قبل أكثر من ألف عام وأربعة قرون، يُحكى أن رجلاً بعثه النبي محمد، نبي الإسلام، إلى أحد الأقوام، فشكا إلى النبي أنهم سبوه وضربوه، فقال له "لو أهل عُمان أتيت، ما سبّوك ولا ضربوك".
إن جملة كهذه تعد ذات دلالة على الجذور المجتمعية المرحبة بالتنوع الثقافي والديني منذ زمن بعيد في ما يعرف اليوم بسَلطنة عُمان، التي تقع في الطرف الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية.
وتعرّف الدولة العُمانية نفسها اليوم بأنها دولة غالبيتها العُظمى من المسلمين، يتبع معظمهم المذهب الإباضي، ويوجد بها أيضا عمانيون من السنة والشيعة.
كما يضم المجتمع العماني "مواطنين ومقيمين من الهندوس والبوذيين والمسيحيين واليهود والبهائية والمورمون"، وذلك بحسب موقع وزارة الخارجية العُمانية.
وعلى الرغم من أن "الإسلام هو دين الدولة وأساس التشريع"، فإن النظام الأساسي في عُمان، يحظر التمييز على أساس الدين، وينص على حرية ممارسة الشعائر الدينية، وحماية "جميع الديانات الإبراهيمية من الإساءة".
ويقول الدكتور زكريا المُحرّمي، الباحث العُماني في الفكر الإسلامي، إنه "لم يسجل منذ نشأة الدولة العمانية في العهد الإسلامي، أي طوال 12 عشر قرناً، أي حرب داخلية على أسس طائفية أو مذهبية".
ويضيف المحرمي لبي بي سي أن جميع الحروب الداخلية التي خاضها العمانيون كانت ذات نزعة قبلية أو مناطقية، "لذلك عُرِف العُمانيون بتسامحهم الديني وتقبلهم للتعدية المذهبية".
عُمان قبل الإسلام
في كتابه "تاريخ الخليج" يقول الكولونيل السير أرنولد ويلسون إن تاريخ عُمان القديم يكتنفه الغموض، وإن معظم ما كتب عن عُمان يقتصر على "الجوانب الجغرافية والتاريخية ويتناول الأجزاء الساحلية لعُمان".
وعلى الرغم من هذا الغموض، فإنه لا ينفي أن عُمان عرفت تعدد الديانات منذ فجر تاريخها، الذي يُرجعه بعض المؤرخين إلى أربعة آلاف عام قبل الميلاد. ويسري على عُمان ما يسرى على بقية شبه الجزيرة العربية من ثقافات دينية، لاسيما في ضوء موقعها الجغرافي المميز الذي جعلها ملتقى تجارياً.
وأضاف ويلسون في كتابه الذي يؤرخ للخليج من العصور الأولى، أن "السومريين" أطلقوا على عُمان اسم "ماجان" وكانت ترتبط لديهم بالبحر والملاحة. وأنه "في الملاحم والأساطير السومرية، كان من آلهة مملكة ماجان (نندولا) ومعناها (ملك الأغنام والمواشي)" التي كانت تشتهر بها عُمان، بحسب ويلسون.
ومن أبرز الديانات القديمة في عُمان الزرادشتية التي تقدس النار، على يد الفرس الذين كانوا آخر الأمم القديمة التي استوطنت عُمان زمناً طويلاً بحكم القرب الجغرافي من بلاد فارس، قبل أن يخرجهم العرب منها، وكان الفرس يطلقون على عُمان "مَزُون".
كما عرفت عُمان الديانة اليهودية، وإن كان حضورها يبدو محدوداً أو غير مؤثر في المجتمع العُماني، بالنظر إلى عدم وجود تفاصيل عن سيرتهم في التاريخ القديم.
وعرفت عُمان المسيحية، وكان ذلك منذ أواخر القرن الميلادي الأول، بحسب عالم الآثار الأمريكي ويندل فيليب، الذي كان "المستشار الاقتصادي وممثل سُلطان عُمان وأقطارها" في عهد السلطان سعيد بن تيمور البوسعيدي .
ففي كتابه "عُمان تاريخ له جذور"، قال فيليب إن رجل الدين المسيحي توماس ديديموس قام بمهمات تبشيرية في جنوب شبه الجزيرة العربية عام 50 ميلادياً.
وفي عام 356م في عهد الإمبراطور البيزنطي قسطنطين الثاني، أرسِلت بعثة مسيحية إلى جنوب شبه الجزيرة العربية، قامت ببناء ثلاث كنائس في المنطقة، إحداها في عُمان، يُعتقد أنها في صحار الواقعة في شمال البلاد.
وظلت المسيحية في عُمان التي تحول أهلها جميعاً للإسلام على يد حاكميْها من قبيلة الجُلندي، كما سيأتي لاحقاً.
