شهدت الدراما العراقية خلال الموسم الرمضاني الحالي ظاهرة تكراروجوه الممثلين في أغلب الأعمال ، وهو ما لا يستحسنه المشاهد حيث تختلط عليه الشخصيات وتضيع منه الأحداث، فلا يدرك مع الإستمرارية ما يتابع، لاسيما إذا ما كانت الشخصيات التي يؤديها الممثلون متشابهة، وهي فعلاً متشابهة لأن الأعمال الدرامية العراقية لم تخرج من الإطار التقليديفي تناولها للاحداث.


بغداد:أكد العديد من المتابعين للاعمال الدرامية العراقية ان مشاركة أغلب الممثلين المعروفين في أعمال عديدة أدى إلى حالة من التشتت لديهم، فهم يشاهدون الممثل الفلاني في مسلسل وبعد قليل يشاهدونه في مسلسل آخر، وهو ما يخلق نوعاً من التشويش، إذ ان تشابه الادوار لا يمنح المشاهد فرصة لاستيعاب ما يحدث ، كما ان العديد من الفنانين لم يعجبهم التكرار حتى وان اشتركوا في عدة اعمال، الا انهم يبررون ذلك بضعف الاجور او تكثيف الاعمال لمناسبة شهر رمضان، ويذكر بعض الممثلين انهم في في حالات عديدة ينسون الشخصيات التي يمثلونها حيث تختلط عليها اوامر التصوير، واشار بعضهم الى انه ذهب الى التصوير وهم يحمل بيده حقيبة فيها ملابس شخصية اخرى، وهو يشير الى من يتصل به لتبليغه بموعد التصوير لايذكر له الا كلمات ان لديه تصوير في الساعة كذا، كما اوضح بعض الممثلين ان كثيرا ما تلتبس عليه الشخصيات لان التجهيز للشخصيات يكون في وقت واحد ، ويكون مضطرا الى ان ينتهي من تصوير مشاهد في هذا المساسل ثم يذهب مباشرة الى مكان اخر لتصوير مشاهد من مسلسل اخر ، وهم يعترفون ان الامر غير صحيح ، ولكنهم يعترفون ايضا بأن هذا (رزق) لايمكن رده .

يقول الفنان عزيز خيون : انا اتكلم اذا كان هذا الفنان لديه مشروع ثقافي وجمالي ، فينبغي عليه في الدرجة الاولى اختيار هذا المشروع ، الكم العددي مخيف ، نحن نلهث كثيرا باتجاه انجاز مشروع واحد نبتغي منه النجاح ونقلق ، فكيف اذا كان ثلاثة او اربعة او خمسة ، اعتقد ان الحالة غير صحية ، على الممثل والفنان بشكل عام ان يركز على جانب معين ، واعتقد ان عملا واحد يكفي جدا .

واضاف : انا اعتقد ان بروز هذه الظاهرة يتعلق بطبيعة الانتاج والارباك الحاصل في الثقافة العراقية عموما ، وليس في الدراما فقط ، هذا ارباك ، لان على الشركات المنتجة وعلى القنوات المنتجة ان تركز انجازها في وجوه محددة وتمنح الاخرين فرصة للاطلالة ، فالتركيز على ممثل واحد او اثنين او اربعة حتى ، بالتالي حتى على مستوى التلقي سوف تحتار ، هذا الممثل هنا ، ثم هناك ، ثم ان هنالك لا يوجد شغل على النص ، ليس هنالك عمل للشخصية ، الممثل هو .. هو في كل الاعمال ، جرده من الديكور الخارجي ومن ملابسه ومكياجه ستشاهده نفسه ، ليس هنالك اجتهاد الا عند القلة طبعا .

