"مجزرة الخبز"، هكذا وصفت إحدى الصحف العربية ما حدث في مدينة غزة شمالي القطاع، حين قُتل ما لا يقل عن 112 فلسطينياً وأصيبت المئات ممن تجمهروا للحصول على مساعدات غذائية قادمة من الجنوب.
وفي وقت اتهمت فيه حماس إسرائيل بإطلاق النار مباشرة على الغزيين في موقع "المجزرة"، بقولها إن هناك أدلة "لا يمكن إنكارها"، قال الجيش الإسرائيلي إن طلقات الدبابات التابعة له كانت تحذيرية وإنها لم تطلق النيران على الشاحنات، وعزا عدد القتلى الأكبر لتعرضهم للدهس بسبب التجمهر.
صحيفة هآرتس عنونت مقالاً تحليلياً للكاتب عاموس هاريل، "سواء كان ذلك عرضياً أم لا فإن الوفيات الجماعية في غزة يمكن أن تغير مسار الحرب بين إسرائيل وحماس".
تداعيات بعيدة المدى
يُشبّه الكاتب هاريل ما جرى في غزة الخميس بسيناريو "مجزرة" كفر قانا في جنوب لبنان عام 1996 بعد أن شنت إسرائيل هجوماً على مركز قيادة (فيجي التابع لقوات اليونيفل – الأمم المتحدة) حيث كان يحتمي فيه مئات اللبنانيين. "في هذه الحالة توقف إطلاق النار لمدة 48 ساعة، ولكن بعد ذلك استؤنف القتال لمدة أسبوعين آخرين، حتى جرى التوصل إلى تسوية أنهت الحرب".
ويلفت الكاتب إلى أن "الهجوم في كفر قانا أدى لتوقف الحرب، فيما يتوقع أن تؤدي مجزرة الخميس إلى وقف حرب غزة".
ويرى هاريل أن ما وقع الخميس لا يشبه قصف مستشفى المعمداني، ويقول تعليقاً على ما جرى في التاسع والعشرين من شباط (فبراير): "لقد حدث ذلك في إحدى المناطق الضعيفة والمعرضة للكوارث في غزة، في الأماكن القليلة في شمال القطاع التي تتمكن المساعدات الإنسانية من الوصول إليها... وعلى النقيض من جنوب قطاع غزة، فإن سيطرة حماس في الشمال ضئيلة وتسود فيها الفوضى".
ويخلص الكاتب إلى أنه رغم أن أساليب حماس لا تحظى بتعاطف كبير في الغرب، إلا أن مقتل نحو 30 ألف فلسطيني، وفق وزارة الصحة في غزة من بينهم أكثر من 12 ألف طفل، أدى إلى أن يُنظر إلى إسرائيل على المستوى الدولي باعتبارها تتحمل المسؤولية الرئيسية عن العواقب المترتبة على هذه الحرب.
تنديد دولي
لاقى مقتل أكثر من 100 فلسطيني يطلبون المساعدات الإنسانية في غزة، تنديداً دولياً حتى من حلفاء إسرائيل.
وفي صحيفة الواشنطن بوست عنون الكاتب إيشان ثارور تحليله بـ"الكارثة الإنسانية المتصاعدة وغير المسبوقة في غزة". وبحسب الكاتب "تتضاءل الآمال في تحقيق انفراجة دبلوماسية وشيكة يمكن أن تؤدي إلى إطلاق سراح حماس للرهائن المتبقين ووقف الأعمال العدائية. وتبين هذا الأسبوع أن إدارة بايدن ربما تفكر في إنزال المساعدات جواً إلى غزة، نظراً للتأخير والصعوبات في توفير المواد الغذائية الحيوية والسلع الأخرى عبر المعابر البرية".
ويضيف الكاتب أنه "لا يمكن لبعض المحللين إلا أن يفكروا في المفارقة المتمثلة في إنزال الولايات المتحدة للإمدادات على السكان الذين يبحثون عن الراحة بعد أشهر من الهجمات الإسرائيلية بذخائر أمريكية الصنع".
