في عمق المشهد العسكري الإسرائيلي، تبرز ظاهرة صادمة تتعلق بتجنيد فئات منسية من الأطفال، وهم الأطفال المتخلى عنهم، اللقطاء، والأطفال المهاجرون من أصول إفريقية. هؤلاء يشكلون جزءاً من هذا المشهد الغامض، حيث يتم استيعابهم تدريجياً في برامج التأهيل العسكري تحت غطاء "إعادة الدمج المجتمعي". بعيداً عن رقابة المنظمات الدولية والحقوقية، تتحول معسكرات التدريب إلى محطات إعادة تشكيل لهؤلاء الأطفال، لتحويلهم إلى أدوات طيّعة تخدم أهداف المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.

وفقاً لتقارير منظمات حقوقية ومصادر استقصائية، تم تجنيد ما لا يقل عن 20,000 طفل خلال العقد الماضي في إطار برامج تستهدف الفئات الأكثر هشاشة، سواء كانوا من اللقطاء المحليين أو من أبناء اللاجئين الأفارقة. هؤلاء الأطفال يُجردون من ماضيهم وهويتهم، ويتم تلقينهم مبادئ عسكرية صارمة تُهيئهم لخوض معارك المستقبل.

في الداخل الإسرائيلي، يمثل اللقطاء فرصة ذهبية للمؤسسة العسكرية، فهم بلا روابط عائلية قوية، مما يسهل استيعابهم وتوجيههم. تقرير صادر عن مركز الرصد الاجتماعي الإسرائيلي أشار إلى أن 1,500 طفل سنوياً من اللقطاء يتم إدماجهم في برامج تدريبية تُعرف باسم "الشباب المحارب"، والتي تهدف إلى إعدادهم منذ سن مبكرة للحياة العسكرية. يتم تقديم وعود بحياة أفضل ومستقبل مستقر، لكن الحقيقة هي أنهم يصبحون جنوداً في وحدات قتالية أو لوجستية، يتم إرسالهم إلى مناطق نزاع حساسة.

إقرأ أيضاً: ما التداعيات الأخلاقية لوصول الذكاء الاصطناعي إلى مرحلة الوعي؟

خلال العدوان الأخير على غزة، كشفت تقارير إعلامية أن 10 بالمئة من القوة القتالية البرية كانت تتكون من مجندين من خلفيات غامضة، ينتمون إلى فئة اللقطاء أو الأطفال مجهولي النسب. يتم تدريبهم على القتال في الخطوط الأمامية أو تكليفهم بمهام خطرة، مما يجعلهم عرضة للخطر دون حماية قانونية حقيقية.

إلى جانب تجنيد اللقطاء، اتسعت الظاهرة لتشمل أبناء اللاجئين الأفارقة الذين يعيشون في ظروف قاسية داخل إسرائيل، خاصة من إثيوبيا، إريتريا، والسودان. هؤلاء الأطفال، الذين غالباً ما يواجهون التمييز والفقر، يتم استدراجهم إلى برامج التدريب العسكري تحت وعود بالحصول على فرص تعليمية ومهنية. تقارير صادرة من منظمات حقوقية دولية تؤكد أن 5,000 طفل من أصول إفريقية تم إدماجهم في معسكرات تدريب عسكرية خلال السنوات العشر الماضية.

في بعض الحالات، يتم استقدام هؤلاء الأطفال من القرى الإفريقية مباشرة، تحت غطاء برامج تعليمية أو دينية، لينتهي بهم المطاف في معسكرات عسكرية مغلقة. يتم إعدادهم للمهام القتالية والخدمات اللوجستية، ويعتبرون قوة عمل منخفضة التكلفة، يتم استغلالها بشكل ممنهج في مهام الحراسة والمراقبة في المستوطنات الحدودية.

إقرأ أيضاً: تحالف الضباع بين البوليساريو وإيران

غياب الرقابة الدولية جعل من الصعب تتبع مصير هؤلاء الأطفال. المؤسسات الإسرائيلية تصر على أن هذه البرامج تهدف إلى “تأهيل الشباب”، لكن المنظمات الحقوقية تواجه صعوبات في الوصول إلى معسكرات التدريب أو الحصول على معلومات دقيقة حول أعداد الأطفال المجندين. المنظمات الدولية مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش وثّقت بعض الحالات، لكنها لم تتمكن من تقديم تقارير شاملة نظراً لطبيعة هذه البرامج السرية.

في أميركا اللاتينية، ظهرت أدلة إضافية على تورط شركات أمنية إسرائيلية في تدريب مراهقين ضمن برامج مكافحة الإرهاب. منظمة العفو الدولية وثّقت بعض هذه البرامج، خاصة في فنزويلا وكولومبيا، لكنها أشارت إلى أن الغموض الذي يحيط بهذه العمليات يجعل من الصعب تحديد حجم الظاهرة بدقة.

هؤلاء الأطفال الذين يُجندون في سن مبكرة يتحولون مع مرور الوقت إلى مجتمع عسكري مغلق. يتم تلقينهم مبادئ الصهيونية وتعليمهم تاريخ الدولة، مع طمس كامل لهويتهم الأصلية. بعد سنوات من الخدمة، يجد الكثير منهم أنفسهم في مواجهة واقع مرير: بلا جذور اجتماعية، بلا عائلة، وبلا مستقبل حقيقي.

إقرأ أيضاً: شجرة تينيري والسودان والسائق المخمور

سياسياً، يشكل هؤلاء الأطفال قوة بشرية تُستخدم لتعويض أي نقص في القوى العسكرية الإسرائيلية. من منظور استراتيجي، يعتبرون "جنوداً غير مرئيِّين"، لا يمكن تتبع ماضيهم أو هويتهم الحقيقية، مما يمنح المؤسسة العسكرية مرونة إضافية في التعامل معهم.

في النهاية، يبقى السؤال الأخلاقي قائماً: كيف يمكن للعالم أن يصمت أمام استغلال الأطفال وتحويلهم إلى أدوات حرب؟ غياب المحاسبة الدولية يفتح الباب أمام اتساع هذه الظاهرة دون قيود. مع مرور الوقت، قد تتحول هذه الظاهرة إلى قوة خارجة عن السيطرة، تعيد تشكيل ملامح الصراعات المستقبلية، تاركة هؤلاء الأطفال ضحايا لسياسات لا تعترف بحقوقهم أو إنسانيتهم.