عُمان والإسلام
في كتاب "تحفة الأعيان في سيرة أهل عُمان"، نقل المؤرخ العُماني نور الدين السالمي ما يقال عن أن العرب دخلوا عُمان على يد مالك بن فهم بن غانم الأزْديّ، وأخذوها من يد الفرس قبل ظهور الإسلام بألفي عام، بعد ما يُعرف بـ"سيل العَرِم" أو المعروف تاريخياً بانهيار سد مأرب في اليمن.
وتعد قبيلة "الأزد" التي ينتمي إليها مالك بن فهم، الموجة الثانية من العرب الذين سكنوا عُمان عبر تاريخها، بحسب ويلسون، الذي قال إن القحطانيين اليمنيين أول من استوطنوها، وذلك منذ سبعة أو ثمانية قرون قبل الميلاد.
وعلى الرغم من قضاء العرب على حكم الفرس في عُمان، إلا أن العُمانيين تعايشوا مع من بقي من الفرس، حتى دخول الإسلام.
وقد عرفت القبائل العربية في عُمان الوثنية كما هو حال العرب قبل الإسلام، ويُروى أن أول من اعتنق ديانة الإسلام من أهل عُمان هو مازن بن الغَضُوبة، الذي كان "سادن" الأصنام أي خادمها، وذلك بعد ما روي عن حوار بينه وبين الأصنام، ما يراه الدكتور سعود الزدجالي، الباحث العُماني وأستاذ الفلسفة، من الأساطير.
وروت الكتب التاريخية الإسلامية أن دخول عُمان في الإسلام جاء في السنة الثامنة للهجرة النبوية، بعد رسالة من النبي محمد، إلى "جيفر" و"عُبد" ملكيْ عُمان اللذين ينتميان إلى قبيلة الجُلندي الأزدية اللذين يُنسب إليهما ملوك عُمان في الجاهلية قبل الإسلام.
ويقول الدكتور زكريا المحرمي الباحث العُماني في الفكر الإسلامي إنه على ما يبدو من الإشارات التاريخية أن "دين أهل عمان كان في غالبه هو ذات دين العرب في الجزيرة وهو الوثنية".
وأوضح لبي بي سي أن "هناك دلائل قوية على انتشار المسيحية النسطورية في عُمان"، والنسطوريون هم الذين لا يؤمنون باتحاد الطبيعتين البشرية والإلهية في السيد المسيح، مضيفاً "لعل النسطورية كانت ديانة النخبة ومنهم عبد وجيفر ملكيْ عمان؛ لأنهما أسلما طوعا بعد مشاورة زعماء القبائل، وهذا يكشف فكراً قريباً من التوحيد الإسلامي".
وجاء في كتاب "تحفة الأعيان" أن ابني الجُلَنْدي بعثا إلى "وجوه عشائره" فأخذ منهم البيعة للنبي محمد، "فما ورد رسول جيفر إلى أحد إلا وأسلم وأجاب دعوته إلا الفُرس، الذي كانوا في ذلك العهد بعُمان".
وقد دفع موقف الفُرس "جيفر" إلى تخييرهم بين الإسلام أو الرحيل عن عُمان، فرفض الفرس الخيارين، فقاتلهم الأزد إلى أن طلبوا الصُلح، فصالحوهم شريطة خروجهم من عُمان وعودتهم إلى "أرض فارس" التي هي إيران اليوم، وقد كان.
ومن هنا يُمكن القول إن أهل عُمان دخلوا جميعاً الإسلام بدون حرب أو "فتح إسلامي" استجابة لدعوة ملكهم. وبعد دخول الإسلام، لم يبق في عُمان إلا العرب المسلمون كأغلبية.
ومع ذلك، يبدو أنه بقي في عُمان بعض اليهود، وهو ما يتضح مما رواه السالمي في كتابه عن حكاية بين يهوديّ "من يهود عُمان" وعمرو بن العاص، في عهد النبي محمد.
اضطرابات ما بعد عهد النبوة
يقول ويندل فيليب إن "للمسلمين الأوائل في عُمان دوراً في الانقسام الأول في الإسلام، وعمق من هذا الانقسام الاختلاف في الأمور العقيدية بصورة استحال معها تصالحهم مع غيرهم من المسلمين".
وهناك روايات متضاربة عما حدث في عُمان بعد عهد النبوة، ففي كتاب "فتوح البلدان"، يقول المؤرخ العباسي أحمد البلاذري إنه بعد وفاة النبي محمد "ارتدت الأزد وعليها لَقيط بْن مَالِك ذو التاج"، وقيل إنه ادعى النبوة، فأرسل إليه أبو بكر الصديق، الخليفة الأول بعد النبي محمد، جيشاً لمحاربته.