وينقل ثارور عن مدير الشؤون الإنسانية في منظمة أوكسفام، سكوت بول، قوله في بيان، إن مثل هذه الإجراءات "ستعمل في الغالب على تخفيف ضمائر كبار المسؤولين الأمريكيين الذين تساهم سياساتهم في الفظائع المستمرة وخطر المجاعة في غزة".
يلفت المقال المنشور في الواشنطن بوست إلى أن عدداً من كبار مسؤولي الأمم المتحدة أعربوا عن قلقهم يوم الخميس، إذ قال مارتن غريفيث، كبير مسؤولي الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة: "لقد شعرت بالفزع إزاء التقارير التي تفيد بمقتل وإصابة مئات الأشخاص أثناء نقل إمدادات المساعدات غرب مدينة غزة… الحياة تستنزف من غزة بسرعة مرعبة".
كما حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من وجود "عدد غير معروف من الأشخاص– يعتقد أنه بعشرات الآلاف– يرقدون تحت أنقاض المباني التي دمرتها الضربات الإسرائيلية". كما قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك إن واحداً من كل 20 شخصاً في غزة قتل أو أصيب، "جميع الناس في غزة معرضون لخطر المجاعة الوشيك. ويشرب الجميع تقريباً المياه المالحة والملوثة".
ولعل الأمر الأكثر إيلاماً بحسب الكاتب "هو محنة أطفال غزة. هناك عدد لا يحصى من الحكايات عن الرضع والأطفال دون طعام كافٍ ويموتون بسبب التسمم الناتج عن استهلاك الأعلاف الحيوانية التي يستبدلها البعض في وجباتهم الغذائية في ظل غياب الطحين".
وأضاف "قدرت وكالة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسف، في شباط (فبراير) أن هناك نحو 17 ألف طفل في غزة غير مصحوبين بذويهم أو منفصلين عن أسرهم سوف يعاني جيل من الأطفال الفلسطينيين من آثار الحرب، وتدمير منازلهم ومدارسهم، والصدمة العميقة الناجمة عن الهرب من القنابل بينما يشعرون بالحزن على الخسارة".
"تجويع الفلسطينيين"
ويلقي مقال رأي نشرته صحيفة القدس العربي باللوم على المسؤولين الأمريكيين لدعم إسرائيل بالذخيرة والسلاح. إذ عنونت الصحيفة مقالها بـ "مجزرة الخبز: تجويع الفلسطينيين ثم تجميعهم لقتلهم!".
تلفت الصحيفة إلى أن وسائل أنباء عربية "وثّقت حصول مجزرة غير مسبوقة في شمال غزة حين تعرض عشرات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين الذين كانوا ينتظرون في الرابعة والنصف فجر الخميس عند تقاطع شارعي 10 وهارون الرشيد مع منطقة النابلسي امتدادا إلى منطقة الـ17 جنوب غرب مدينة غزة وصول 18 شاحنة محملة بالطحين والمعلبات".
وتضيف بأن "الشهود الذين تحدثوا للصحفيين قالوا إنهم تعرضوا للقصف ونيران الرشاشات والمسيرات، وهو ما يفسر وقوع أكثر من 112 شهيداً وأكثر من 760 جريحاً".
وتقول الصحيفة إن أحد مدراء مجمع الشفاء الطبي شبّه "تداعيات الواقعة بما حصل بعد قصف مستشفى المعمداني حيث تلقى المجمع مئات الجرحى".
وترى الصحيفة أن هذا التشبيه يكتسب أهمية "حين نقارن موقف الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي تبنى حينها الرواية الإسرائيلية عن قصف الفلسطينيين لأنفسهم، بموقفه الجديد الذي قال فيه إن الولايات المتحدة تتحقق من (الروايتين المتضاربتين)!".
التعليقات