يحتفي برنامج شاعر المليون في حلقته الثامنة بالحب وعذاباته، وذلك عبر قصائد الشعراء الذين يتنافسون على اللقب، فيما تأهل الشاعر السعودي عبد المجيد الذيابي، للمرحلة الثالثة من بينما ينتظر الشعراء الخمسة الآخرون نتائج تصويت الجمهور ليتأهل اثنين منهم.


دبي: استكمالاً للموسم السابع من برنامج شاعر المليون الذي تنتجه وتنفذه لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بأبوظبي؛ وللأسبوع الثامن على التوالي تابع جمهور الشعر قصائد الشعراء خميس الكتبي من الإمارات، راجح نواف الحميداني وسعد بن بتال السبيعي من الكويت، صالح آل كحلة وعبدالمجيد الذيابي من السعودية، وعدنان كريزم من فلسطين. وعن هذه الحلقة تأهل الشاعر السعودي عبد المجيد الذيابي، للمرحلة الثالثة من المسابقة فيما ينتظر الشعراء الخمسة الآخرون نتائج تصويت الجمهور ليتم تأهل اثنين منهم.

الكتبي.. حرفية عالية
التزاماً بشروط لجنة التحكيم، ألقى كل شاعر من شعراء ليلة أمس ما بين 10 أبيات و12 بيتاً، وكان أول الشعراء الذين تقدموا إلى المسرح الشاعر الإماراتي خميس بن بليشه الكتبي، والذي قال في قصيدته:

سما العيون اللي ابرقت تمطر على صدري غرام بلت صحاري ذكريات العشق وانبت لك ورق
حتى تدلت لك عناقيد المشاعر بالكلام وفاح البخور اللي على جمر اشتياقي احترق
وابتسمت وجوه التسامح بعد توديع الخصام بوجودها وصلك شرق والبعد بانفاسه شرق
يا سلم طموحي بعد رد التحيه والسلام شف جبهة اعذاري خجل متصببه تقطر عرق
إن قلت لك آسف تكرم لا تلحّقني ملام تعال نقتل في عيون الحلم جلاد الأرق
خذني على ذاك الطريق اللي يودي للأمام ننسى الفوارق كلها حتى نطوف المفترق
شبيت لك شمعي لأجل نحرق به ذياب الظلام والنور بعيون الأمل يا سيد أشعاري برق
كلْ عام وأنت الحب وآنا الحب لك في كل عام يا بحر موجات الوصال اللي بها غيابك غرق
خايف من الفرقا وأخاف أرد من دون اهتمام نبغي نخيط الخافق اللي رمح هجرك به زرق
ونعود في عش الوفا طيرين يحيون ف سلام نتبادل إحساس الغرام اللي بنسماته فرق

