطة الصفر على أن يكون متوسط الذكاء»، وللحصول على هذه المرتبة كان على الأمير أن يعمل أكثر ، وأن يجتهد أكثر وأن ينافس أصدقائه.



القفز على الحواجز
خلال فترة الدراسة في السلك الثانوي ظهرت موهبة عند الأمير تتجلى في الرسم. كان في ساعات الراحة رغم قلتها يرسم لوحات زيتية تعكس توجهاً فنياً وإبداعياً يجمع بين قوة الملاحظة ومرونة الريشة وجمالية الألوان.

إلى جانب ذلك، كان، وما زال، عاشقاً للفرس. ولما لم تكن الفروسية ضمن أنشطة المدرسة، كان يستغل وقتاً من نومه، فيستيقظ باكراً، ويتوجه إلى الحلبة المجاورة، ليمارس رياضة العدو والقفز على الحواجز. كان على علم أن الفرس كوّن في تاريخ السلاطين المغاربة مصدر افتخار واعتزاز، ووسيلة للتباهي والتفاخر، كما يؤكد التاريخ أن السلاطين العلويين كانوا يُحسنون ركوب الخيل للفرجة وقيادة الجيوش.

هكذا أنهى ولي العهد دراسته الثانوية واجتاز بكفاءة عالية امتحان الباكالوريا/الثانوية العامة (يونيو 1981) مما دفع والده للقول في تصريح لإذاعة فرنسا الدولية: «إنني مرتاح من المستوى الدراسي لابني، وإن تربية أبنائي لا تخلق لي مشكلة».

بعد الباكالوريا(الثانوية العامة) التحق ولي العهد بجامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية.هناك وسط المدرجات وفي صفوف الطلبة، وهم بالمئات، درس أربع سنوات توّجها بحصوله على الإجازة.كان موضوع رسالته الجامعية تتمحور حول علاقات المغرب الدولية في إطار تجربة فريدة جمعت بين المغرب وليبيا.كان موضوع البحث هو : «الاتحاد العربي الإفريقي واستراتيجية المملكة في مجال العلاقات الدولية».بعد ذلك تابع دراسته لسنتين أنهاها بحصوله على شهادة الماستر.

ورغبة من الملك الحسن الثاني في تكوين عملي وميداني لولي عهده، واطلاعه على الملفات بعثه لمدة سنة لإجراء تدريب في العاصمة الأوروبية، بروكسل، تحت إشراف أحد أبرز قادة المجموعة الاقتصادية الأوروبية «جاك دولور».

اشتغل ولي العهد في مكتب داخل أروقة البناية الضخمة للمجموعة الأوروبية يطلع على التقارير ويحضر الاجتماعات. يدرس ويناقش ويسأل. كانت فترة غنية عاشر فيها أهم الشخصيات الأوروبية ولمس عن قرب التجاذبات السياسية بين الفرق البرلمانية الأوروبية كما كانت فترة خصبة أوحت له بموضوع أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه التي قدمها في جامعة «نيس صوفيا أونتي بوليس» (سنة 1993) وهي بعنوان «التعاون بين المجموعة الاقتصادية الأوروبية واتحاد المغرب العربي».

هكذا، وأمام العشرات من الأساتذة الجامعيين والشخصيات العلمية والدبلوماسية والسياسة ناقش ولي العهد أساتذته المشرفين الذين منحوه أعلى الشهادات الجامعية، مع تنقيط جيد، وتنويه خاص، وتوصية بالطباعة والنشر.كما شملت تدخلات الأساتذة تنويها بالفكرة وطريقة معالجتها وأبعادها الإنسانية والاقتصادية والسياسية في العلاقة بين مجموعتين متقابلتين في جنوب وشمال البحر الأبيض المتوسط.

خلال هذا المسار الذي استغرق ما يناهز ثلاثة عقود، أي من الكتاب القرآني إلى الدكتوراه، عاش ولي العهد طفولته وشبابه متابعاً للأحداث مراقبا للتطورات مطلعا على الصحف المجلات... كثير المطالعة قوي الذاكرة.

شارع الإحسان
في الاقامة التي يسكنها بجوار مطار - سلا، والتي ما زال يعود إليها كلما استقر بالعاصمة، كان يستقبل كل من ضاقت أمامه سبل العيش، خاصة المعوزين وأصحاب الحاجات الخاصة.كانوا يقفون صفوفا أمام باب سكناه وكان يخرج للقائهم وعناقهم والاستماع إلى شكاواهم فيسارع إلى مساعدتهم والتخفيف من معاناتهم بل كان يتدخل لتحسين أوضاعهم.ونظرا لكثرة الزوار من هذه الفئة الاجتماعية المحرومة، وما كانت تلقاه من اهتمام وإحسان، أطلق سكان سلا على الشارع الذي توجد فيه الضيعة «شارع الإحسان».




