مسعد حجازي من كندا: شهدت حقبة الخمسينات من القرن الماضى ميلاد وصعود جيل جديد من المطربات مثل شادية وهدى سلطان وشهرذاد وسعاد مكاوى وحورية حسن وسعاد محمد ونور الهدىوفايزة أحمد وفايدة كامل ونجاح سلام وغيرهن، بالإضافة إلى جيل الأربعينات مثل أم كلثوم ومنيرة المهدية وليلى مراد وصباح ونجاة على، وتعتبر شادية وهدى سلطان من المطربات القلائل من جيل الخمسينات اللاتى نجحن بتفوق فى فن التمثيل ، وكانت هدى سلطان تتمتع بصوت قوى، جهورى ومميز، وقادر على التلون والإنتقال بين طبقات صوتية مختلفة، وقد ساعدها ذلك كثيرا فى القيام بأدوار سينمائية مختلفة الأنماط، وقد لحن لها كبار مشاهير الملحنين فى ذلك الوقت مثل رياض السنباطى وفريد الأطرش ومحمد الموجى وشقيقها محمد فوزى الذى كان رافضا لإحترافها الفن، وبعد أن تم الصلح بينهما لحن لها أغنيتى quot; لامونىquot;، وquot; يا ضاربين الودعquot;.
كان من حسن حظ هدى سلطان كمطربة أن الأفلام العديدة التى قامت ببطولتها خاصة مع الفنان فريد شوقى ومحمود المليجى، وحققت نجاحا جماهيريا منقطع النظير بين جمهور quot; الترسوquot; كان لها أكبر الأثر فى ذيوع وانتشار العشرات من أغانيها، وزاد الإنتشار أكثر من خلال الإذاعة وبعد ظهور التليفزيون المصرى فى عام 1960، والمحطات الفضائية التليفزيونية فى التسعينات ، ومن أشهر أغانى هدى سلطان على سبيل المثال لا الحصر: quot; سوق يااسطى وعلى مهلك بيناquot; ، و quot; على دول يأمه على دولquot;، و quot; إن كنت ناسى أفكركquot; ، quot; من بحرى وبنحبوهquot; ، quot; يا جدع يا ظريفquot;، quot; على باب شقتنا الحلوة يا شريك أيامى الحلوةquot;، و quot; محسودة فى حبك محسودةquot; ، quot;عمرى ما دوقت الحب غير لما حبيتكquot; ، quot; مكتوب الهوىquot; ، يا ولاد حارتنا اتلموا.. شوفوا رمضان quot; ، و quot; كتبو كتابك يا نقاوة عينىquot; ، و quot; يا أم العروسة حضرى لها الحنةquot;.
بعد إنفصالها عن الفنان فريد شوقى وزواجها من المخرج المسرحى حسن عبد السلام قررت هدى سلطان خوض تجربة الوقوف على خشبة المسرح فقدمت quot; عفريت الستquot; وأوبريت quot; وداد الغازيةquot; ( مع الفنان الراحل عادل أدهم) ، و quot; الملاك الأزرقquot; و quot; وباى باىquot; و quot; آه من حلاوتهاquot;
فى حقبة الثمانينات، والتى شهدت تحولات جذرية فى المجتمع المصرى، وظهور شرائح إجتماعية جديدة أثرت بدورها على نوعية جمهور السينما، تعرضت السينما المصرية إلى أزمة كبيرة بسبب قلة الإنتاج السينمائى وقلة دور العرض والمغالاة الكبيرة فى أجور مشاهير النجوم أو النجم الأوحد الذى يتقاضى أجرا يبتلع نصف ميزانية الفيلم أو أكثر، وسيطرة الموزع العربى والأجنبى على سوق توزيع الأفلام المصرية فى البلاد العربية والخارج وبالتالى التحكم فى عملية الإنتاج ... كل هذه الأسباب دفعت العديد من كبار نجوم ونجمات السينما ومخرجيها الى اللجوء للتليفزيون والعمل فى تمثيليات سهرة ومسلسلات الدراما، ومنذ منتصف الثمانينات نجحت الفنانة هدى سلطان فى مد عمرها الفنى لمدة عقدين كاملين بإشتراكها فى العديد من المسلسلات التليفزيونية الناجحة من أهمها ثلاثية نجيب محفوظ، وquot; ليالى الحلمية quot; وquot; على الزيبقquot; و quot; أرابيسكquot; و quot; زيزينياquot; ، quot; الوتد، وquot; الليل وآخرهquot;، وتمشيا مع تقدمها فى السن نجحت فى تقديم دور الأم فى نمط جديد يختلف عن أنماط الأدوار التى عهدناها فى أشهر الممثلات اللاتى قمن بدور الأم فى السينما المصرية مثل فردوس محمد وأمينة رزق وسامية رشدى وعزيزة حلمى وآمال زايد، فهى الأم الحنون الرؤوم، وفى نفس الوقت قوية الشخصية، شديدة المراس، والعنيدة القاسية عند اللزوم.