د. غسان الحسن كان أول من تحدث عن قصيدة الكتبي، فرأى أن فيها صوت ولون ورائحة، وهو يصطبغ بألوان الفرح، كما يحفل النص بدلائل عديدة على شاعرية الشاعر، من بينها البيت (شبيت لك شمعي لأجل نحرق به ذياب الظلام / والنور بعيون الأمل يا سيد أشعاري برق)، وكذلك البيت (كلْ عام وأنت الحب وآنا الحب لك في كل عام/ يا بحر موجات الوصال اللي بها غيابك غرق)، وقد وجد د. الحسن أن كل كلمة في البيت تشكّل صورة بحد ذاتها، لتتشكل في النهاية صورة تمثيلية مركبة، وهذا أمر في غاية الجمال، وبدا الشاعر في نصه وكأنه ضمِن ما في نفس المحبوب من استجابة للوصال، ويريد أيضاً طمس مرحلة الفراق، ليعود في عش الوفاء مع المحبوبة.
ولفت انتباه الناقد سلطان العميمي أن الكتبي أنسن ما هو غير محسوس، من بينها (جبهة اعذاري)، (عيون الحلم)، (عيون الأمل)، كما أبدى إعجابه بالبيت (حتى تدلت لك عناقيد المشاعر بالكلام/وفاح البخور اللي على جمر اشتياقي احترق).
وفيما يتعلق بالبيت (شبيت لك شمعي لأجل نحرق به ذياب الظلام / والنور بعيون الأمل يا سيد أشعاري برق) قال العميمي إن الشاعر حول إشعال الشمع إلى صورتين مختلفتين ولافتتين بصورة كبيرة، أما في البيت قبل الأخير (ونعود في عش الوفا طيرين يحيون ف سلام/ نتبادل إحساس الغرام اللي بنسماته فرق) فقد أحاله بن بليشه إلى ما كتبه الشاعر راشد الخضر في واحد من أبياته الرائعة. 
أما الناقد حمد السعيد فقد أشار إلى ترابط ما ألقاه، وإلى تمكن الشاعر من استيفاء الفكرة في 10 أبيات، من البيت الأول الذي قال فيه (سما العيون اللي ابرقت تمطر على صدري غرام بلت صحاري ذكريات العشق وانبت لك ورق) وحتى البيت الأخير، ولاحظ السعيد وجود جناس في البيت (وابتسمت وجوه التسامح بعد توديع الخصام/ بوجودها وصلك شرق والبعد بانفاسه شرق)، وذلك بإيراد مفردة (شرق) في معنيين مختلفين. وأضاف أن ما ميز خميس هو حرصه على تكوين الصورة الشعرية وإظهارها بشكل لائق في أبيات كثيرة، مع أنه وجد أن مفردة (عناقيد) في البيت الثاني (حتى تدلت لك عناقيد المشاعر بالكلام/ وفاح البخور اللي على جمر اشتياقي احترق) لا تتناسب والصحاري، وكي يكتمل المعنى تمنى لو أن الشاعر اختار مفردة سواها.

الحميداني.. مجدد ومختلف
راجح نواف الحميداني كان ثاني شعراء الأمسية، وقصيدته:
لعَمْري لضيّع كل عمري وأنا أتحراك وصالك مُقدمته وفرقاك عاقِبته
تلوّمت في دمعي ودمعي على لاماك من عيوني جروح المقادير منجِبته
غيابك ف ذاكرتي لا جيت أكتبك وأقراك تراه الغياب اللي لها الحين ما غِبته
هنا هايمٍ مصلوب قلبه على رجواك على مايده من فقد والشوق مأدِبته
هنا شاعرٍ يسري من الضيقه لذكراك ويعرج بعد مسراه لآفاق موهِبته
هنا والهِنا لو كان راحت معاك هناك بقول الوله ذنبٍ من ذنوبي وتِبته
يا كم كنت أفتّش عند بيتك على ملقاك كأنه سؤال وكنّ جيّاتي أجوِبته
جحد بابك بصمته خطاوي تحب خطاك وأنا أقدامي أعز الصديقات لعتِبته
مراكب عتابي كلها ترسي بميناك ولا أذكر بقالي طيب ف الحب ما طِبته
رحلت وربيع العمر عني رحل ويّاك وبقى قلب جفّ وريح طاريك متعبته
تعال أسرق الوسواس من عقلي الشكّاك جزيل أمنياتي روس الأحلام كاتِبته
ولا تعتذر عن ظلم بعدك وطول جفاك إذا جبت نفسك ما بقى عذر ما جبته

رأى الناقد سلطان العميمي أن الشاعر استخدم في نصه مفردة (هنا) ثلاث مرات، (هنا شاعر)، (هنا هايم)، (هنا والهِنا)، فوظفها بشكل متميز، كما أن ارتباطاً كبيراً تحقق بين تلك الأبيات من حيث المعنى وتطور الصورة والفكرة.
ووصف حمد السعيد الشاعر بأنه شاعر مجدد ومختلف، يضرب في الأراضي القفر، ويصنع منهجاً خاصاً به، وهو الذي تمكن من صياغة قصيدة من كل بيت، فحفلت بصور خاصة بالشاعر، كما الحال بالنسبة للصورة التي وردت في البيت (غيابك ف ذاكرتي لا جيت أكتبك وأقراك/ تراه الغياب اللي لها الحين ما غِبته)، وفي البيت (ولا تعتذر عن ظلم بعدك وطول جفاك/ إذا جبت نفسك ما بقى عذر ما جبته)، وهو ما دفع السعيد للقول إن الحميداني بطل كلمة.