في فرنسا
منذ طفولة الأمير سيدي محمد كلفه والده بعدد من المهام في مناسبات مختلفة، ويذكر العالم صورته، وهو في السابعة من عمره، يصعد درج أكبر كنائس فرنسا «نوتردام دوباري» لحضور قداس الرئيس الفرنسي الراحل جورج بومبيدو (1974). كان الأمير بجلبابه الأبيض وطربوشة الأحمر وبلغته الصفراء بارزاً وسط حشد من الملوك والأمراء ورؤساء الجمهوريات.

أثار هذا الحضور انتباه الصحافيين والمراقبين مما جعل أكبر المعلقين، في التلفزيون الفرنسية، «ليون زيترون» يسارع إلى إبراز ما يمثله ولي العهد المغربي «من ملكية عريقة ومن ثقل تاريخي نتيجة قرون من الحضارة...».


في السعودية
اذكر أنني رافقت الأمير سيدي محمد لحضور جنازة الملك فيصل عاهل المملكة العربية السعودية (مارس 1975). وقد كتبت عن تلك الرحلة في مذكراتي «أيام زمان».


مع الامير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد السعودي آنذاك

ونظراً للظروف التي جرت فيها الرحلة لحضور مراسيم الدفن، فقد تم تنظيم السفر على وجه السرعة. وصلت طائرتنا إلى الرياض، وكانت المدينة في بداية بنائها، وعدد سكانها يعدّون بعشرات الآلاف، بينما هم اليوم عدة ملايين. كان ولي العهد أصغر المشاركين سناً يرتدي اللباس المغربي. كان متأثراً بالحدث، صابراً على حرارة الشمس، متحملاً تدافع رجال الأمن والحراس.

كون الملوك والأمراء صفا عريضاً كواجهة أمامية لموكب الجنازة، تلته صفوف أخرى.سهرت التشريفات السعودية على تنظيم المسيرة ووضعت ولي عهد المملكة المغربية وسط الصف الأمامي، ركز المصورون والصحافيون على هذا الفتى النحيف، المرتدي للبياض السائر بين أنور السادات وياسر عرفات، وعندما اشتد التدافع تبادل السادات وعرفات الكلام، وحماية للأمير اقترحوا عليه بأن يتقدم الموكب.وبذلك أصبح الأمير يعطي للمسيرة إيقاعها وهو يتقدمها.كانت رحلة مرهقة تطلبت العودة إلى المغرب مباشرة بعد نهاية الجنازة وتقديم التعازي نيابة عن الملك الحسن الثاني.



مع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز

في الغابون
أذكر كذلك أنني رافقت الأمير في رحلة خاصة إلى الغابون في إطار مهمة كلفه بها الملك الحسن الثاني. كانت العلاقة بين ملك المغرب والرئيس الغابوني، عُمر بونغو، متوترة وتكاد تكون على وشك القطيعة. وقد يطول الحديث عن أسباب هذه الأزمة بين بلدين، تميزت العلاقة بينهما بكثير من الودّ والتضامن، كما أن العلاقة بين الملك والرئيس طبعتها صداقة مثالية.


في مهمة لدى الرئيس الغابوني عمر بونغو


كان على ولي العهد أن يستمع ويحاور الرئيس بونغو وأن يعمل على وضع حد لسوء الفهم الذي خيّم على الصداقة التي جمعت الملك والرئيس. كانت مهمة دقيقة تتطلب الكثير من الدبلوماسية والانفتاح والقدرة على الإنصات والإقناع مع بهارات من حسن القول وجميل الحديث.
مستقبلا الرئيس الزائيري الاسبق موبوتو سيسي سيكو في الرباط

في الاتصال الأول بين الرجلين عادت الأمور إلى نصابها وتمكن الأمير من تحويل شعرة معاوية إلى سابق العلاقات القوية بين البلدين.

وردا على زيارة ولي العهد، إلى القصر الرئاسي، أخذ بونغو المبادرة وزار الأمير في «دار المغرب» حيث أقام الأمير مأدبة عشاء لعاشق الأطباق المغربية.

في الطائرة ونحن في طريق العودة بدا الأمير في غاية السعادة بعد النجاح في مهمة تتسم بنوع من الصعوبة والمخاطرة.كان ولي العهد قد اتصل بوالده وأطلعه على ماجريات الأمور فبادر الملك الحسن الثاني إلى تهنئته على حكمته ونجاحه في هذه المهمة السياسية والدبلوماسية.