لقد بدأت هدى سلطان حياتها الفنية كمطربة فى أوائل الخمسينات من القرن الماضى، ونجحت لأنها لم تقلد أحدا من مشاهير مطربات عصرها مثل أم كلثوم أو ليلى مراد ، ولكن يبدو أن الشاشة الفضية قد إختطفتها من عالم الغناء الى حد ما بعد النجاح الكبير لأفلامها خاصة تلك التى تقاسمت فيها البطولة مع زوجها فريد شوقى ، ونجاحها فى الوقوف على قدم وساق فى منافسات فنية شريفة يسودها الحب للفن والرغبة فى الإبداع مع بنات جيلها من نجمات السينما فى الخمسينات مثل فاتن حمامه وشادية وماجده الصباحى ومريم فخر الدين وهند رستم وزهرة العلا وغيرهن.
وإذا كانت التحولات الجذرية التى طرأت على المجتمع المصرى بعد قيام ثورة يوليو 1952 قد ساعدت على حدوث تغير كبير فى مفهوم وشخصية البطل الذى تقدمه السينما المصرية فبرز فريد شوقى - كمثال - ونجح فى أدوار البطل الفتوة الذى على استعداد أن يأخذ حقه بذراعه ولا يستجديه، فقد حدث نفس التغيير فى أدوار البطولة النسائية، فبينما كانت معظم أدوار فاتن حمامه وماجده ومريم فخر الدين وسميرة أحمد تمثل الفتاة أو المرأة الرومانسية الحالمة المظلومه والمسكينة والتى تعانى من الكثير من القيود، ظهر نوع آخر من الشخصيات النسائية الجديدة ndash; شخصية المرأة القوية الجريئة التى لا تستكين بل على إستعداد أن ترد الصاع صاعين، وقد نجحت تحية كاريوكا وهدى سلطان وهند رستم فى تجسيد هذه النوعية الجديدة من الأدوار. بالنسبة لهدى سلطان فقد مرت سينمائيا بثلاث مراحل أو نقلات نوعية، المرحلة الأولى كان صاحب الفضل فيها هو المخرج الكبير نيازى مصطفى الذى قدمها فى أدوار مختلفة ومتنوعة فى أفلام مثل ست الحسن وحميدو وفتوات الحسينية ورصيف نمرة 5 وسواق نص الليل، وهذه كانت مرحلة الإنتشار واستعراض قدراتها ومواهبها الفنية، وجاءت النقلة النوعية الثانية مع المخرج الكبير عز الدين ذو الفقار الذى قدمها فى دور لواحظ فى فيلم إمرأة فى الطريق، وهى مرحلة بلغت فيها هدى سلطان أعلى درجات الحرفية فى الأداء العبقرى وتقمص الشخصية أصبحت بعدها نجمة quot; سوبر quot;
أو خمس نجوم، ثم تأتى المرحلة الثالثة مع المخرج الكبير كمال الشيخ الذى قدمها فى دور صعب ومركب فى فيلم quot; شىء فى صدرىquot; (1971) عن قصة الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس ndash; ويمكن أن نطلق على هذه المرحلة مرحلة النضج الفنى وتزاوج الخبرات المكتسبة مع المواهب والقدرات الخاصة.
