إيلاف من الرياض: عرض مؤخراً في صالات السينما السعودية الفيلم التونسي "الرجل الذي باع ظهره" للمخرجه التونسية كوثر بن هنية في عملها السينمائي الثالث. الفيلم الذي بلغ التصفيات النهائية لجوائز الأوسكار ضمن فئة أفضل فيلم بلغة أجنبية، ويحسب لصالات السينما في السعودية السعي للحصول على جديد الأفلام المهمة المستقلة وإن لم تكن أفلاما ً جماهيرية.

الثورة على كل العادات

يحكي الفيلم قصة شاب سوري يضطر بعد تعرضه للتوقيف إلى الهرب من بلده سوريا الغارق فى الحرب تاركاً هناك الفتاة التى يحبها ليلجأ إلى لبنان.

ولكى يتمكن سام من السفر إلى بلجيكا ليعيش مع حبيبته فيها، يعقد صفقة مع فنان واسع الشهرة تقضى بأن يقبل بوشم ظهره وأن يعرضه كلوحة أمام الجمهور ثم يباع في مزاد مما يفقده روحه وحريته. واستوحت بن هنية فكرة الفيلم بجزء منها من قصة الشاب البلجيكي تيم ستاينر، الذي باع مواطنه الفنان المعاصر ويم ديلفوا الحق في دق أوشام على ظهره، محوّلاً إياه لوحة فنية حيّة للعرض.

يعرض الفيلم قصة الحب التي تجمع بطلي الفيلم من مشهد القطار وإعلان حبه لها وردها عليه بفرحة شديدة تصل لجميع من في الباص، وكأن الثورة السورية أو الثورات العربية ليست مجرد ثورة سياسية بل ثورة على جميع العادات والتقاليد التي من شأنها أن تقف حائلا في وجه كل العلاقات العاطفية خاصة في البلدان الصغيرة في المدن العربية .

لجوء للحب أو للنجاة من الحرب؟

بإنتقاله الى بلجيكا ليعيش بالقرب من حبيبته وبعد عقده لصفقة مع فنان شهير عرض ظهره مكانا للوشوم في أحد المتاحف، تبدأ التغيرات بحياته ويكتشف أن حياته أصبحت أكثر رفاهية فأصبح يركب أفخم السيارات ويقيم في أفضل الفنادق بل ويأكل الكافيار طعام الأغنياء! توفرت له جميع هذه المقومات ليس لشخصه ولكن كونه سلعة تعرض في المتحف مسلوبة الإرادة ليس له الحق في التحكم بحياته، اليوم تعرض في هذا المتحف، وغدا ً في متحف آخر.

أسير في بلاد الحرية

الصراعات التي عاشها بطل الفيلم منذ انتقاله للغرب ومنذ دخوله عالم الفن والتحولات التي مر بها مابين ضغوط عائلية وعاطفية وحتى دولية، فالغضب من كون شخص سوري تم استخدام ظهره كسلعة وكلوحة فنية في المتاحف فاق في أحيان كثير الغضب من أجل مايحدث للشعب السوري في الحرب.

أن يغادر بطل الفيلم للجوء لبلد أوربي في فرصة يتمناها العديد من بني جلدته ممن عانى من ويلات الحرب، أتته على طبق من ذهب، فاستغلها بحثا عن حريته وعن حبه كذلك ليكتشف مع الوقت أنه يهدر كرامته، وكم كان المشهد مؤلما ً حين وضع في مزاد ليذهب مع من يدفع أكثر .

وهنا التساؤل عن ماهية هذا الفن الذي يطمس هذه الحرية ويهدر كرامة الإنسان هل هذه هي حقا ً الحرية ليجد يكتشف أن مايحدث ليس سوى اهدار لكرامته.

كوثر بن هنية والإبداع في التفاصيل

لطالما كانت كوثر بن هنية منذ بداية عملها في الإخراج السينمائي مساهمة وحريصة على ظهور «سينما جديدة» في تونس. وقدمت في مشروعها الأخير عملاً ابداعيا فريدا ً من ناحية تطوير الفكرة وتقديم الثورة السورية ومشكلة اللجوء بشكل لم يسبق أن ظهره بهذا الشكل دون الحاجة للعب على العواطف المتعاد استخادمها في مثل هذه المواضيع .

مشاهد التصوير منذ بداية الفيلم في الباص مرورا بالسفر ومن ثم مشاهد المتحف، كانت مليئة بالعديد من اللوحات الفنية البديعة والرمزية، ومع استخدام انعكاسات الإضاءة ظهرت لوحات فنية سينمائية مليئة بالتفاصيل داخل الفيلم .

أشعرتنا جميعا بمعانات السوريين في سوريا وفي لبنان وفي أوربا كذلك، وكانت ذكية جدا باختيار ممثلين مثلوا للمرة الأولى فكان الأداء طبيعيا ً تلقائيا وحقيقيا ساهم في نجاح الفيلم بشكل كبير .

مخرجة الفيلم كوثر بن هنية