عاصفة الحكم
قد يطول الحديث إذا رجعت بذاكرتي إلى كل الأنشطة الأميرية التي قُمت بتغطيتها داخل الوطن وخارجه.. غير أنه لابد من القول بأن الأمير كان دائم الحضور في مجالس الوزراء، وهي المجالس التي يترأس أشغالها الملك وخلالها يتم اتخاذ التدابير القانونية والإجرائية وتتم مناقشة الملفات الاستراتيجية وتعيين كبار مسؤولي الدولة.كان الأمير يطلع على كافة الملفات ويكوِّن رأيا حول أهميتها وجدواها ومراحلها وطريقة تمويلها.

ألف المغاربة مشاهدة الأمير إلى جانب والده وهو يفتتح دورات البرلمان بخطاب توجيهي يُحدد فيه الآفاق السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويثير الانتباه إلى كل خلل يُعيق عمل الهيئة التشريعية في القيام بما هو منتظر منها.

كان الأمير إلى جانب والده في جولاته في مختلف أقاليم المملكة مما سمح له الاقتراب من السكان ليشاهد فرحتهم ويستمع إلى مطالبهم ويتفهم مشاكلهم.كما رافق والده في عدد من الزيارات للدول الشقيقة والصديقة حيث جمعته صداقات مع ملوكها وأمرائها ورؤسائها.

حضر الأمير كافة المؤتمرات العربية والإسلامية والإفريقية المنعقدة بالمغرب.كان الرجل الثاني في الوفد المغربي مما سمح له متابعة النقاشات التي كانت في بعض الحالات حامية الوطيس.كان إذن في قلب كواليس تلك اللقاءات الدولية يتابع المجهودات التي يبذلها والده لتقريب وجهات النظر ومعالجة الملفات الشائكة، كما سمحت له الظروف بالاطلاع المباشر على مواقف الدول من القضايا المصيرية المطروحة على النقاش.

عاش الأمير إذن وسط «عاصفة الحكم»، بعيدا عن اتخاذ أي موقف.ولاشك أنه لم يكن راضيا على بعض القرارات أو التوجهات، وربما ناقش والده في الموضوع.وقد يكون حسب تقاليد القصر قد عبَّر بالطرق المناسبة والإشارات المعبِّرة عن شكِّه من جدوى قرار أو موقف.

لكنه عندما يتعلق الأمر بالقضايا الوطنية المصيرية كان ولي العهد في الواجهة الأمامية لذلك نجده في «أكتوبر 1975» يُعطي الانطلاقة لعشرات الآلاف من المتطوعين والمتطوعات في «المسيرة الخضراء». وسط تلك الحشود، التي استجابت لنداء الوطن، ترأس الأمير وهو في الثانية عشرة من عمره، التجمع المعلن على الانطلاقة نحو الصحراء.بالمناسبة ألقى خطابا ألهب فيه المشاعر ودعا، المتطوعين والمتطوعات، إلى المُضي قُدما من أجل تحرير الأرض واستعادة الكرامة.

مسؤوليات متتابعة
في إطار الدفاع عن وحدة المغرب الترابية زار افريقيا (1986) حاملا رسائل من والده إلى عدد من الرؤساء الأفارقة.

كونت هذه الزيارات مناسبةً لاكتشاف القارة السمراء وطموحاتها وعُمق مشاكلها، وترسخت في ذاكرته قدرة «العملاق الإفريقي» على الاستيقاظ لولوج عالم التنمية والديمقراطية.بعد ذلك سيفكّر طويلا في انسحاب المغرب من «منظمة الوحدة الإفريقية» حيث ترك المجال واسعاً أمام خصومه مما تولدت عنه مقاربات جديدة في علاقات المغرب الإفريقية.

خلال فترة التدريب تابع الأمير سيدي محمد الأحداث الدولية كسقوط جدار برلين، وتفكك الاتحاد السوفياتي بعد تجربة فريدة دامت سبعين سنة.تابع احتلال أفغانستان وحرب الخليج وتدمير العراق.اهتم بالقوات الصاعدة في القارة الأسيوية ونجاحاتها الاقتصادية.تابع صعود اليمين في عدد من الدول إلى جانب بروز تيارات إسلامية متشددة ستجد لها الصدى في الرأي العام.

سيتعرف الأمير سيدي محمد على القوات المسلحة الملكية حينما عيّنه الملك الحسن الثاني منسقا عاما لمكاتب ومصالح الأركان العامة (1996).سيهتم ولي العهد بالجيش ويطلع على مكوناته وأنظمته ومشاكله والجهد الكبير والتضحيات الجسيمة التي قدمتها القوات المسلحة الملكية من أجل القضاء على أعداء وحدتنا الترابية.كان مكتبه في القيادة العليا خلية عاملة من أجل الدراسة والتّنسيق وتوفير المناخ السليم للإعداد والتدريب وإبراز الكفاءات والقدرات.كان احتكاكه بالجيش مناسبة لمعرفة قادته وكفاءاتهم والاستماع إلى اقتراحاتهم والاهتمام بأوضاعهم.

