في الضفة الغربية تنمو نماذج غير مستقرة سياسيًا ووطنيًا، تدّعي المقاومة والنضال. شاب في العشرينيَّات من عمره يحمل سلاحًا، ويتوهم، مع الصراخ والصياح من حوله، أنه أسطورة قادرة على محاربة دولة بجيش، كبطل فيلم أميركي عبثي في قصته والسيناريو.

في تاريخ الإنسانية جمعاء، نجحت الثورات التي تأسست على الأفكار والأيديولوجيات التي احتضنها المثقفون والنخب داخل المجتمع، وحددوا مساراتها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

في العقدين الماضيين، برزت ظاهرة ما يسمى "حركات وقوى محور المقاومة والممانعة" في منطقة الشرق الأوسط، تحت رعاية جمهورية إيران. وهي ظاهرة استمدت معالمها وتعاليمها من ذات النسق الذي قاد الثورة الإيرانية التي أسقطت نظام الشاه محمد رضا بهلوي.

الجهل المطلق المقترن بالفقر، وتطويع الدين وتفسيره بما يخدم وجهة نظر النظام أو الحركات والقوى، كانا كفيلين بجمع الحشود التي يُطلق عليها الآن مصطلح "حواضن".

هذه الحواضن تفرّخ نماذج تأتمر بالأوامر والتعليمات، وتردد ما يُملى عليها من شعارات، ويُمنع عنها التمرد والعصيان، وتغلق على نفسها بإحكام خوفًا من الانهيار والانشقاق.

تستغل الحواضن ظروف الدولة وحالتها لتتمدد في مفاصلها، كما فعل حزب الله بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، والميليشيات الإيرانية في الدولة العراقية بعد الاحتلال الأميركي، وجماعة الحوثي في اليمن بعد إزاحة الرئيس السابق علي عبدالله صالح. هذا ما سعت حركة حماس إلى تكريسه بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر) بوصفة إيرانية تمنحها شرعية وشعبية.

سعت رؤوس هذه الحواضن لاستقطاب مئات الشباب المغيبين، الغوغائيين، غير المثقفين، والعاطلين عن العمل. منحتهم المال القليل والسلاح والمخدرات، لتكوين جيوش فوضوية تقاتل من أجل عقيدة مستمدة من الخمينية، وهي عقيدة ذات ركائز مهزوزة تعتمد على الكثير من المسلمات والقطعيات.

ما سبق يندرج تحت سياسة "تصدير الثورة الإيرانية"، التي نجحت نوعًا ما في خلق جيوش موالية لها للسيطرة على مقاليد الحكم في دول عربية من خلال الإطاحة بأنظمة قائمة، بهدف توسيع نفوذ النظام الإيراني، وإبقاء دول الشرق الأوسط على حافة عدم الاستقرار، وهو ما يخدم الأجندات الإيرانية.

في إحدى خطب زعيم أهم حاضنة للنفوذ الإيراني في المنطقة، يهدد حسن نصرالله الشعب اللبناني بجيش من أتباعه قوامه مئة ألف مقاتل متدرب ومجهز، في إشارة إلى محاربة خصوم الحزب. هذا يوضح طبيعة أهداف هذه الحواضن ومخططاتها لشرخ المجتمعات العربية، وإحلال قوى مجتمعية تخدم ذات الأجندات الإقليمية.

ضخ الماكينات الإعلامية لتمكين هذه الحواضن وراعيها الإيراني وتغلغلها في الوجدان الشعبي العربي، جعلا توصيف نزار قباني الشعري حقيقة مطلقة. في إحدى قصائده، قال:

نجعل من أقزامنا أبطالًا

ونجعل من أشرافنا أنذالًا

ونرتجل البطولة ارتجالًا

نقعد في الجوامع..

تنابلة.. كسالى

نشطر الأبيات، أو نؤلف الأمثال

ونشحذ النصر على عدونا من عنده تعالى

المطلوب اليوم هو تجمع ثقافي، فكري، وسياسي عربي ذو إطار مؤسسي جامع ومرجعية موحدة، لتفكيك هذه الحواضن ونسف مقوماتها، كونها قنابل مجتمعية تسعى لنقل تجاربها إلى باقي الدول العربية لتفجير الأوضاع بها والاستحواذ على قراراتها وربط مفاصل حكمها بمصالح نظام الملالي. هذا التجمع يجب أن تقوده دول لها وزن سياسي وديني وثقافي، مثل السعودية ومصر والأردن والإمارات والمغرب، لبناء استراتيجيات سياسية، اقتصادية، إعلامية، واجتماعية، تنهي نمو هذه الحواضن وتقضي عليها فكريًا.