يعد دور لواحظ فى فيلم إمرأة فى الطريق من أشهر الأدوار السينمائية للفنانة الكبيرة الراحلة هدى سلطان إن لم يكن أشهرها وأهمها على الإطلاق، وهذا الفيلم لايزال ضمن قائمة أفضل مائة فيلم مصرى فى تاريخ السينما المصرية كلها. الفيلم بطولة هدى سلطان ورشدى أباظة وشكرى سرحان وزكى رستم وأمال فريد وعبد الغنى قمر ومن إخراج عز الدين ذو الفقار، وقد يكون من المفيد هنا أن نتوقف برهة عند هذا المخرج الكبير صانع النجوم ومفجر المواهب والذى كان له الفضل فى إحداث نقلة نوعية كبرى لكل من رشدى أباظة والفنانة هدى سلطان ndash; الأول بعد دور quot; عصمت كاظمquot; فى فيلم quot; الرجل الثانىquot; ، والثانية بعد دور لواحظ فى فيلم quot; إمرأة فى الطريق quot; .
عز الدين ذو الفقار مخرج متفرد من طراز خاص، ويصنفه كثير من النقاد على أنه رائد الأفلام العاطفية الشاعرية والرومانسية فى السينما المصرية، وبعض النقاد يعتبره شاعرا يقف وراء الكاميرا، وأراه مخرجا شاعرا رومانسيا حتى فى أفلامه البوليسية، وأسلوبه فى الإخراج ndash; فى رأيى ndash; يقارب أسلوب المخرج العالمى فرنسيس فورد كوبولا ، كلاهما أشترك فى كتابة السيناريو لمعظم افلامهما، ويهتمان بإبراز البعد النفسى والمشاعر العميقة والدوافع للشخصيات، وقد بدأ إهتمامى بهذا المخرج المصرى العبقرى منذ الصغر، وشاهدت تقريبا كل أعماله السينمائية ولا أمل من مشاهدة أى فيلم من إخراجه عدة مرات، وكنت دائما أرى أن عز الدين ذو الفقار لو ظهر فى هوليود لأصبح من كبار المخرجين العالميين، وهذه ليست مبالغة من جانبى أو فرط إعجاب، فعندما إلتقيت كلا من المطربة الفنانة صباح ( فى تورونتو) والراقصة الفنانة سامية جمال ( فى مونتريال) فى مقابلات صحفية خاصة حرصت على أن أسأل كلا منهن عن رأيها فى المخرج عز الدين ذو الفقار والذى أستطاع أن يجمع بينهما فى فيلم واحد هو فيلم quot; الرجل الثانىquot; فى عام 1958، وهو نفس العام الذى أخرج فيه أيضا إمرأة فى الطريق، وقد لفت نظرى إلى حد الدهشة أن جاءت الإجابة متطابقة حرفيا وبنفس الطريقة حيث قالت كل منهن : quot; ده كان عالمىquot;، وقالت لى الفنانة صباح quot; أن العمل معه كان صعبا وشاقا فقد كان ndash; رحمه الله ndash; يتميز بالشدة والصرامة والإنضباط
نظرا لطبيعته وشخصيته العسكرية فقد كان ضابطا سابقا فى الجيشquot;. ومن أشهر أفلام عز الدين ذو الفقار quot; أنا الماضىquot; و رقصة الوداعquot; و قطار الليل ورد قلبى وبورسعيد والرجل الثانى وبين الأطلال وشارع الحب ونهر الحب والشموع السوداء، وطبعا بالإضافة إلى إمرأة فى الطريق.