وأورد د.غسان الحسن ملاحظة إيجابية خاصة بلغة الشاعر، حيث وجد عنده منهج فيها، حيث في النص جناس تمثل في مفردتي (عَمري، وعُمري) في الشطر (لعَمْري لضيّع كل عمري وأنا أتحراك)، كما قسم الشاعر عبارته (تلومت لاماك) و(دمعي ودمعي) في قسمين، وذلك في الشطر (تلوّمت في دمعي ودمعي على لاماك)، كما ولّد من العبارة عبارة ثانية، مثل ما جاء في الشطر (تراه الغياب اللي لها الحين ما غِبته)، وكذلك في الشطر الثاني من البيت الأخير (إذا جبت نفسك ما بقى عذر ما جبته).

السبيعي.. جزالة ومقدرة شعرية
الشاعر سعد بتال السبيعي كثف موضوعه الوجداني في أبياته التي ألقاها في مسرح شاطئ الراحة، فتميز إلقاء وحضوراً كما سابقيه من الشعراء، حيث قال: 
رفعت راحة يدّيني للعلي القدير وكبرت تكبيرة المؤمن بخّلف الإمام
وفهقت عن بالي التفكير فيما يصير من البداية حسبت حساب مسك الختام
لكنه الشعر هذا اللي قليله كثير يحيطني بالشعور اللي يحث الكلام
غني بإحساسي الفاخر بصبر الفقير وفقير في حب ذاتي لو غناتي مقام
بسطت كفي على هم الصدور الخطير وناديت لأهل السلام اللي تحب السلام
ما ودّي أكون عن بعض الحقايق ضرير أخاف تلحقني الأحفاد باكر ملام
عندي قناعات لو إني بعمري صغير حصيلة الفكر في خمسة وعشرين عام
واللي تسولف بي البارح عساها بخير والله ما مرت على عمري مرور الكرام
أشوفها من كثر ما أحبها شي غير وتارد عليها بيوتي مثل ورد الحيام
يشرب من أوصافها نبض الشعور الغزير ويصبها للمسامع مثل وبل الغمام
أكبر مشاريه حسادي مداها قصير وأصغر مشاريه خلاني لها الاحترام
لكني أخاف جداً من عتاب الضمير اليا تخاذلت في شعري بوسط الزحام
الناس عطشى حقايق ف الزمان الأخير ما عاد تهدي ورود ولا تطيّر حمام

الناقد حمد السعيد قال إن سعد استطاع من خلال أبياته المترابطة من بدايتها إلى نهايتها إيصال الجمال بطريقة متميزة، من مطلع النص إلى ختامه (الناس عطشى حقايق ف الزمان الأخير/ ما عاد تهدي ورود ولا تطيّر حمام)، وخصوصاً البيتين (لكنه الشعر هذا اللي قليله كثير/ يحيطني بالشعور اللي يحث الكلام)، والبيت (ما ودّي أكون عن بعض الحقايق ضرير/ أخاف تلحقني الأحفاد باكر ملام).
كما كان دخول الشاعر ذكياً في البيت (واللي تسولف بي البارح عساها بخير/ والله ما مرت على عمري مرور الكرام)، ومن ثم دخوله في الوصف الجميل الذي تجلى في البيت (يشرب من أوصافها نبض الشعور الغزير/ ويصبها للمسامع مثل وبل الغمام)، وقد أمسك الشاعر بزمام القصيدة، واستدل السعيد على ذلك بالبيت (لكني أخاف جداً من عتاب الضمير/ اليا تخاذلت في شعري بوسط الزحام).
وقد وجد د. الحسن أن التصوير كان قليلاً في القصيدة وهو ما تمثل في البيتين (لكنه الشعر هذا اللي قليله كثير/ يحيطني بالشعور اللي يحث الكلام)، و(أشوفها من كثر ما أحبها شي غير/ وتاردّ عليها بيوتي مثل ورد الحيام). ونبه الناقد إلى ضرورة عدم استخدام مقولات أو عبارات أو قوالب جاهزة وشائعة الاستخدام مثل (مسك الختام، سطت كفي، عمري صغير، مرور الكرام)، والتي وظفها الشاعر في النص، وطالما أن الشاعر يملك خيالاً وقدرة على الابتكار فمن الأفضل ألا يلجأ لاستخدام العبارات الشائعة.
ورأى سلطان العميمي أن الشاعر يتحدث عن في البيت القصيدة، وليس عن المحبوبة. وبشكل عام وصف الناقد بناء القصيدة بأنه مميز، وبأن أبياتاً كثيرة فيها صور مرتبطة ببعضها، كما الحال بالنسبة لحركة اليد في الشطر (رفعت راحة يدّيني للعلي القدير)، والشطر (بسطت كفي على هم الصدور الخطير).

