إعتادت المسامع على تسمية "دراما رمضان" منذ عقود خلت، لكن، مضمون هذه الدراما قد تبدّل وتغيّر حتى جنحت المادة التي تُقدّم للمشاهدين عن روحية ومغزى الصوم تدريجياً، وخلعت عنها عباءة رسالته الهادفة المتوخاة في هذا الشهر الفضيل.
&& بيروت: إعتادت المسامع على تسمية "دراما رمضان" منذ عقود خلت، لكن، مضمون هذه الدراما قد تبدّل وتغيّر حتى جنحت المادة التي تُقدّم للمشاهدين عن روحية ومغزى الصوم تدريجياً، وخلعت عنها عباءة رسالته الهادفة المتوخاة في هذا الشهر الفضيل. لسنا بوارد التحدث عن رسالة دين أو معاني الفرائض، بل إن هدف نقاشنا هو أبعاد هذه التسمية التي تفرغ من محتواها بمقاربة بسيطة لما يُقدّم من أعمال. ولا شك أن المتابع لمجمل المسلسلات المتزاحمة على العرض والتي تقتحم منازل الصائمين، سيكتشف أنه أمام أعمال لا تمت لرمضان ومعانيه بصلة لكونها بضمونها وإن كانت إجتماعية بناءة أو إصلاحية أو بوليسية أو تشويقية، لا تراعي غالبيتها عناصر عدة أولها مضمون العمل البعيد عن روحية الدين، إضافةً إلى لباس بعض البطلات وعدم مراعاة حرمة عين وإذن المشاهد الصائم في الكثير من اللقطات التي تحوي مشاهد قاسية أو مبتذلة، بالإضافة للألفاظ الخارجة عن الآداب في بعض الأحيان!
والمفارقة أنه بين الأعمال الدرامية لهذا الموسم والتي تخطت الـ35 مسلسل، يبرز "أوراق التوت" وحده كعملٍ ديني توعوي هادف يوضح حقيقة الإسلام بأسلوبٍ مشوّق وسردٍ تاريخي لمرحلة ما بعد الإسلام. إلا أن المفارقة كانت أن بطله ماجد العبيد قد سجّل عتباً على وزير الإعلام والتلفزيون السعودي لعدم عرضه في شهر رمضان! الأمر الذي يدعونا للتوقف لبرهة لنسأل عن رسالة الفن الهادفة في هذا العصر. أليست رسالة "أوراق التوت" توعوية ومرشدة؟ ألا يجب التسلح بمضمونها السلس ولغتها الفصحى التي تصل لكل مسلمٍ ومشاهد عربي لتلعب دور الحملة التوعوية التي تدافع عن حقيقة الإسلام خاصةً أن كاتبه أيمن سلامة قد شدّد على أن المسلسل يُظهر الإسلام بالصورة الصحيحة على أنه دين التسامح والمحبة والأخلاق الحسنة وليس دين قتل وذبح كما تعرضه الجماعات المتطرفة اليوم. فأين الأعمال الدرامية من أهمية هذه الرسائل التوعوية؟ وأين الوزارات المعنية والقيمين على المحطات الإعلامية من محاربة الإرهاب عبر الفن بخطط ذكية هادفة؟!
لقد قدم الفنان السعودي ناصر القصبي رسالةً من هذا النوع عبر برنامجه "سيلفي" فأثّر بملايين المشاهدين ووصف البعض تجربته بأنها أفضل من الطلعات الجوية والقصف على الإرهابيين، فلماذا لا يكون الفن سلاحاً مصلحاً من نوعٍ آخر؟! أليس غريباً أن يحمل هذا الشهر عبء كل هذه الأعمال المتنافسة تجارياً على حساب مضمونه، في وقتٍ اقتصر الأمر على بعض البرامج الإرشادية التي تسبق فترة الإفطار على بعض المحطات ومنها قناتي المستقبل اللبنانية والـMBC اللتين خصتا المشاهد ببعض البرامج الدينية المرشدة أحدها المسلسل الكرتوني للأطفال "قصص الآيات القرآن" بصوت الفنان القدير يحيى الفخراني وخواطر الذي يقدمه الإعلامي أحمد الشقيري، والإيمان والعصر الذي يقدمه الإعلامي عمرو خالد، وخير الكلام الذي يقدمه الشيخ بهاء سلام غيرها من البرامج التي تعرض على محطات أخرى، إلا أن&الدراما أصبحت غائبة فعلياً عن مضمون الصوم ورسالته.
في مقاربةٍ فنية بحتة وبسيطة، وفوق الاعتبارات التمييزية الدينية، نرى أن الفرق كبير بين المادة التلفزيونية التي تقّدّم في شهر الصوم لدى الطوائف المسيحية حيث تطغى الأفلام التاريخية التي تتناول حياة يسوع المسيح(ع) وحياة المسيحيين من بعده مع البرامج التوعوية الهادفة كما في شهر "الميلاد"، إلا أن دراما رمضان لا تحذو حذوها، بل تتجه نحو التسويق بدلاً من الإرشاد! فأين الكُتّاب والفنانين الذي يجعلون من القلم سلاحاً ومن الكلمة رصاصاً؟ وأين المحطات التلفزيونية من الإعلام المُوجِّه والهادف بأعمالٍ تنويرية تُبعد الأمة عن فوضى الفتاوي والشوائب؟
لقد كانت "برامج ودراما رمضان" في الأمس البعيد مستوحاة من مضمونه وروحيته، لكنها تبدلت تدريجياً لتصبح دراما "لصيقة" بهذا الشهر وغير ملتصقة به شأنها شأن أي مسلسل يمكن عرضه في أي شهر من السنة. والسؤال يطرح نفسه هنا بديهياً: إن كانت الأعمال التي تقدّم في شهر الصوم تصلح لتقدّم في كل شهر، فلماذا كل هذا الضغط والزحمة في شهرٍ واحد؟ ولماذا يتسابق المنتجون على إنجاز أعمالهم لعرضها في هذا الشهر بالذات في وقت يتابع المسلمون بمعظمهم حياتهم اليومية وعملهم وواجباتهم الحياتية إلى جانب الدينية؟! لا نطلب أن تكون الدراما دينية بحتة، لأن التنوع مطلوب، ولأن المشاهد يحتاج للترفيه والكوميديا التي يجب أن تكون هادفة. إلا أن المطلوب أقله احترام روحية الشهير الفضيل بعدم عرض المشاهد الإباحية والمشروبات الروحية بشكلٍ سافر.&نحن بحاجة للفرح وقصص الحب ولا ندعو للتزمت، لكن، من غير المعقول أن تغيب معاني رمضان عن مضمون مجمل الأعمال! فهل من صحوةٍ رمضانية للكتّاب والمخرجين، أم ستبقى الفوضى عارمة عبر المواسم سنوياً في وقتٍ تفرغ "الدراما الرمضانية" من مضمون تسميتها المُلصق عنوةً&بشهر "رمضان"؟!
&
التعليقات