وقصة فيلم إمرأة فى الطريق مقتيسة أو بمعنى أدق مستوحاه من فيلم أمريكى شهير كان قد ظهر فى أواخر عام 1946 بعنوان quot; صراع تحت الشمسquot; ndash; Duel In The Sun - بطولة جريجورى بيك و جينيفر جونز وجوزيف كوتين ، من إنتاج دافيد سيلزنيك ( المنتج السينمائى الذى أنتج للسينما العالمية الفيلم الخالد quot; ذهب مع الريحquot; فى عام 1939)، ومن إخراج المخرج العالمى كينج فيدور والذى أخرج روائع مثل quot; الحرب والسلام quot; بطولة هنرى فوندا وأودرى هيبورن، و quot; رجل بلا نجمة quot; بطولة كيرك دوجلاس وquot; سولومون أند شيباquot; عن قصة الملك سليمان وبلقيس ملكة سبأ بطولة يول برينر وجينا لولو بريجيدا.
تدور قصة الفيلم الأمريكى حول فتاة أمريكية من أصل مكسيكى تدعى quot; بيرل quot; ( جينيفر جونز) يقتل والدها أمها رميا بالرصاص بعد أن يكتشف خيانتها الزوجية له ، ويعدم الأب شنقا فترحل بيرل لتقيم مع عائلة ثرية تمت بصلة قرابة بعيدة لأسرتها.
فى منزل العائلة الثرية يعيش شقيقان تختلف شخصية كلا منهما عن الآخر تمام الإختلاف ، الأصغر اسمه quot; لوتquot; ( جربجورى بيك) .. شاب وسيم، طويل القامة، جذاب ، مغامر جرىء وطائش، والثانى ndash; quot; جيسىquot; - عاقل، متزن ورزين ( جوزيف كوتين)، .. ويقع الشقيقان فى حب بيرل، .. لوت يستغل سحره ووسامته ومصمم على أن يوقع بيرل فى حبائله لكن ليس لديه أى نية فى الزواج منها، ولا يأبه بتمنعها ويستمر فى محاولاته دون كلل، ويحاول الشقيق الأكبر أن يحميها من أخيه الذئب لوت ، غير أن الظروف والسياسات والتقاليد داخل العائلة الثرية تجبر جيسى على أن يترك البيت والمزرعة الكبيرة ويرحل بعيدا، ويخلو الجو تماما للشقيق الأصغر لوت لينفرد بـ بيرل التى لم تيأس من المقاومة وترفض الإستسلام لمحاولاته، ولكن وسط المناظر الطبيعية الخلابة فى المزرعة ، وتحت لهيب حراة الشمس فى الجنوب الأمريكى يرتفع لهيب المشاعر والرغبة وتحاول الفتاة أن تقنع نفسها أن لوت يحبها وأن غرضه شريف فتستسلم له، ... يتزوج جيسى ولأنه يعلم نوايا شقيقه الأصغر الحقيقية يطلب من بيرل أن تترك المزرعة وتعيش معه وزوجته، ويبدأ مثلث الصراع على عدة محاور وأبعاد متضاربة بين الرفض والرغبة وبين العقل والعاطفة، وبين الأخ وأخيه، وعندما يحاول جيسى التصدى لـ لوت وإنقاذ بيرل من براثنه يحتدم الصراع وتتطور الأحداث وتنتهى نهاية مأساوية.
كان هذا ملخصا لقصة الفيلم الأمريكى الذى أحدث ضجة كبيرة فى أمريكا بعد عرضه واختلف عليه النقاد، وقد حظرت كثير من المدن الأمريكية عرض الفيلم لتضمنه العديد من المشاهد العارية والإيماءات الجنسية المثيرة، وتسبب الحظر فى بعض المدن إلى ذيادة الإقبال على الفيلم فى مدن وولايات أخرى، فحقق عند عرضه الأول إيرادات كبيرة بعد أن توقع له بعض النقاد خسارة مالية فادحة، وأصبح الفيلم من كلاسيكيات السينما الأمريكية الشهيرة.
