كان أمراً في غاية الإستغراب أن المئات من أمهات وآباء وشقيقات وأشقاء وأقارب الأسرى الإسرائيليين لدى "حماس"، كيف أنهم في التظاهرات التي قاموا بها مقرونة بصور الأسرى مطالبين حكومة نتنياهو بالموافقة على صيغة الحل التي من شأن الأخذ بها الإفراج عن الأسرى، لم يأتوا على الجانب غير الإنساني الآخر.. أي أن هؤلاء المتظاهرين وبالذات الأمهات لم يقولوا كلمة حق أزاء الذي تمارسه حكومة نتنياهو ضد شعب غزة تدميراً للمباني والبيوت والأبراج والمستشفيات والمدارس والخيم، فضلاً عن التجويع الذي يحقق شغف الإبادة في النفس البنيامينية ونفوس الذي يتكل عليهم لبقاء الحكومة متماسكة لا تتساقط بفعْل حراك المعارضين، الذين ليسوا أفضل نظرة من الحكومة الراهنة تجاه تعامُلها مع غزة الشعب الذي يتحمل الويلات ومع "حماس" الذي ربط نتنياهو مسألة التهدئة ووقْف العدوان بإستسلام "حماس" سلاحياً بعد تسليمها الأسرى. وفي نهاية المطاف لم يبدأ حسْم الأمر وتحقيق المطالب التعجيزية، إلاَّ من خلال الرئيس دونالد ترمب. وفي هذا المنحى تستوقفنا عبارة وردت في مقال الكاتب الإسرائيلي ميخائيل ميلشتاني في عدد يوم الأحد 2. 11. 2025 من صحيفة "يديعوت أحرونوت" وهي:"إن إسرائيل دولة تابعة وإن واشنطن ليست شرطي مرور فقط. لقد فرضت واشنطن وقْف القتال وإن إسرائيل لم تعد قادرة على العودة إلى القتال متى شاءت بينما ترمب هو الطرف المهيمن على القرارات المتعلقة بقطاع غزة...". ويضيف إلى ذلك "ينبغي لإسرائيل التوقف عن تغذية الأوهام التي تُشتت الإنتباه وتهدر الموارد مثْل فكرة "غزتيْن" إحداهما مزدهرة والأُخرى مدمَرة، أو الوهم بأن العشائر يمكن أن تشكِّل بديلاً من "حماس" أو الأمل بضم الضفة الغربية الأمر الذي رفضه ترمب بحزم في السابق...".
وإلى الكلام الوارد أعلاه كان هنالك كلام يؤكد مقولة هيمنة ترمب على القرار "الإسرائيلي" أورده المعلِّق في "يديعوت أحرونوت" عدد يوم الجمعة 31. 10. 2025 ويتحدث كاتبه دورون هدار عن إقامة مقر للقيادة الأميركية في مدينة كريات غات "يتكون من هنغار واسع يضم منشأة أمنية محصَّنة يتواجد فيها مئات الموظفين والجنود الأميركيين مهمتهم مراقبة تنفيذ خطة ترمب ومتابعتها وتخطيطها. ويعمل إلى جانبهم في المكان ممثلون من دول أوروبية وعربية ليس بدافع "محبة إسرائيل" إنما للتأكد من أن الخطة تتقدم نحو هدفها النهائي، العودة إلى مسار حل الدولتين، وبعض هذه الدول كان قد صوَّت في الأمم المتحدة في وقت سابق لمصلحة إقامة دولة فلسطينية وحضورها في المقر بهدف أيضاً إلى التقرب من العرَّاب الرئيسي للخطة ترمب زعيم العالم الحر...".
