أبدى فنانون عراقيون إعجابهم الشديد بالإنتاج الدرامي المصري لهذا الموسم الرمضاني، وعدوا ذلك عودة قوية لها لتسيّد المشهد العام للدراما العربية من جديد بعد غياب لسنوات بسبب ما أظهرته الدراما السورية ومن ثم التركية ، مؤكدين أن المصريين اعتمدوا على نجومهم الكبار في ترسيخ هذه العودة، فكان هؤلاء النجوم العمالقة أثرًا في لفت الانتباه الى المسلسلات المصرية .


بغداد:أكد فنانون عراقيون أن الفنانين المصريين فاجأوا الجميع بالأعمال التي قدموها على شاشة رمضان الحالي على الرغم من الظروف التي تمرّ بها مصر والإعتقاد أن الفنانين انشغلوا مثل غيرهم من المواطنين العاديين بالأحداث الجارية، لكنهم أثبتوا جدارة في تحمل المسؤولية الفنية الملقاة على عاتقهم لإبراز دور الفن في الحياة المصرية.
واشار العراقيون الى ان الفنانين المصريين الكبار كانوا اكثر ما يميز هذه الدراما ، ليس بأسمائهم فقط بل بأدائهم وتألقهم وحضورهم اللافت وهيبتهم التي فرضوها ، واشادوا تحديدا بالنجوم محمود عبد العزيز ،عادل امام ، يحيى الفخراني، نور الشريف، الهام شاهين، يسرا، وصلاح السعدني الذين أمتعوا المشاهد العربي بالشكل والمضمون لأعمالهم ، ولم ينس الفنانون العراقيون ان يعرّجوا في الحديث عن الدراما العراقية وراحوا يقارنون في ما بين الاثنتين ، فكان الفرق اكبر مما يمكن تصوره للعديد من الملاحظات التي طرحوها .

الناقد والفنان سعد عزيز عبد الصاحب قال : اهم ملمح في الدراما الرمضانية عودة النجوم في الدراما المصرية وعلى رأسهم محمود عبد العزيز، وعادل امام، ويحيى الفخراني، ونور الشريف، والهام شاهين ويسرى وصلاح السعدني، بعد تراجع الإنتاج السينمائي، فتحولوا الى الدراما التلفزيونية ولعبوا (خبالا) كما يقال ، محمود عبد العزيز في دوره الجديد المدهش الذي اعطى درسا في التمثيل والتألق والاستمرارية والحضور والتوقد والاشتعال ، وكذلك الفخراني الكبير وكذلك نور الشريف ، وهذا الانصهار مع الشباب ، وكل المحيطين بهم شباب واجيال جديدة ناشئة ، وهذه الابوة التي تحسها داخل (السيت) ، وهي شكل غريب وعجيب علينا نحن العراقيين ، لا نعر له اي اهتمام داخل حواضننا الفنية الا انني شاهدت حضورا بالغ الاثر في داخل هؤلاء الممثلين من خلال العمالقة .