فى الفيلم المصرى quot; إمرأة فى الطريقquot; نجح المخرج عز الدين ذو الفقار، الذى شارك فى كتابة السيناريو مع السيناريست الكبير عبد الحى أديب، وكاتب الحوار محمد أبو يوسف فى تقديم فيلم مقتبس عن جوهر قصة الفيلم الأمريكى، ودون الإلتزام الحرفى بسيناريو صراع تحت الشمس، فعبر السيناريو والحوار والشخصيات المرسومة بدقة وعناية تعبيرا صادقا وجميلا عن الجو والبيئة المصرية الخالصة.
تتلخص قصة فيلم إمرأة فى الطريق فى المعلم فرج ( زكى رستم) صاحب محطة بنزين وورشة أصلاح سيارات ملحقة ببيته الذى يقع على الطريق الصحراوى بالقرب من الملاحات والإسكندرية ، يعيش فيه مع إبنه حسنين ( شكرى سرحان) المتزوج من لواحظ ( هدى سلطان )، وهى راقصة غجرية لعوب قبلت الزواج من حسنين وهى لا تحبه وحتى تكون قريبة من صابر ( رشدى أباظة ) الذى تحبه وتعشقه، ولكن صابر يحب بهية ( أمال فريد ) الفتاة البدوية إبنة المعلم منصور الذى ينجح فى إعادة صابر إلى البيت بعد أن طرده أبيه الصعيدى الذى يكرهه لا لشىء سوى أنه إبن زوجته الأولى التى دست السم لزوجته الثانية ( أم حسنين ) وسجنت. تتراكم الديون على الأب بعد فشل حسنين فى إدارة الورشة، وأصبح مهددا بالإفلاس وفقدان الورشة وكل ما يملك، ولم ينقذه من الورطة وسداد الديون سوى صابر، الذى تطارده لواحظ وتلاحقه بكل ما تملك من أسلحة الفتنة والإغراء خاصة بعد أن يفقد الأب بصره فى حادث أثناء عمله فى الورشة تسبب فيه حسنين، .. يقرر حسنين الذى أفسده حب أبيه الزائد وأضعف شخصيته ترك المنزل والسفر بحثا عن عمل وكى يعتمد على نفسه، ويظن الأب نتيجة وشاية الشيخ أمين المنافق ( عبد الغنى قمر) أن ثمة علاقة آثمة بين صابر ولواحظ،، وعندما يعود حسنين يخبره الأب بخيانة زوجته له فى غيابه، .. وفى عدة مشاهد ميلودرامية متتابعة ومتصاعدة يحاول حسنين الغاضب أن يقتل أخيه إنتقاما لشرفه، ولكنه يقتل على يد لواحظ ، ويلفظ حسنين أنفاسه وهو فى حضن أخيه، ويتحول صابر الذى أصبح مطاردا من البلدة بسبب الوشايات والإشاعات الكاذبة إلى وحش شرس فيخنق لواحظ بيديه ويقتلها، ويحمل أخيه القتيل بين ذراعيه ليدفنه، ويسدل ستار نهاية الفيلم على مشهد الأب الأعمى وهو يسير تائها ووحيدا على الطريق يبحث عن إبنه وهو ينادى مرددا : quot; حسنين يا ولدى .. ولدى يا حسنينquot;.