آل كحلة.. تجربة شعرية مميزة 
نص الشاعر صالح بن جار الله آل كحلة جاء متميزاً في بنائه، وفي مفرداته، وفي صوره أيضاً، وهو ما جعل جميع أعضاء اللجنة يثنون عليه، وهو الذي قال:
داجت بي أقدام القدر في خريمه تنسّمت فيها خشوم الذواري
باطرافها وردٍ يلاعب نسيمة وفي جوفها شوك بروسه شباري
وانهدّ سد الذكريات القديمة وفاضت على وديان صدري طواري
وامطر سماء الوجدان من دون غيمه لين امتلت قاع المشاعر خباري
لولا الثبات اللي جريره عزيمة هدّيت سبق الصبر حل العصاري
لكن قرنت العابره بالمقيمة وحفيت في درب اليقين السماري
ترجّل الفارس وبقّى الشكيمه واتلى العهد به في دجى الغيب ساري
ميراث طيبه ما يثمّن بقيمه أصول باسمه في غمار الجواري 
كف الأمل من فضل جوده كريمه ونهر الشعر من عذب طاريه جاري 
بنى جبل سمعه ومشراف شيمه ميّت ويخدم حي ما هو بداري
علمني انجح ف اجتياز الهزيمة لو اتجاه الريح عكس الصواري
وأنا لو إن أحلام عمري عقيمة عقرت راحلتي وطفّيت ناري

وقد أشار د. غسان الحسن إلى أن أسلوب بناء النص اعتمد المعادل الموضوعي، أي الحديث عما يتعلق بالبر والطبيعة وما يحدث فيها، كما وجد مستوى آخر في النص، فكل جزئية فيه تخفي وراءها جزئية أخرى، وهو ما يطلق عليه الرمز الكلي، ففي النص معنى مفهوماً، ومعنى مبطناً، وهذا أسلوب جيد في الشعر، ويحتاج إلى تجربة مميزة تمكن الشاعر من الوصول إليها.
غير أن سلطان العميمي لم يجد في نص صالح أي مفتاح قاطع، وهو ما أوضحه الشاعر من خلال حديثه عن الميراث الذي ورد في البيت (ميراث طيبه ما يثمّن بقيمه/ أصول باسمه في غمار الجواري)، وعن ترجل الفارس في البيت (ترجّل الفارس وبقّى الشكيمه/ واتلى العهد به في دجى الغيب ساري)، وتمنى العميمي لو أن مفتاحاً أكبر جاء في النص الذي اعتبره من أفضل ما قدمه الشاعر، فمستوى النص عالٍ، ولدى آل كحلة مقدرة كبيرة في إبداع الشعر لا جدال عليها. وما أبهر العميمي توظيف الشاعر للبيئة في النص، والتي كانت مقر الحدث، وكذلك الصور الشعرية الجميلة التي لم تغادر النص حتى في حديث الشاعر عن والده، وكثيرة هي الأبيات التي شدت انتباه الناقد، مثل البيت (بنى جبل سمعه ومشراف شيمه/ ميّت ويخدم حي ما هو بداري).
الناقد حمد السعيد أيّد التمسك بالمفردة الأصيلة وتجديد الصورة اللذين يتبعهما صالح آل كحلة، فالشاعر أورد عدة مفردات مرتبطة ببيئته مثل (خريفه، تنسمت خشوم، خباري)، وهو ما يعكس أصالة الشاعر الذي وظف الطير في البيت (لولا الثبات اللي جريره عزيمة/ هدّيت سبق الصبر حل العصاري)، بما فيه من صورة شعرية جميلة تمثلت في عبارة (هديت سبق الصبر)، كما استخدم صالح عبارات تدل على ما تركه والده له.

