في نهاية العام 2024، لم يكن المشهد السياسي في الكويت مختلفاً عن السنوات الماضية، فقد اختلطت الابتسامات الأنيقة، مع قلق مشروع على الحياة الديمقراطية بعد تكرار حل مجلس الأمة إلى توقف نبض المجلس في العام 2024 وتعليق بعض مواد الدستور.

في العام 2024، الخسارة السياسية كانت أكبر مما نتصور، فقد خسر الشعب الكويتي قبة البرلمان وبوابة التشريع والرقابة الدستورية، بفعل فاعل وليس بسحر ساحر، ولابد من الاعتراف في الأخطاء المتراكمة لبعض نواب الأمة وحكومات أيضاً، والتعسف الذي طال الأدوات الدستورية.

بعض نواب الأمة وكذلك ناخبيهم من أصحاب التنظيمات القبلية والطائفية والفئوية والمناطقية فضلوا الصدام مع الحكومة، واستغلال المواجهة الدستورية للانتقام من حكومات سابقة أو وزراء والتركيز على المساومة النيابية والانتقام السياسي!

لم يخرج وزير سابق في قول صريح من على منصة الاستجواب ويشير بالأصبع إلى من ساومه من النواب وهدده سياسياً، وحدد طبيعة استفادة النائب المستجوب من افتعال الاستجواب وتأييده من بعض النواب. لا نعلم، ما المطالب وطبيعة المساومات النيابية؟!

وزراء صعدوا منصة الاستجواب واستقال من استقال قبل تصويت مجلس الأمة على طرح الثقة، بعد مزايدات وزارية وشخصية من على منصة الاستجواب من دون جرأة الحديث عن كواليس المساومات السياسية في الحكومة والمجلس حفاظا على الديمقراطية والصالح العام!

السلطة التنفيذية وهي الطرف المهيمن في الدستور والقانون، لم تفعل أدواتها السياسية وتنازلت عن مصالحها وصلاحيتا واختصاصها، ومصالح البلاد والعباد، بل سمحت حكومة سابقة في زحف السلطة التشريعية في الأعوام 2013-2020 على سلطة الحكومة!

اليوم تظهر صورة مختلفة عن الماضي القريب والبعيد، فالتأملات واجبة في المشهد السياسي في العام 2025، لعل ذلك يساعد على تحديد مكامن الأخطاء النيابية والحكومية، وتحديد المخرج الامثل لتحقيق الانفراج السياسي في الكويت.

بحسابات الربح والخسارة، الشعب خسر للمرة الدستورية الثالثة بعد حل مجلس 2024 وتعليق بعض مواد الدستور، وربحت قوى فوضوية، وأخرى تحمل العداء للديمقراطية، وتسعى إلى الثأر من النظام الديمقراطي الدستوري!

وبحسابات البعد والقرب، كانت الحكومة الأقرب والأعلم بتفاصيل المشهد السياسي السابق والتعقيدات التي شقت طريقها إلى العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في حين عورة الانتهازية السياسية ظلت مستورة من الحكومة ونواب حكومة الظل!

ينظر كثيرون من العقلاء والحكماء إلى المشهد السياسي الحالي في الكويت بعد حل مجلس 2024 وتعليق بعض مواد الدستور بتريث وتأني وتأمل تمهيداً لخلق بيئة عمل سياسية مثمرة وغرس التفاؤل في الإجراءات ذات الصلة بالتعديلات الدستورية المقبلة.

نأمل في عودة قريبة لحياة ديمقراطية غير منزوعة الأسنان، وليس برلمان هجين لا يحمل القوة الدستورية، حفاظً على تاريخ النظام الدستوري، والمبايعة الدستورية بين الشعب وأسرة الحكم.

وثيقة العام 1921 التي رسخت قواعد الشورى ونظمت توارث الحكم، وحصرتها في الشيوخ أحمد الجابر وحمد المبارك وعبدالله السالم، لا ينبغي أن تغيب عن الأذهان، ولا الجهود المضنية التي قادت إلى ولادة دستور الدولة الحديثة في العام 1962.

التحديات كثيرة والطريق لن يكون سهلاً، ولعل التحدي الأكبر في معالجة ترسبات الماضي وانحرافات وعثرات حكومية ونيابية، وتبني نظام انتخابي جديد لمعالجة التنظيمات القبلية والطائفية والفئوية التي أضرت بالنسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية.

سيظل التحدي الأكبر أيضاً في مسار النقاش الذي ستتبناه لجنة دراسة التعديلات الدستورية، التي ستقدمها الحكومة، من دون خلع الاسنان الدستورية ولا استبدالها في أسنان من حرير.

التحديات كثيرة في العام 2025 والتأملات أكثر، لكن الواجب الوطني يحتم التعاون والتفاؤل والإعداد المبكر للمرحلة المقبلة من أجل تحقيق مصالحة وطنية والتمهيد لحوار وطني حقيقي يشارك فيه جميع أطراف القوى السياسية والمدنية.

خلال العام الجديد يمكن أن تشهد الكويت نقل نوعية إذا تم البناء على ما ورد في الخطابات الأميرية، وترجمة ضمن نطاق شعبي واسع التوجيه السامي: "يجب أن نتبادل الرأي والمشورة والنصيحة وأن نسعى جميعاً لإشاعة أجواء التفاؤل".

ويمكن البناء أيضاً على المقولة السامية: "تنفيذ وصية حكامنا السابقين طيب الله ثراهم بأن الكويت هي البقاء والوجود، ورفض تبادل المصالح والمنافع بين السلطتين على حساب مصالح الوطن والمواطنين".

*إعلامي كويتي