الانتخابات الأمريكية شأن أمريكي داخلي، لكن تأثيرها بات عالميًا، والذي يصوغ السياسات ويحدد الخيارات هي مصالح أمريكا. والكونغرس هو الراعي الحقيقي لتلك المصالح. ولأن الكونغرس هو مطبخ السياسة الأمريكية ومن يرسم مساراتها لسنوات طويلة قادمة، فلماذا يهتم الكثير من العرب بانتخابات الرئاسة الأمريكية وهي لا تحمل أي تغيير في توجهات أمريكا الرئيسية؟ وهل الاهتمام بهذه الانتخابات سيكون له أثر على العالم العربي؟
ثم، ماذا استفادت الدول العربية من حالة التبادل السياسي المتواصل بين الجمهوريين والليبراليين؟ أليس الليبراليون أسوأ من الجمهوريين، كما يقول البعض؟
وإذا كان التفضيل بات بين الأسوأ والأسوأ منه، فعن أي اهتمام سنتحدث إذاً؟
أليس من المهم للشارع العربي أن يعيدوا قراءة واقعهم ويجمعوا قدراتهم السياسية لخلق قوة ضغط على الإدارات الأمريكية لتحقيق مكاسب أفضل من انتظار ما تجود به إدارات البيت الأبيض المتعاقبة؟
ثم، هل هذه التساؤلات تنبع من نظرة سلبية، فعلاً؟ أم أن النظرة الإيجابية تقول إن الرئيس الأمريكي له صلاحيات كثيرة، من أبرزها توقيع الاتفاقيات، وإجراء الصفقات، وتحريك الجيش خدمة لمصالح أمريكا وحلفائها؟ وله حق الاعتراض على القوانين التي تضر البلدان الحليفة.
وقوة الرئيس ترتبط بقوة حزبه داخل الكونغرس.
بين هذا الطرح وذاك، لفت انتباهي ما أشارت إليه الدكتورة إيمان الحصين في تعليقها بقولها: "أميل إلى الرأي الذي يرى عبثية مُتابعة الشارع العربي تحديدًا للسباق الرئاسي الأمريكي، لأن أغلب الدول العربية، للأسف، غير مستقرة وتعيش مُختلف الصراعات حتى باتت أرضًا للحروب بالوكالة وتصفية الحسابات، وبالتالي هو لا يملك لنفسه القرار ولن تكون الرئاسة الجديدة أفضل حالاً من سابقتها! وحتى الذين يقولون أنا أهتم لأنني أؤيد من سيخدم مصالحي، والحقيقة والمفترض أن أي طرف يحظى بمقعده في البيت الأبيض هو من يسعى لكسب ود الحكومات والشعوب، خاصة دول السيادة ومن يُعول عليها صناعة القرار وتحريك الاقتصاد أو العبث به!
أما المُتابع في المملكة العربية السعودية تحديدًا، فهو يتابعها وهو مدرك لإمكانات المملكة ودورها وتأثيرها في الساحة الدولية، ويقرأ بوضوح الرسائل التي يلقيها المتنافسون في السباق الرئاسي. والمملكة تمتلك أدوات تأثير فاعلة في العديد من المسارات بما يخدم مصالحها، فلا حليف ثابت ولا عداوة مستمرة".
وكذلك وجهة نظر الدكتور ماجد التركي الذي يقول: "إن تاريخ فترة الديمقراطيين على مدى عقود هي فترة استرخاء وتنفس للعالم، وكثير من المؤسسات الأمريكية هرمت وتحتاج لتجديد. وتبقى الانتخابات الأمريكية‬⁩ بين الديمقراطيين والترامبيين وليس الجمهوريين، والسبب أن الحزب الجمهوري لا يملك أجندة، يعيش مرحلة "فقدان للهوية"⁧‫، خلافًا للديمقراطيين الذين يتحركون وفق عقيدة أسس لها أوباما ومجموعته، وإن انعكست سلبًا على الداخل الأمريكي. وتبقى الانتخابات الرئاسية الأمريكية شأنًا يجب ألا تعنينا تفاصيله، لأننا غير مؤثرين في مجرياته، ولسنا أصحاب لوبي مثل اليهود أو الإيرانيين، ولا نمتلك أدوات العبث الإلكتروني في بيانات التصويت. وما نشاهده من إدعاء المتابعة وتقديم التحليلات لا يعدو في نظري نوعًا من المظاهر الزائفة".

ووسط هذه الآراء المختلفة، هل يستطيع القارئ أن يفهم مدى تأثير السباق الرئاسي على واقعه ومستقبله إن وجد أثرًا أصلاً؟
أما أعداء أمريكا التقليديون، فخير من يلخص موقفهم من الانتخابات الأمريكية هو زعيم كوبا الأبرز، فيدل كاسترو، الذي قال عندما سُئل عن الانتخابات الأمريكية عام 1960: أيهما تفضل نيكسون أم كينيدي؟
فأجاب إجابة شهيرة حيث قال:
"لا يمكن المقارنة بين حذائين يرتديهما نفس الشخص، أمريكا لا يحكمها إلا حزب واحد هو الحزب الصهيوني وله جناحان:
فالجناح الجمهوري يمثل القوة الصهيونية المتشددة، والجناح الديمقراطي يمثل القوة الناعمة الصهيونية. لا يوجد فرق في الأهداف والاستراتيجيات. أما الوسائل والأدوات فهي تختلف قليلاً لتمنح كل رئيس نوعًا من الخصوصية ومساحة للحركة. ولا يزال توصيف كاسترو للرئاسة الأمريكية قائمًا حتى يومنا هذا!!"