أثار مقتل الصحفية شذى الصباغ، التي أصيبت برصاصة في رأسها نهاية الأسبوع الماضي في مخيم جنين، جدلاً واسعاً وسط تبادل الاتهامات بين السلطة الفلسطينية والفصائل المسلحة، بما فيها حركة حماس، حول المسؤولية عن الحادثة، بينما تقترب العملية الأمنية الفلسطينية من إتمام شهرها الأول.
وفي الوقت الذي دعت فيه نقابة الصحفيين إلى تشكيل لجنة تحقيق مستقلة تضم ممثلاً عنها للوصول إلى الحقيقة ومحاسبة الجناة، سارعت حركة حماس إلى تحميل أجهزة السلطة الفلسطينية المسؤولية دون تقديم أدلة ملموسة. واعتبر كثيرون هذه الخطوة محاولة لتوظيف مأساة إنسانية لخدمة أجندات سياسية وتشويشاً على تحركات السلطة في جنين.
من جانبها، نفت الأجهزة الأمنية الفلسطينية بشكل قاطع أي تورط لها في الحادثة، وأكدت في بيان رسمي مدعوم بشهادات ميدانية وتقارير الطب الشرعي أن قواتها لم تكن موجودة في موقع الحادثة. كما أشارت إلى أن الإصابة التي أودت بحياة شذى الصباغ لم تكن ناجمة عن أسلحة تستخدمها قواتها. وأبدت السلطة استعدادها لإجراء تحقيق شفاف للكشف عن ملابسات الحادثة، في خطوة تهدف إلى تعزيز ثقة الفلسطينيين بمؤسساتهم الأمنية والسياسية من خلال تكريس مبدأ المساءلة.
يُذكر أنَّ الأجهزة الأمنية الفلسطينية خضعت لتدريبات مكثفة على يد خبراء دوليين ومحليين لإدارة العمليات في المناطق المأهولة بالسكان وتقليل الخسائر البشرية، مما يجعل من غير المنطقي أن تكون تدخلاتها في جنين عشوائية، لأن ذلك يعني خلق حالة استقطاب ضدها وتعقيد العملية الأمنية، وهو ما يصب في مصلحة الأطراف الأخرى.
إقرأ أيضاً: الفلسطينيون ومعركة البقاء في القدس
وسط هذا الجدل، أثارت قناة "الجزيرة" مزيداً من التوتر بتغطيتها للحادثة، حيث استضافت الناطق الرسمي باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية العميد أنور رجب عبر برنامج مباشر دون إبلاغه مسبقاً بمشاركة والدة الضحية شذى الصباغ كطرف مواجه. تحول اللقاء إلى منبر لتوجيه الاتهامات للسلطة الفلسطينية، ما دفع ممثل الأجهزة الأمنية للانسحاب من المقابلة. لاحقاً، أصدر العميد رجب توضيحاً، اعتبر فيه ما قامت به القناة استغلالاً لمأساة العائلة وانتهاكاً لقواعد المهنية الصحفية.
من جهة أخرى، استغلت الفصائل المسلحة في جنين حادثة مقتل شذى لتأليب الرأي العام ضد أجهزة السلطة الفلسطينية، عبر تأجيج مشاعر الغضب والحزن بين الفلسطينيين. وبالإضافة إلى محاولة زيادة الضغط على السلطة في ظل العملية الأمنية الجارية، تسعى هذه الفصائل لتشويه صورة السلطة على الصعيدين الداخلي والخارجي، عبر تصويرها كطرف يمارس العنف ضد المدنيين.
إقرأ أيضاً: انفصال قادة حماس عن واقع غزة
تُعيد هذه الحادثة إلى الأذهان مقتل الفلسطينية إسلام حجازي، مديرة مؤسسة "شفاء فلسطين"، في أيلول (سبتمبر) الماضي، حيث قُتلت بتسعين رصاصة إثر "تشخيص خاطئ"، وفق البيان المقتضب الصادر عن الجهات الأمنية التابعة لحماس في غزة. حينها، أُثيرت تساؤلات حول غياب بيان عائلة المغدورة وصمتها، وسط تكهنات بتعرضها لضغوط من الفصائل المسلحة. غياب المساءلة في تلك الحادثة يكشف عن لامبالاة الفصائل المسلحة بالدم الفلسطيني، ما يعزز المخاوف من استغلالها لتحقيق مكاسب سياسية دون مراعاة الجانب الأخلاقي.
التعليقات