وجه السقوط السريع للدكتاتور السوري بشار الأسد والخسائر الفادحة التي تكبدها حزب الله ضربة قاسية لما يسمى "محور المقاومة" الإيراني. على مدى عقود من الزمان، كان هذا التحالف، الذي صاغته طهران لمعارضة النفوذ الغربي والإسرائيلي، حجر الزاوية في السياسة الخارجية الإيرانية. والآن، يبدو أنه يتفكك تحت وطأة الديناميكيات الإقليمية والخطوات الاستراتيجية الخاطئة.

مع سقوط دكتاتور سوريا، انهار العمق الاستراتيجي للنظام الإيراني المتدخل، وذهب أدراج الرياح مليارات الدولارات التي أنفقها خامنئي لضمان بقاء الأسد وإقامة حاجزه الدفاعي على سواحل البحر الأبيض المتوسط.

كان خامنئي يعتبر دكتاتورية الأسد "ركيزة المقاومة" وذراعه الحيوية في المنطقة، ويستغلها للنفوذ في لبنان وفلسطين وحتى العراق. دعمه المالي والعسكري والأمني غير المنقطع لهذا الدكتاتور المكروه كان جزءًا من سياساته التوسعية لضمان بقائه في السلطة.

ظهر خامنئي بعد أربعة أيام من سقوط الأسد ليحاول رفع معنويات قواته التي فقدت الأمل تمامًا، قائلاً: "في منطقتنا، التي تُعد من المناطق الحساسة من الدرجة الأولى في العالم، تحدث اليوم أحداثٌ كبيرة... ينبغي أن نتعلم الدروس والعبر من هذه الأحداث. الرأي العام في البلاد مهتم بهذه القضايا، ولديه أسئلة وآراء، ويجب إزالة اللبس وتوضيح الأمور".

وفي جزء آخر من تصريحاته اليائسة، قال: "... المناطق المحتلة في سوريا سيتم تحريرها على أيدي الشباب السوريين الغيارى؛ لا شك في أن هذا سيحدث. كما سيتم طرد أميركا من المنطقة عبر جبهة المقاومة"!.

الاعتراف بالضعف
في اعتراف نادر، اعترف وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي علناً على شاشة التلفزيون الحكومي أنَّ محور المقاومة قد ضعف بشكل كبير. وقال: "لقد تحمل المحور عامًا صعبًا للغاية"، مسلطًا الضوء على التحديات العميقة التي تواجه طموحات طهران الإقليمية.

المقامرة الإيرانية المكلفة في سوريا
على مدى السنوات الثلاث عشرة الماضية، استثمرت إيران موارد بشرية ومالية هائلة لدعم نظام الأسد، واعتبرته حليفًا حاسمًا في المنطقة. ولكن مع سقوط المدن السورية في تتابع سريع، انهارت سنوات من الاستثمار لطهران. ولم تخسر إيران شريكها في دمشق فحسب، بل خسرت أيضًا قناة رئيسية لبسط قوتها في جميع أنحاء المنطقة.

إذلال حزب الله في لبنان
ازداد الوضع سوءًا مع هزيمة حزب الله الأخيرة على يد إسرائيل. وبعد أن اعتُبِر حزب الله قوة هائلة، تركت خسائره العديد من الناس يتساءلون عن دوره المستقبلي في استراتيجية إيران الإقليمية. ويحذر الخبراء من أنه بدون دعم سوريا، فإن محور المقاومة بأكمله معرض لخطر الانهيار. وكما قال أحد المحللين، "بدون سوريا، يفقد المحور أساسه".

نقطة التحول
كان هجوم حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 بمثابة منعطف حاسم. وردًا على ذلك، شنت القوات المدعومة من طهران في جميع أنحاء المنطقة، من غزة إلى اليمن، هجمات على المصالح الأمريكية والإسرائيلية. ومع ذلك، فإن الرد العسكري الحاسم لإسرائيل، بما في ذلك الضربات المستهدفة لقيادة حماس وحزب الله، أضعف هذه الجماعات بشكل كبير. لقد فشلت جهود إيران لإظهار الردع - مثل إطلاق 200 صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل في تشرين الأول (أكتوبر) 2024 - في تغيير التوازن. وبدلاً من ذلك، دمرت القوات الإسرائيلية المعدات العسكرية الإيرانية المتقدمة، مما كشف عن نقاط ضعف طهران.

الفشل الاستراتيجي والعزلة الإقليمية
إن سقوط الأسد يؤكد على تضاؤل ​​نفوذ طهران. حتى مع التزام المسؤولين الإيرانيين الصمت بشأن سقوط الأسد، وإصدار تصريحات غامضة حول "العلاقات الطويلة الأمد" مع سوريا، فإن الخسارة كانت بمثابة فشل استراتيجي. اعترف عباس عراقجي، "حتى الأسد نفسه صُدم بانهيار الجيش السوري".

إن هذا التفكك له آثار عميقة على السياسة الخارجية الإيرانية الأوسع نطاقًا. وقد أعربت صحيفة ستاره صبح اليومية التي تديرها الدولة عن أسفها: "ما بنته إيران في سوريا على مدى سنوات قد تفكك مع انتصارات المعارضة. والآن يقوم معارضو الأسد بتفكيك رموز نظامه أينما وجدوها".

التأثيرات المتتالية
تتزامن هزيمة محور المقاومة مع التحديات المتزايدة التي تواجه الركائز الاستراتيجية الأخرى لإيران ــ برامجها الصاروخية والنووية. فقد تركت سنوات من الضغوط الاقتصادية الناجمة عن العقوبات والنزاع النووي إيران تكافح من أجل الحفاظ على الدعم لوكلائها. وقد أدى هذا إلى تفاقم الصعوبات الاقتصادية المحلية وتآكل شرعية النظام.

نداء إيقاظ لطهران
بدأت شخصيات إيرانية بارزة في التعبير عن مخاوفها بشأن مسار النظام. وحذر محمد تقي نقد علي، عضو البرلمان الإيراني، قائلاً: "ينبغي لنا أن نتعلم مما يحدث في المنطقة". ووصف محمد علي أبطحي، رجل الدين في النظام، سقوط الأسد بأنه لحظة حاسمة: "لقد انقطعت حلقة الاتصال بمحور المقاومة عملياً".

وبالنسبة لقادة إيران، تشير هذه التطورات إلى العائدات المتناقصة لسياسة إقليمية مبنية على قوى بالوكالة وتدخلات عسكرية. أما بالنسبة للشعب الإيراني، فإنها تقدم الأمل. إن سقوط الأسد، إلى جانب فشل حزب الله وحماس، يشكل تذكيراً قوياً بأن أي نظام قمعي لا يستطيع أن يحافظ على قبضته إلى ما لا نهاية. ومع تنامي التحديات الداخلية التي تواجهها إيران، فإن احتمالات الحرية والديمقراطية ومستقبل أكثر إشراقاً تصبح ملموسة على نحو متزايد.

هل هي نهاية حقبة؟
إن انهيار محور المقاومة قد يمثل بداية النهاية لنظام الملالي في إيران. ومع تصاعد الضغوط الإقليمية والدولية، تواجه طهران مستقبلاً غير مؤكد على نحو متزايد. وقد ينتهز الشعب الإيراني، المستوحى من صمود وانتصارات الدول المجاورة، هذه اللحظة لاستعادة حريته وإعادة تشكيل مصيره.