واضاف : لا وجه للمقارنة بيننا وبينهم ، نحن هنا يتزاحم فناننا سامي قفطان مع الممثل كي يظهر وهو له 40 سنة في هذا المجال ، وكذلك الممثلون الاخرون ليسوا ابويين ، ليس لديهم روح الابوة ، يقاومون الروح الـ(ختيارية) ، بل هناك انانية وافتعال ، وهناك من هذا ومن ذاك ، وماذا سيفعل او ماذا سيصير ، وهذا لا يعرف ان يمثل ، ويقيمون الاشياء من دون ان يشاهدوها ، وهذا خلل كبير في البنية الشخصانية والبنية النفسية والبنية الاجتماعية للممثل العراقي .
فيما قال عقيل ابراهيم العطية : ربما لا امتلك رؤية واضحة بسبب كثرة الاعمال المعروضة على الشاشات وفي اوقات متقاربة فضلا عن ازعاجات الحر الشديد وتعب الصوم ، ولكن ما زالت الدراما المصرية متفوقة بوجود النجوم الكثيرين هذا العام فضلا عن الانتاج الرائع والمواضيع الجديدة ، ويبدو ان الثورة المصرية بدأت تفرض سطوتها ، وبدأت الاشارات الى النظام السابق وبعض مساوئه ، لكن الشيء المميز هو ان الدراما المصرية شهدت عودة العديد من النجوم الذين فرضوا هيبتهم ومكانته الفنية ، اما الخليجية فما زالت تعتمد على الفخامة ، ولكن هناك ملاحظات واضحة في الدراما العراقية على الاقل وقد اتيحت لي فرصة مشاهدة بعضها مثل ان الانتاج ما زال فقيرا وتبقى المشكلة الاولى في الانتاج، مثلا تظهر الشوارع فارغة ولا يوجد فيها اي كومبارس والممثلون وحدهم هناك ، وكأن الشوارع خلت من المارة الا من الممثلين ، مثلا في مسلسل اسمه (درب انعيمة) يظهر الفنان خليل عبد القادر في دكانه يصول ويجول لوحده وليس هنالك سوى الممثلين يتحدثون معه ، فلا مستطرق اشترى منه علبة سكائر ولا أحد شرب من دكانه قنينة مشروب غازي ، وهذه من بديهيات العمل ، انظر الى اي عمل مصري وشاهد عدد الناس العاديين الذين يظهرون ويمنحون المسلسل حيوية وطراوة مطلوبة جدا ، المسلسل العراقي ما زال خشنا يابسا ، والممثلون هم انفسهم في كل المسلسلات كما يقول المثل (مثل خلالات العبد) ، أحد الممثلين يذهب الى البادية ويبقى بقميصه الاحمر وحذائه اللماع طيلة ايام دون ان يضيفه صاحب المضيف ويلبسه (دشداشة) على الاقل .
اما الصحافي قحطان جواد جاسم فقال : يمكن الاشارة الى الاكثر لفتا للانتباه وهي الدراما المصرية هذا الرمضان ، وبروز ظاهرة دراما النجم ، ففي كل عمل هناك نجم كبير يستحوذ على الاهتمام وكل الخطوط مرتبطة به ، هناك الهام شاهين، عادل امام، يحيى الفخراني، نور الشريف، محمود عبد العزيز ، وهؤلاء لديهم نجومية طاغية فضلا عن المواضيع التي طرحوها ما عدا مسلسل عادل امام (فرقة ناجي عطا الله) الذي فيه (فبركة) واسلوبه اسلوب الافلام الاميركية وجيمس بوند ايام زمان .
واضاف : اما الاعمال العراقية فاللافت فيها وجود المخرج السوري ، يعني انا اعرف في عمل (مودرن) من الممكن ان تكون الامور متشابهة ، فيكون المخرج عربيا لا ضير ، ولكن ان يأتي مخرج سوري ليقدم مادة محلية مغرقة في المحلية والتراث ، فكيف يمكنه ان يعرف كيف يقف الرجل او المرأة في الباب ، فالمرأة العراقية من منطقة (باب الشيخ) حين تقف في الباب تختلف عن منطقة الكاظمية او الاعظمية ، فضلا عن سلوك الناس وعاداتهم وتقاليدهم وطريقة التحدث فيما بينهم ، واذن .. المخرج سيعتمد على المنتج والممثلين واذا ما اخطأ احد منهم فسوف يرتكب الخطأ ويمضي ، مثلا في مسلسل (بنت المعيدي) ارتدى الفنان (غالب جواد) بدلات من وقتنا الحالي وليس من الثلاثينات ،وهناك ملاحظة مهمة وهي كثرة تكرار الممثلين في المسلسلات حتى بدأنا نخلط بين شخصية هذا الممثل في هذا العمل وذاك ، واذا ما كانت الدراما المصرية قد تميزت بالنجوم فالدراما العراقية بلا نجوم .
وقال المخرج السينمائي جميل النفس : اتسمت اعمال رمضان هذا العام بطغيان الأداء في الشكل والمضمون للجانب المصري ، كان انتاجهم متميزا بشخصياتهم الفارعة وادائهم المميز بالاضافة الى المضمون الذي تتناوله هذه المسلسلات ، فيما نحن بقينا تقليديين الى حد ما ، والملاحظ على المشهد التمثيلي العراقي هو غياب حذاقة المخرج ، وظلت الكاميرا حبيسة التقليد ، فيما نشاهد في المسلسل المصري الكاميرا تعطي زخما هائلا للايقاع وتدفع بالقصة الى شكل جميل ، بينما الدراما العراقية اتسمت بايقاعها البطيء الذي اعتدنا عليه ، ومن الممكن ان اقول ان العام الماضي كان افضل على الرغم من الكم الهائل للمسلسلات التي تعرض يوميا .