الذيابي.. ذيب الشعر
عبدالمجيد ربيع الذيابي ألقى نصاً توّجه فعلاً "ذيب الشعر" في الحلقة، وهو اللقب الذي أطلق عليه منذ مرحلة الـ48، وما يؤكد ذلك الوصف أن اللجنة منحته أعلى درجاتها على ما قال:
عطوني صدوركم لله يا محسنين محتاج جرعة صبر لمواجه المقبلات
الصمت شعلة غضاو الشعر شرفت حنين أطل منها اليا لاحت لي الأمنيات 
خلوني أبعثر همومي وأجر الونين عقب الهقاوي بصدر الوقت راحت وجات
ناضت بروق الجفا في قبلة العابرين والعشق غصن نما في وسط صدري ومات
حتى فياض المحبه تبكي الراحلين خدودها مجدبه وطيورها حايمات
وأنا على راحلة حلمي طويت السنين أجمل فصول الهوا بسنيني الماضيات
كنت أزرع الياسمين ولا أعرف الياس مين يوم أغدقت دنيتي خانتني المعطيات
قام الهوا يجرف أوراقي ولا أدري لوين مثل ما تجرفني أقلامي على الذكريات
أقفيت عن غايتي وأنا أعرف الحب زين ما يقفي اللي دخل قلبه بدون التفات
أصدق من شعوري اللي حابسه دمعتين تلعثمت واشتعل صوتي وذاب السكات
دموعي أغلى من رقبتي على الشامتين وأنا أدري إني بديت أعيش حالة شتات
لو يستر الليل دمعات الأسى والأنين الشمس تشرق على العاشق من أربع جهات

الحضور المتألق للشاعر برز إلقاء وشعراً كما قال الناقد سلطان العميمي، حيث برز جمال الشعر من أول شطر في النص (عطوني صدوركم لله يا محسنين)، فالشاعر ابتكر صوراً شعرية جميلة لموضوع مرتبط بالذات وبالعلاقة مع الدنيا والعمر والآخر، وقد استطاع الذيابي صناعة إطار شعري جميل من البداية إلى النهاية، وهو الذي أمسك العصا من منتصفها، وقدم ابتكارات شعرية جميلة وصور مبدعة كما التي في البيت (حتى فياض المحبه تبكي الراحلين/ خدودها مجدبه وطيورها حايمات)، حيث هناك أنسنة واضحة، في حين عمد الشاعر إلى تصوير آخر في البيت (حتى فياض المحبه تبكي الراحلين/ خدودها مجدبه وطيورها حايمات)، ورغم أنه استخدم مفردة (مجدبه) للدلالة على الهجران وهي لا تتلاءم والدمع، إلا أنها جاءت مقبولة، واستطاع الشاعر الخروج بصورة أخرى كانت جميلة، تجمع بين خد الأرض وخد الوجه، بالإضافة إلى الصورة المتميزة في البيت (دموعي أغلى من رقبتي على الشامتين/ وأنا أدري إني بديت أعيش حالة شتات) والتي تدل على الاعتزاز بالذات.
حمد السعيد قال إن الذيابي تناول موضوعاً وجدانياً وعاطفياً بشكل راقٍ، في نص مترابط الأبيات من بدايته وحتى الختام، وباستخدام مفردات من البيئة مثل (ناضت) الموظفة بشكل جميل، أما الشطر (محتاج جرعة صبر لمواجه المقبلات) فهو يحيل المتلقي إلى أن الشاعر بحاجة إلى مساحة من البوح والصبر، وأشار السعيد إلى وجود جناس في النص في (الياسمين) و(الياس مين).
بدوره قال د. غسان الحسن إن النص حفل بصور شعرية كثيرة، معظمها متعدد الجزيئات، أي ما يطلق عليه اسم التصوير التمثيلي، بما فيه من حركة ولون وصوت. أما مطلع النص فقال إنه عجيب، وفيه استعار الشاعر عبارة (لله يا محسنين) للدلالة على أنه ضاق بما فيه، وطلب مساعدة الناس حين لم يكن الصبر كافياً، وقد حشد الشاعر في نص عدد كبير من الكلمات المعبرة عن الهموم والجفاء والجدب والموت، وكل ذلك يدل على يباب العاطفة، وفي نهاية النص تحدث الشاعر عن موقف لم يتطور فيه الحدث، غير أن مفردة (المعطيات) لم توظف جيداً، خاصة وأنها قليلة الشاعرية، ومن خلالها حضر العقل، في حين أن الوجدان هو المطلوب.