وتابع : ما يقال ان السبب في اللجوء الى الاشتغال اكثر من عمل سببه الاجور ، ارد عليه بالقول ان الممثل ليس بتاجر ، انا لا اتحدث عن الفنان التاجر ، الفن ليس تجارة ، الفن اختيار ومسؤولية ورسالة ، انا عندما اعمل في عمل لابد ان اجتهد في سبيل ان اوصله الى منطقة القناعة ، الى منطقة الجمال ، ولهذا اتحسب الف مرة قبل ان اقدم على هذا العمل ، هذا الموضوع له علاقة بثقافة الممثل والتزام الفنان والتزام بالواقع العراقي ، والواقع المجتمعي وله علاقة بالواقع الاقتصادي للفنان نفسه ، ولكن بالنسبة لي الفن خيار ، يعني لاابغي من الفن ان اعيش في مرحلة هائلة جدا من الاقتصاد ، هذا مستحيل ، اما اذا وفرنا حالة مجتمع لفنان يستطيع ان يعيش برفاهية وحياة سعيدة ، فهذه هي الدولة ، حتى بالتالي هو يختار ولا يضطر الى ان يهرول في اكثر من مكان ، فيفقد صحته ويفقد نتائج عمله .


اما الفنان سعد عزيز فقال : بالتأكيد لاشتغال الممثل في اكثر من عمل تأثير في التلقي ، على المشاهد ، حيث تختلط عليه الاوراق ، والممثل مهما يكون هو طاقة بشرية ، فمهما حاول ان يغير فسوف يبقى (copy/ paste) ، ولا تقبل غير هذا ، وان استطاع ان يغير في عمل فكيف في الاعمال الاخرى ، ان كان مشتركا في ثلاثة اعمال مثلا او حتى في عملين ، فهذا كثير ، فالعملية صعبة مهما قال عنها الاخرون انها سهلة ، وسببها الرئيسي ضعف الاجور ، بالاضافة الى العلاقات ونظام المجاميغ الفنية المغلقة ، التي تجعل البعض يظهر في اكثر من اربعة اعمال، وفي النتيجة يعود بالضرر على العمل الفني ، صحيح ان سيمثل ويستفيد ماديا ولكن العمل الفني سيتضرر ، لان الممثل مهما اراد ان يبدع فالاوراق سوف تختلط .

واضاف : انا مع العمل في مسلسل واحد لموسم مثل رمضان الذي تتزايد فيه الاعمال الفنية ، لكي يحافظ الفنان على حضوره امام الجمهور .


وقالت الفنانة سولاف جليل : اعتقد ان من الصحيح على الممثل ان يختار من بين الاعمال المعروضة عليه العمل الذي يجده افضل ويناسبه ، واذا ما اضطر الى العمل في مسلسلين مثلا فعليه ان يختار شخصيتين بعيدتين عن بعضهما بحيث لا يؤثر على المتلقي او يجعله يخلط بين الشخصيتين ، وهناك مشاهد ينتبه الى هذا التكرار ، وكنت اسمع من البعض انتقادهم للممثلين الذين يعملون في اغلب كثيرة وعلى كل الشاشات من انه لم يظهر على (سبيس تون) فقط ، ويجب ان نشير الى حالة وهي ان الممثل لديه طاقة عادية واذا ما اشتغل هنا وهناك فالمردود الصحي عليه سيكون سيئا ، فربما يؤدي الى الاجهاد او يصاب بحالة مرضية معينة ، ونحن نعرف كيف ان اعمالنا تم تصويرها في اوقات متقاربة ، وكيف ان الفضائيات راحت (تركض) لاتمام اعمالها ،اعتقد ان الممثل الذي يشترك في اعمال عديدة يؤدي الى استهلاك نفسه او ما نطلق عليه (انه يحترق) امام الجمهور ، وربما في اوقات ما لا يطلبه المنتجون او المخرجون لانهم لايريدون وجها مستهلكا .