مثْل هذا اﻟ "هنغار" والذين يبعث بهم ترمب للتحرك من خلاله بغرض إبقاء القرار تحت سُلطته، ربما يثمر مفاجأة للوضع في لبنان في ضوء الحراك المخابراتي المصري (جانب من الدبلوماسية المخابراتية العربية) وقبْله وبعده الحراك السعودي وبدعم من الإدارة الأميركية لكي يكون لبنان بعد سوريا والعراق، بعد نضوج المساعي والتدخلات، ضِمْن إستراتيجية النهج الذي يتَّبعه ترمب ويرى أنه يكتمل خطوة خطوة بعد لقاءات إستثنائية حدثت ولقاء مهم سيحدُث مع ولي عهد المملكة العربية السعودية رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان الذي سيزور واشنطن لعقْد لقاء من المتوقع أن يكون حدثاً بالغ الأهمية بما سيصدر عنه. وهنا تستوقفنا حدة التلفظ من جانب المبعوث الأميركي توم باراك وبالذات تشهيره، عوض الكلام الطيِّب والهادىء، بالحالة اللبنانية مِن خلاله قوله "مِن غير المعقول ألاَّ يكون هناك حوار بين لبنان وإسرائيل المستعدة للتوصل إلى إتفاق حدودي مع لبنان" وإضافة الرغبة هذه بالتشهير الآتية كلمات تصريحه من البحرين "إن القطاعات والمصارف تعاني من مشاكل وإن لبنان دولة فاشلة لكن القيادة اللبنانية صامدة إنما عليها التقدم أسرع في شأن سلاح حزب الله الذي يجني أموالاً أكثر من مخصصات الجيش اللبناني". وهذا التشخيص الواقعي إنما غير مستحب بالنسبة إلى عهد جديد يحاول قدْر المستطاع رتْق الثوب، ربما له موجب لو أن لبنان هو المعتدي يومياً كما حال إسرائيل التي لا يتوقف عدوانها على جنوب لبنان ويهدد وزير الدفاع نفاقاً منه لرئيس نتنياهو بقصف العاصمة بيروت، فيما أهل الحُكم اللبناني يطلبون من كل مسؤول دولي يزور لبنان المساعدة في ممارسة الضغط على إسرائيل لكي تنسحب من الجنوب وبذلك تصبح مسألة حصْر السلاح أكثر يسراً، كما ينشط تنفيذ الخطط الإصلاحية بحيث لا يكون لبنان "دولة فاشلة" كما تشخيص توم باراك لها. ربما بعد وصول السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى اللبناني الأصل كما توم باراك يكون التخاطب أفضل ويتسم ببعض التوقير الذي لم يكن من شمائل باراك ولا المبعوثة من قبْل ومِن بعد مورغان أورتاغوس التي في جولتها يوم الثلاثاء 28/10/2025 تعمَّدت ألاَّ تُلتقط لها صورة إلاَّ مع رئيس الجمهورية، مع أنها كانت في إطلالتها الأولى على لبنان وفي عنقها سلسال نجمة داوود كانت كثيرة الحرص على إلتقاط الصور لها مع المسؤولين فيما ذهبية النجمة تلمع في عُنقها.
تلك مجرد تأملات في المشهد اللبناني – الأميركي – المصري تستبق اللقاء المنتظَر في البيت الأبيض الذي يواصل رئيسه تجديده وبحيث يصبح عاكساً رؤى ترمب المسكون بهاجس الرئيس الأمبراطور. وهذا اللقاء الذي يتم بينه وبين رئيس مجلس الوزراء السعودي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي تربطه علاقة بالرئيس ترمب لم يسبق مثيل لها في طبيعة العلاقات بين الحُكم السعودي والإدارة الأميركية، من المتوقَّع أن يكون لقاء تأميم مشترك للصراع العربي - الإسرائيلي وبذلك يرمم الأشقاء العرب ما دمَّرته إسرائيل نتنياهو وينصرف أهل الجنوب وبمساعدة تصويبية مقرونة بمساندة مالية من العرب وإيران ومِن الأصدقاء الدوليين وهم كثيرون. وفي ضوء صِدْق النيات والعهود والوعود تبدأ في الشرق الأوسط حقبة السلام الصامد، أو فلنقل الشرق الأوسط المتقاعد من أهوال الحروب والأزمات والصراعات، شاملاً إمتداده المغاربي من موريتانيا وليبيا إلى تونس والمغرب.
وأما السودان بجنراليْه اللذيْن جعلا من السودان الغني والأبي والعزيز النفس، غزة أُخرى فحسابهما عند رب العالمين.. بل إن "غزة الجنراليْن" أكثر إيلاماً للنفس لأن الجنراليْن أمعنا قصفاً وقتلاً وتشريداً وتدميراً لبلدهما ولشعب السودان، فيما غزة التي تخلى عنها بنو قومها العرب، كانت مستهدَفة بشراً وحجراً من العدو الصهيوني لا غفر الله خطاياه.
في ضوء هذا المحتمَل حدوثه.. أي شرق أوسط متقاعد من أهوال الحروب والأزمات والصراعات، نتفاءل. ومَن يتفاءل بالخير يجده.
- آخر تحديث :






















التعليقات