كريزم.. الشاعر الفضائي
عدنان كريزم أو "الشاعر الفضائي" كما أطلق عليه أصدقائه؛ قدم نص (كوكب الغربة) المليء بالصور الشعرية: 
رَكبت الريح ناوي لك وبوصل بعد عشر سنين سبحت الكون يا غربه على أفكار كونيه
تركت الأرض تبحثني وشفها ضايعه للحين تِدور وتمّسك العَبره وتصرخ كم رحل زيّه؟
تَغافلتك على ليلٍ عطيب ودمعته سكين جرح صفو الظلام ب حيل لين استقبلت ضيّه
كرهتك لو تفاصيل الغضب تنبت على الخدين تِداعى باقيَ أعضاءَ الجسد باغصان ملويه
رضيتي في دمار الدار لو باقي لها حولين ويرفل بيرق السبعين بين الشمس والفيّه
هجرتك من غبار الضيق يومه ينثره غاوين على وجه الغريب اللي عَطس من دنيته غيّه
بكيتك مثل ما تبكي رمال الراحلين الطين فَرح في محجري دمعي يزف اقدار حتميه
تِشتتنا على لوح الفكر لو يفقده تلوين جَرى في صورتك حِزني مَطر غيمته وسميه
جلستي بين طيّات السَطِر في دفتر الماضين تِقلبني لك الذكرى على أوراق منسيه
وداعاً يا جَناب الارض لو ما لوّحت يدّين؟ ترى حضن الهجر يوجع ولو تملاه حنيه
ألا يا كوكب الغربه ملاذي يوم زاد البين بِدا فيك الأمل يَعكز على مِشعاب حريه
صِدق في كذبته أبريل لو ما صدّقه تشرين يموت الوقت في عمري لو إنْ شهورنا حيه
حمد السعيد أبدى إعجابه بحضور "الشاعر الفضائي"، وبطريقة إلقائه التي تتناسب وموضوع النص مترابط الأبيات المترابطة، كما علق الناقد على البيتين (رَكبت الريح ناوي لك وبوصل بعد عشر سنين/ سبحت الكون يا غربه على أفكار كونيه)، و(صِدق في كذبته أبريل لو ما صدّقه تشرين/ يموت الوقت في عمري لو إنْ شهورنا حيه)، إلى جانب أبيات أخرى تنم عن تجربة الغربة التي دفعت الشاعر للكتابة، وقال: صحيح إن الوجبة ثقيلة، لكن فيها مشاعر جميلة.
فيما أثنى د. غسان على ما قدمه عدنان الذي تميز بالكتابة عن الوطن، واليوم يتميز بالكتابة عن الغربة، وهي غربة ذات الشاعر، والغربة المكانية، وعنهما تحدث الشاعر من خلال الزمان والتواريخ والمكان والمشاعر، كما حضر الوطن في النص بشكل تام من خلال التواريخ المحفورة في ذاكرة وقلب الشاعر.
وأضاف د. غسان أن النص امتلأ بالأفعال، وهو ما يدل على وقوع حدث متغير ويتطور، وختم بالقول: إن الصور والشاعرية في النص تُعجِز من يريد تتبعها، وهي الموظفة رمزياً.
وآخر رأي كان للناقد سطان العميمي الذي أكد جمال النص الموقّع بأسلوب عدنان صاحب الأسلوب المتميز، والتجديد والابتكار، والتجربة الشعرية الجميلة، على الرغم من أن عدنان انشغل بالتصوير على حساب الموضوع في كثير من الأبيات، وهو ما يتطلب من القارئ تأملها لمعرفة ما يريد الشاعر.