قصة حقيقية عن شبان مصريين أرادوا الهجرة بأي ثمن، فلجأوا إلى حيلة غير مسبوقة، ألهمت حبكة فيلم "ڤوي! ڤوي! ڤوي!" للمخرج عمر هلال.
أعلنت مصر ترشيح الفيلم لتمثيلها رسمياً في سباق الترشيح إلى جوائز الأوسكار، وبدأ عرضه في صالات السينما، ليقدم طرحاً جديداً لثيمة أصبحت أساسية في السينما، حول موجات الهجرة.
مصر تفتح تحقيقا في مزاعم سفر مبصرين ضمن فريق كرة المكفوفين
غزة: كرة الجرس...رياضة تعتمد على قوة سمع المكفوفين
وعادة ما تتناول الأعمال السينمائية هذه الظاهرة المتصاعدة، بلغة تعبّر عن المأساة والخطر والخوف الذي يعيشه المهاجرون وعائلاتهم.
لكن الفيلم الجديد يعيد تقديم الأحداث التي أثارت جدلاً واسعاً في مصر عند نشر تفاصيلها، لكنها لم تمرّ من دون إثارة الفكاهة والسخرية لمجرّد تخيّل ما فعله الشبان أبطال الحكاية.
حقيقة أغرب من الخيال
في سبتمبر/أيلول 2015 شاع خبر هرب أعضاء منتخب مصر من بطولة العالم في "كرة الجرس" للمكفوفين التي تقام في بولندا.
وقيل إن لاعبين مبصرين تظاهروا بأنهم مكفوفين وسافروا ضمن بعثة المنتخب المصري للمشاركة في البطولة، وعند اكتشاف أمرهم في بولندا لاذوا بالفرار وتواروا عن الأنظار.
وتصدّرت القصة الصحف مع عناوين لا تخلو من السخرية، مثل "فريق المكفوفين المصري يبصر في بولندا".
كيف تعامل السينمائيون مع قضية اللجوء؟
وكانت البعثة تضم 12 لاعباً، لم يعد أحد منهم إلى مصر بعد اكتشاف أمرهم وفرّوا جميعاً من دون معرفة وجهتهم.
وأطلقت وزارة الشباب والرياضة تحقيقاً لمعرفة ملابسات ما حدث. وفي 2019 أصدرت النيابة العامة المصرية إخطاراً للإنتربول للقبض على الفارّين.
وعُلم من خلال التحقيقات أن كل واحد من أعضاء البعثة الذين زوّروا إعاقتهم، دفع مبلغ 50 ألف جنيه للانضمام إلى البعثة والحصول على تأشيرة للسفر.
وصرّح أحد اللاعبين المكفوفين في مصر، من الذين تقدموا للسفر على لائحة المنتخب للمشاركة في البطولة آنذاك، بأنه تقدم من النادي للالتحاق بالبعثة مع آخرين مكفوفين، لكنهم فوجئوا بسفر آخرين مكانهم.
وأثارت القضية جدلاً واسعاً، لم يقتصر على الإضاءة على الفساد وأوضاع الناس المعيشية، بل شمل أيضاً نقاشاً أخلاقياً حول تزوير أو انتحال صفة مكفوفين، وحرمان من كان لهم الحق بالمشاركة من فرصة تمثيل بلدهم في المسابقة.
"شيء مصري في الصميم"
يضعنا سيناريو " ڤوي! ڤوي! ڤوي!" للمخرج والكاتب عمر هلال، أمام تحديات معيشية واجتماعية صعبة يعيشها المصريون على أكثر من صعيد.
يتابع فقراء الحارات الشعبية التحوّل السياسي والاقتصادي في مصر. الأوضاع الاقتصادية تصبح أصعب مع الوقت وتمتد تأثيراتها من جيل إلى جيل، وتزيد المستجدات السياسية المستقبل غموضاً.
نتحدث هنا عن مصر بعد عامين على سقوط نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك، ووصول تيار الإخوان المسلمين إلى الحكم بعد انتخاب الرئيس السابق محمد مرسي، ثم اندلاع المواجهات في الشارع بين أنصار الإخوان وخصومهم.
نكتشف من خلال التعرف على أبطال الفيلم، أحلام وطموحات فردية، ويوميات ملل وروتين بانتظار شيء قد يحرك المياه الراكدة في حياتهم.
أكثرهم نشاطاً، موظف في شركة أمن خاصة، يدعى حسن السيد علي. يتحرك وفق هاجس وحيد، السفر وبأي طريقة.
يعرّج المخرج عمر هلال في مجريات الفيلم سريعاً على طرق أخرى قد يسلكها المصريون للخروج، منها الزواج بامرأة أجنبية قد تكبرهم بأكثر من 40 عام، أو القفز في مراكب الهجرة غير الشرعية في البحر، مع كل ما تتضمنه هذه المغامرة من أخطار ونتائج.
لكن فرصة الانضمام إلى فريق رياضي يسافر إلى أوروبا للمشاركة في كأس العالم، من دون مواجهة خطر الغرق أو السير ساعات في البرّ تحت احتمال الوقوع في أيدي شرطة الحدود، مغرية ونادرة جداً.
قرأ عمر الخبر في الصحف، ضحك وقال "وجدت فيلمي". وقال إن ما حدث "شيء مصري في الصميم".
القصة قصة هجرة غير شرعية، لكنها لا تشبه القصص الأخرى. فرحلة هؤلاء الأشخاص لا تنطوي على خطر الغرق، والتحرك في زورق تحت جنح الظلام وسط ظروف صعبة، لا تعرف نتائجها.
المضحك المبكي
لم تكن الأعمال السينمائية التي عالجت الهجرة، تحتمل مواقف كوميدية، خصوصاً أن الموضوع أصبح مرتبطاً بظروف إنسانية مأساوية وبعدد كبير من الأشخاص الذين فقدوا حياتهم وبينهم أطفال.
لكن كاتب الفيلم ومخرجه عمر هلال، وجد نفسه أمام قصة يستطيع أن يحبك أحداثها الدرامية في إطار مواقف طريفة.
ورغم ذلك، "استغرقت كتابة السيناريو سنوات"، وفق ما يقول المخرج لبي بي سي نيوز عربي، على هامش افتتاح عرض الفيلم في صالات السينما اللبنانية.
وأكّد أن مهمّة الكتابة كانت صعبة، لا سيما عند محاولة إضفاء شيء من الخفة على موضوع درامي وثقيل.
القصة قد تبدو مضحكة، لكن في الحقيقة "لا أحد منهم يريد مغادرة منزله"، يقول المخرج.
رغم كل ما لجأوا إليه من أساليب بلغت الاحتيال والغش والأذى، ورغم كل التعقيدات التي تضيفها مسألة الهجرة على العلاقات بين أفراد المجتمع الواحد، أو ضمن العائلة وبين الأصدقاء، فإن الزمن قد يتوقّف عندما تحين لحظة المغادرة.
حبكة السيناريو الشائكة والمتعددة الجوانب، ولحظات الصعود والهبوط في مجريات الفيلم، استندت أيضاً على أداء المثلين محمد فراج وبيومي فؤاد وحنان يوسف ونيللي كريم وباقي الممثلين.
في لقائه مع بي بي سي نيوز، يقول عمر هلال إنه أراد أن يقول "إن الحياة ليست وردية على الجانب الآخر". لكن هل يستطيع إقناع الشبان المصرّين على الهجرة بأي ثمن؟
التعليقات