وخلال هذا المسار الطويل تكونت شخصية سيدي محمد خاصة عند احتكاكه بالأشخاص ومعاينته للأحداث واطلاعه على الملفات ومراقبته لأسلوب الحكم وطريقة اتخاذ القرار.نتيجة لكل هذه المجهودات أصبح خبيرا في شؤون المملكة ، متمكنا من مصادر قوتها وضعفها ومجالات نجاحها وإخفاقاتها، إلى جانب ما كان يختمر في كواليس الحكم من تصرفات وصراعات وتيارات.كان شاهدا على ما هو بارز في الواجهة وما ظل تحت الغطاء، ملاحظا ما يحيط بالبلاط من محاولات للتقرب بحثا عن مزيد من النفوذ وسط أجواء من التنافس والعراك والمحاباة.

آخر بلاغ
لنعد إلى مستشفى ابن سيناء، يوم الجمعة 23 يوليو 1999، وما كان يجري في قاعة الإنعاش لمواجهة أزمة قلبية حادة سيقول عنها بلاغ الأطباء: «على الرغم من دخول صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني إلى قسم الإنعاش الطبي المركز بمصلحة القلب في مستشفى ابن سيناء، تبيّنت استحالة تجنب التطور الحتمي لنوبة قلبية حادة تبعها انهيار حاسم في وظيفة القلب... وقد استعملت كل وسائل الإنعاش التي تُتخذ عادة في مثل هذه الحالات فلم يكن لها جدوى وتوفي جلالة الملك على الساعة الرابعة والنصف من عصر يوم الجمعة 23 يوليو 1999».

كان الملك الحسن الثاني على وعي بأن ولي عهده سيعيش عالماً مختلفاً برجالاته ووقائعه ومعاركه، وأن الصراع سيزداد بحثاً عن مزيد من القوة والهيمنة. كان يرى أن التيارات المتطرفة والشعبوية ستزداد قوة وقد تنتقل إلى نوع من الجنون والإرهاب.


مع الرئيس الاميركي جورج بوش


لكل هذه المعطيات، حرص الملك الحسن الثاني على إعطاء الأولوية لإعداد «ملك المستقبل»، بل كان يتابع تكوينه بنوع خاص من الدقة والحزم. كان هذا الاهتمام يبدو في بعض الأحيان صارماً وقاسياً، لذلك نجد الملك الحسن الثاني يرحل وهو مرتاح إلى أن «مفاتيح المغرب» في يد آمنة.

مساء الجمعة، وجه جلالة الملك محمد السادس خطاباً إلى الشعب المغربي يخبره بوفاة والده مجدداً العهد على القيام بواجبه لبناء مغرب حديث قوي وموحد.

في نفس المساء حضر إلى القصر الملكي أصحاب «الحل والعقد».في قاعة العرش، وما تحمله من رموز تمت بيعة أمير المؤمنين، من طرف الأمراء والوزراء وزعماء الأحزاب السياسية والعلماء وكبار ضباط القوات المسلحة الملكية والدرك والأمن وشخصيات مرموقة.


مستقبلا رئيس الكامرون بول بيا

نصر الله الملك
وأذكر أن أحد الأصدقاء من صحافيي الشرق بعث لي معزياً بما معناه: «من سوء حظ بعض الملوك أنهم يجلسون على العرش بعد ملوك عظام»، ومعنى ذلك بطريقة واضحة: «من سوء حظ محمد السادس أنه يتولى الحكم بعد الحسن الثاني»، لكن الأحداث ستظهر أن الملك محمد السادس كان محظوظاً بما تلقاه من تعليم وتربية وتدريب جعله في مستوى تطلع الشعب المغربي في التقدم والتنمية مما دفع البعض إلى القول: «كنا نخاف من الحسن الثاني لكننا اليوم نخاف على محمد السادس»، مما يؤكد التيار الشعبي الجارف الذي رافق تتويج الملك محمد السادس والتعاطف الواضح مع إنجازاته وقدرته على الابتكار والتخطيط والإنجاز.


الأمير سيدي محمد لدى حضوره افتتاح معرض للفنان الراحل الحسين ميلودي في الصويرة

وإذا كان الفرنسيون قد ألِفوا القول بعد وفاة ملوكهم: «مات الملك، عاش الملك»، فإن المغاربة ابتدعوا في قولهم ورددوا: «رحم الله الملك ونصر الله الملك».. وتستمر الحياة.

** كاتب صحافي، وكيل وزارة الإعلام ومدير التلفزيون المغربي سابقاً.