مرات بعد مرات يجتاح الشرق الأوسط القلق والاضطراب والتوتر والقضية الفلسطينية لم يكتب لها الحل الدائم ولم يتفاهم أهل البيت الفلسطيني من ساسة وعسكر على اتفاق ووفاق وتعاون وبناء متماسك للموقف الفلسطيني باعتبارها قضية عربية.
إسرائيل والمتحكمين في القرار الدولي خلفها، لم تتغير في سياستها العدائية وصراعها في الشرق الأوسط، فهي قوة نووية مسلحة بدعم سياسي وعسكري دولي وعلى دراية بتشرذم القرار الفلسطيني وخفاياه العسكرية والسياسية.
حالة من الهستيريا المقلقة تخترق المنطقة العربية عن حروب واشتباكات بالوكالة في حين الموقف العربي تغير عن القرون الماضية ليس بسبب التنازل عن القضية العربية وانما بسبب تشابك التعقيدات وتغير الأولويات وتقدم المصالح الخاصة على مصالح الغير وهي معادلات مشروعة.
إيران أرهقت شعبها اقتصادياً وارهقت المنطقة بالتهديدات على نحو دائم ضد إسرائيل بعد الأحداث الأخيرة في طهران وهذا كله يعني أن إيران لم تتغير في خطابها السياسي والعسكري، فوكلاء طهران، الحوثي وحزب الله، يقومون بمهام المناوشات على أكمل وجه وبإتقان!
يرجح أن إيران لن تشتبك بشكل مباشر مع إسرائيل، فالمعركة مدمرة ومكلفة على الطرفين الإيراني والإسرائيلي ولكنها مادة رائجة يمكن أن تمتد إلى ما لا نهاية حتى لا تفقد طهران ذخيرتها الإعلامية بدعم الحليف "حماس" وحال إسرائيل لا يختلف عن إيران.
لا نملك حق الاستعجال بالرد الإيراني ولا حق عدم تصعيد إسرائيلي ولا حق التهدئة وتحقيق الوفاق والسلام خصوصا أن إسرائيل تتمسك بعدم القبول بحل إقامة الدولتين وفقا لحدود 1967 وهذا الواقع الكارثي يحفز على المقاومة الفلسطينية المشروعة.
يمكن الكتابة والتحليل والتنديد والاستنكار دون نهاية عن العناد الإسرائيلي وعن الاستيطان والقتل والبطش في حق الأبرياء الفلسطينيين، ولكن تبقى لدينا استفهامات مشروعة عن البيت الفلسطيني على المستويين السياسي والعسكري!
وقد يكون النسيان يساعد على عدم القسوة على الجانب الفلسطيني المشرد بين أجنحة متصارعة وأخرى شامتة ومنقسمة أمام جميع الحلول العربية وحتى المفاوضات التي تقودها قطر ومصر!
السيناريوات الفلسطينية التي يتخيلها ويتصورها قادة "فتح" ومنظمة التحرير و"حماس" ليست جميعها متلاقية عند نقطة واحدة وليست متقاطعة مع عناصر مشتركة، فهل يمكن إيجاد الحلول السياسية العربية؟!
الحلول العربية والدولية لا يمكن صناعتها في ظل تشرذم فلسطيني ولا يمكن تجاوز موقف الغمز واللمز لحركة حماس وأعوانهم من "الإخوان" على السعودية وقطر والإمارات وعن قناعات التطبيع لدى البعض كورقة مساومة وتكتيك دبلوماسي عملي ولا يعني ذلك تخاذل عربي.
الظاهرة المقلقة هي نزعات التحليل غير الواقعية عن الموقف الأميركي والأوروبي وأن أصل المشكلة هي أميركية أو يهودية ومعركة الكفار والإسلام وهذا رأي لا يخدم الحديث البراغماتي عن الحلول السياسية ولا يقود نحو سلام عادل.
نسيج المجتمع الأميركي والهيمنة اليهودية فيها وفي دول أخرى ليست رواية حديثة أو اكتشاف سياسي واقتصادي حديث ولا تحالف هذه الدول مع إسرائيل خبراً جديداً فالمصالح بينهم لم تتغير ولم تتراجع وأي تفكير أعوج لا يستحق المناقشة!
الظاهرة المقلقة ليست إيران وليس الحوثي وليس حزب الله، فهذه تحالفات علنية وانما الظاهرة المقلقة والمزعجة في البيت الفلسطيني الذي لم يتجاوز خلافاته مع منظمة التحرير ولا مع فتح ولا العكس من طرف حركة "حماس"!
الذاكرة مليئة بالمشاعر المؤلمة والمواقف الصادمة للأجنحة الفلسطينية وخاصة منظمة التحرير مع الكويت اثناء الغزو، ولكن الكويت ودول المنطقة الخليجية تجاوزا ذلك وتعلموا الدروس في حين الطرف الفلسطيني لم يخرج بدرس واحد حتى بعد مقتل الزعيم الحمساوي هنيه في إيران!
بطبيعة الحال الجرائم الإسرائيلية جرائم بشعة ولا يمكن اختصارها ولكن الجرائم السياسية التي ترتكب باسم القضية العربية مقلقة والحديث هذا لا يعني استسلام لإسرائيل وتحيتها...نقسو بالحديث على البيت الفلسطيني الذي لم يشهد الوفاق ولا الاتفاق حتى اليوم!
الحلول في البيت الفلسطيني الذي يحتاج إلى إعادة ترتيب وحركة "حماس" عليها تبني خطاب سياسي يجمع الفرقاء الفلسطينيين وإعادة النظر في التحالفات المسمومة مع إيران والحوثي وحزب الله وتوجيه النظر والتركيز على القضية العربية.
*إعلامي كويتي
التعليقات