فى إمرأة على الطريق وصلت الفنانة القديرة هدى سلطان إلى أعلى درجات الإبداع والحرفنة فى الأداء التمثيلى، فأستطاعت بإقتدار تقمص روح شخصية لواحظ، ونقل المعنى المكتوب فى السيناريو وتجسيده على الشاشة الفضية بذكاء وإحساس وإنفعالات متباينة دون مبالغة أو نقصان. لقد تقمصت الدور الصعب المركب ولبسته كما لو كانت ترتدى قفازا فى اليد،أو فستانا على مقاس جسم لواحظ،، وظهر ذلك واضحا جليا فى طريقة كلامها ونبرات صوتها المختلفة وإنفعالاتها حسب الموقف الدرامى، ونجحت فى عدة مشاهد وبلغة السينما فى أن تسرق الكاميرا حتى ولو كانت تقف فى خلفية الكادر، .. كما ظهر فى التعبير بنظراتها وحركات يديها وطريقة سيرها .. لواحظ .. الراقصة الغجرية التى تحب وتعشق، المرأة اللعوب أم عيون جريئة ، الدلوعة، الغيورة، القوية، الضعيفة، تلمح الضعف فى قوتها، والقوة فى ضعفها، سليطة اللسان سريع الطلقات، ... كانت حقا quot; لواحظ مهلبية quot;، و quot; لواحظ الكهربا quot; كما كان يتخيلها quot; على quot; ( محمد توفيق) الشاب العربجى المخلص الذى يتلعثم فى الكلام، ويملأ جدران حجرته البسيطة بصورها لتكون سلوته فى وحدته.
لقد شاهدت الفيلمين الأمريكى والمصرى، ورغم إعجابى الكبير بالنجم العالمى الراحل جريجورى بيك، وبروعة الأداء والمناظر الطبيعية فى الفيلم إلا أننى أعجبت أكثر بالفيلم المصرى، وأرى أن هدى سلطان قد تفوقت على جينيفر جونز الجميلة التى تعرض جسمها بالكامل لعملية ماكياج وصباغة حتى تبدو سمراء البشرة أو قمحية اللون كى تناسب شكل فتاة أمريكية ndash; مكسيكية فى فيلم قد يكون من أشهر أفلامها لكنه ليس أفضلها، أما هدى سلطان فظهرت على طبيعتها بلا ماكياج.. جمال مصرى خالص من صميم التربة والبيئة المصرية.
لقد تفوقت لواحظ المصرية على بيرل الأمريكية، من خلال فيلم مصرى توافرت له كل عناصر النجاح: موضوع قوى، مخرج بارع متمكن وحساس ويعتنى بأدق التفاصيل ، وسيناريو محكم وحوار ذكى جيد، وطاقم من الممثلين المبدعين ، وموسيقى تصويرية رائعة ومعيرة تضيف قوة للمشاهد الدرامية ألفها أندريه رايدر، ومدير تصوير كبير (وديد سرى) ومونتاج أكثر من رائع قام به ألبير نجيب ، وديكور ملائم أضفى واقعية على المكان وخدمت مفرداته الجو والحدث الدرامى بناه أنطون بوليزويس ، والفيلم من إنتاج حلمى رفلة.
وبعد دور لواحظ فى إمرأة فى الطريق مضت هدى سلطان فى طريقها الفنى بخطوات واسعة وأقدام راسخة فقدمت المزيد من الأفلام الناجحة والأعمال التليفزيونية الجيدة، ..
وفى نهاية الثمانينات من القرن الماضى قررت الفنانة القديرة الكبيرة أن ترتدى الحجاب طواعية، ودون إثارة ضجة أو إعلان، فقد كانت فنانة حقيقة وأكبر من أى دعاية رخيصة، .. تحجبت وحجت إلى بيت الله الحرام كل عام، ولم تعتزل الفن أو تتبرأ من أعمالها السابقة أو تدعى أن الفن حرام، فاكتسبت مزيدا من الوقار، والإحترام والحب عند ملايين الناس والفنانين.
نسأل الله العلى القدير أن يرحم الفنانة الكبيرة هدى سلطان ويجعل مثواها الجنة، وإذا كانت قد رحلت عنا بجسدها فإن أعمالها الفنية الكبيرة ستظل حية وخالدة لتمتع الأجيال الحالية والقادمة بالفن الجميل.
كاتب وصحفى مصرى ndash; كندي
[email protected]