واضاف : لفت انتباهي (الخواجة عبد القادر) وهذا الممثل الهائل ، يحيى الفخراني، الرائع الذي يعطي درسا في التمثيل ، فلا يوجد بتقديري ممثل تلقائي بقدر تلقائية هذا الممثل الفارع ، فأدى الشخصية بشكل رائع ، انا اعتقد ان الدراما المصرية بعد ان تراجعت في الاعوام السابقة بفعل الزخم السوري الهائل والزخم التركي ، يبدو ان المصريين استنهضوا من جديد الى ان عليهم ان يمسكوا بالانتاج العربي ، لذلك كانت عودتهم عودة اضفت على الشاشة جمالية واذكت الذاكرة الجمعية لكل العرب ، واعتقد ان عودة النجوم كانت جميلة .

فيما قال المخرج المسرحي عماد محمد : على الرغم من ان مصر تمرّ بظروف صعبة ، وكان عاما مقلقا بالنسبة للفنانين ، حيث اغلب الفنانين المصريين يعيشون اوضاعا صعبة جدا وهناك من هاجر الى اماكن اخرى ، ولكن الذي حدث كان عكس التوقع تماما ، فالدراما المصرية هذا العام قفزت قفزة كبيرة ، اكبر قفزة في تاريخ الدراما العربية ربما ، فالمفترض حين يعيش الفنانون في هكذا ظروف تشغلهم اشياء اخرى ، لكن الفنان المصري ومن خلفه المنتج المصري وصناعة الدراما المصرية استطاعت ان تقدم هذاالعام شيئا يفوق حتى لو كانوا في وضع اعتيادي ، فكانت اعمالا في اعلى المستويات فنيا وفكريا ، هناك منظومات جديدة على مستوى الصورة والسيناريو والاداء ، وقد شاهدنا الممثلين الكبار مثل يحيى الفخراني ومحمود عبد العزيز وعادل امام ، كل واحد منهم قدم شكلا لم يقدمه سابقا ، وبالتالي هذه تحيلنا على ان التبريرات التي كانت وما زالت موجودة في الدراما العراقية غير حقيقية ، اي ان شماعات الوضع الامني وغيره غير حقيقية تماما ولا تحجز ان يقدم الفنان مشروعه بشكل مبدع ومتألق ، ولهذا علينا ان نبحث حقيقة ما يجري في الدراما العراقية .
واضاف : من خلال هذا العدد من الاعمال والنجوم هناك رسالة واضحة تؤكد ان الفنان المصري عنده انتماء لمشروعه ولبلده ولثقافته ولفنه ، وهذه رسالة الفنان المصري لانني سمعت العديد من الفنانين الذيكان لديهم نوع من التحدي لما يجري في مصر من وضع سياسي معين بعد الثورة المصرية وان يقدموا الثقافة والفن بألق جديد وبتقدم ، بينما نحن في العراق ليس لدينا نجوم ولا يمكن ان يكونوا لعدم وجود صناعة انتاج ، نحن نفهم الانتاج على انه فلوس بينما الانتاج عملية صناعة متكاملة بدءا من النص الى الممثل الى المخرج الى المال ، ولهذا السبب سوف لن نصنع نجومًا ولا نصنع دراما .