فيما الفنان صادق والي فقال : تكرار الوجوه مما سبب في هبوط الايقاع ، هناك خلال الموسم الرمضاني الحالي اكثر من ممثل يشتركون في كل الاعمال العراقية ، وحتى الشخصيات التي جسدوها متشابهة في كل المسلسلات ،وهذا ما ادى الى عدم وجود دهشة في الاعمال العراقية ، لم يكن هناك عمل يشد من البداية الى النهاية ، من خلال متابعتي وجدت ان هناك اكثر من ثمانية ممثلين من المعروفين للناس متكررين في ثمانية اعمال ، لذلك انا واحد من المتابعين والمشاهدين اختلطت عليّ الكثير من الامور ، وانا ممثل .. فكيف للانسان البسيط الذي ليس اختصاصه الفن ، لذلك انا ارى ان تكرار الوجود في الدراما العراقية ساعد على هبوط الايقاع ، لذلك نجد الايقاع فالتا ولا توجد دهشة ، وهذا الموسم تحديدا ، ويمكن الاشارة الى عدة اسباب منها ان هذا التكرار اجهد الممثلين وجعل مستواهم الفني في تراجع ، فضلا عن وجود ممثلين اعطيت لهم مساحة اكبر مما يستحقونها بسبب العلاقات والواسطات ، وهناك ممثلون جسدوا شخصيات مهمة ولم يكونوا مؤهلين ولم يوفقوا للاسف لان العلاقات لعبت دورا كبيرا وهو ما ادى الى ان يشترك الممثل في اكثر من عمل وان كان لا يستحق .

وقالت الفنانة سناء علي : اعتقد ان اشتغال الممثلين في اكثر من مسلسل في موسم رمضان هو لعنة ، لانها لا تجعل المشاهد يعرف ما يتابع ، فيحدث اندماج بين الشخصيات التي يمثلها الممثل عند المشاهد ، وهو ما يخلق تشويشا عند المشاهد فلا يقدر على استيعاب الاحداث ، فلا يمكنه ان يفهم ما يحدث لان الممثل الفلاني في شخصيته الاخرى ما زال امام عينيه .

واضافت : لا اعتقد ان السبب في هذا هو قلة الممثلين ، بل انه بسبب قلة الوعي عند الاخراج والانتاج ، لان هؤلاء من المفروض ان يعرفوا مع من يتعاملون ، ولماذا . ، ثم ان هنالك شيء اخر وهو ان التكرار يستهلك الممثل ، مثلما يفعل ذلك عند المخرج الذي يشتغل بعدة اعمال ، لان اي استعداد للابتكار لا يكون عنده ولا تكون لديه سعة افق ، فينتهي ، وانا اؤكد ان من الضروري على هذه العناصر ان تنتهي وان تبرز العناصر الجديدة الواعية التي يجب ان تأخذ مجالها وتعمل .

اما الناقد عباس لطيف قال : هذا التكرار معناه صناعة ابطال وهميين ، فنحن نشاهد ممثل يقود عملا بثلاثين حلقة ، وهذا معناه امر غير طبيعي ، معناه عنده (كاريزما) خاصة ، ونسميه (الممثل المهمن) ولديه تجارب ، خذ مثلا : اتى الفنان المصري محمد هنيدي بالفناة الكبيرة سميحة ايوب التي لا تعمل في الكوميديا ، اشركها من اجل خلق توازن في الفيلم الجديد الذي يعمل عليه الان ، فالتجربة هنا خطيرة ، فالفنانة سميحة معروفة باشتغالها الكلاسيكيات والجادة ، ولما سألوه انها سوف تربك عليك العمل كونها ممثلة جادة ، فقال : (الفن عملية توازن بالعناصر) ، وهذا ذكاء يحسب له ، اما ان تأتي بشخص طاريء وتجعله بطلا لمسلسل فهذه قضية كبيرة .

واضاف : اعتقد ان الانتاج بدون ان يدري يقوم بـ (حرق) الممثل ، وسوف يعملون لنا ممثلين نمطيين ، مثلا الفنان كاظم القريشي التصقت به الشخصية الشريرة كما قال لي من ان المنتجين او المخرجين لا يرسلون لي الا لادوار شريرة ، وهذا نسميه (التنميط) ، وهذه تشير الى قضية خطيرة هي سهولة المخرج ، فالمخرج لا يتعب ولا يريد ان يشغل الممثل ولا يصنع دورا ولا يتدخل ، بل يبحث عن الجاهزية والسهولة والاستسهال ، وهذا ما يقودنا الى الفشل ، ورمضان هذا كشف لنا عن مزاد معيب من الفشل .