ويقول ابن كثير الدمشقي في كتابه "البداية والنهاية" إن لقيط "تابعه الجَهَلة من أهل عُمان"، واستطاع أن ينقلب على "جيفر" وأخيه، فبعث "جيفر" إلى أبي بكر يطلب النجدة، وكانت معارك كبيرة أسفرت عن انتصار جيش أبي بكر بعد أن قتلوا من المرتدين 10 آلاف مقاتل.
ووردت روايات أخرى في الكتاب ذاته، تذكر أن أهل عُمان لم يمنعوا الزكاة وإنما كانت هناك مظلمة لسيدة عُمانية في مكان يدعى "دَبَا" بسبب جمع الزكاة، فاستغاثت بقومها فتحول الأمر إلى معركة وصلت إلى حد سبي بعض العُمانيين على يد المُكلفين بجمع الزكاة، فلما وصل الأمر إلى عمر بن الخطاب ردهم إلى أهلهم.
ويعلق الدكتور الزدجالي، أستاذ الفلسفة، على تلك الاضطرابات قائلاً إنها "لا تعني أن العمانيين في كل حواضرهم ارتدوا، وإنما ارتبطت الردة الدينية دائما ببعض القيم الاقتصادية واستهواء السلطة".
ويضيف لبي بي سي أن هذا الفهم يجعلنا نستوعب "العلاقة الممكنة بين الدخول السلمي في الإسلام، ووجود الردة في تاريخ هذه المنطقة؛ ولذا ارتبطت قيادة الردة بادعاء الزعامة الدينية متمثلة في النبوة".
وأوضح الزدجالي أن عمان كانت "مرتعاً للصراعات السياسية والدينية"، مشيراً إلى ما رواه ابن جرير الطبري، المؤرخ في القرن الثالث الهجري، عما حدث في عهد الخلافة العباسية، من حرب خاضها القائد العسكري العباسي خازم بن خزيمة ضد الخوارج.
ويقول الزدجالي إن "هذا الصراع يكشف عن تداخل النزعات الدينية القديمة في عمان بعد دخول الإسلام".
نشأة الإباضية في عُمان
بعد مقتل عثمان بن عفان فيما يعرف بالفتنة الكبرى بسبب الخلاف بين المسلمين سياسياً، خاض علي بن أبي طالب الذي تولى الخلافة من بعده، معركة صِفِّين بجيش من العراق، ضد معاوية بن أبي سفيان الذي كان يرغب في الخلافة ويطالب بالقصاص ممن قتلوا عثمان، وكان على رأس جيش من الشام، وانتهى الأمر بـ "التحكيم".
وخرجت فئة ممن كانوا في جيش الإمام علي ضد هذا التحكيم، عُرفوا بـ"الخوارج"، داعين علياً بن أبي طالب إلى الاستمرار في محاربة معاوية بن أبي سُفيان، بدلاً من النزول على "التحكيم" بين الفريقين.
ويوضح ويندل فيليب في كتابه أن "الخوارج من مسلمي عُمان أنكروا اقتصار الحق بالخلافة على قبيلة أو عائلة بعينها، معتبرين مآلها إلى انتخاب الناس"، ما دفع الخليفة علي بن أبي طالب لمحاربتهم هم وغيرهم من الخوارج في معركة النهروان.
ونقل فيليب ما يُقال عن أن اثنين من الخوارج هربوا إلى عُمان، وبدأوا في الدعوة إلى مذهبهم هناك، وهو ما أدى إلى ظهور طائفة الإباضية، مرجحاً أن يكون هذا الاسم معروفاً في عُمان قبل انتشار تلك الطائفة.
ويشير فيليب إلى أبي الشعثاء جابر بن زيد الأزدي، وهو من جيل "التابعين"، اللقب الذي يُطلق على من أسلم على يد أحد صحابة النبي محمد.
كيف وصلت الإباضية إلى الجزائر؟
وينظر الإباضيون إلى جابر بن زيد على أنه مؤسس فقههم ومذهبهم، على الرغم من أن فيليب صرح بأنه "غير متيقن" من كونه أول من أدخل عقيدة الخوارج إلى عُمان.
وتقول المستشرقة الألمانية هيدويغ كلاين: "ويثير هذا الظهور المفاجئ للإباضيين سؤالاً عن بداية وتطور هذه الفرقة في عُمان، ولكن ليست هناك إجابة مرضية عن هذا السؤال".
ويرفض الإباضيون وصفهم بالخوارج، وإن كانوا يتفقون معهم في أن الحاكم لا يلزم أن يكون من بني هاشم كما قال الشيعة، ولا يلزم أن يكون قرشياً كما قال أهل السنة، بل يجوز أن يكون الحاكم أي مسلم، عربياً كان أم أعجمياً، أبيض كان أو أسود.
كما يتفق الإباضية مع الخوارج في أن الإمام علي كان على حق في حربه ضد معاوية، ويخطّئونه في قبوله التحكيم. ويرى الخوارج والإباضية أن إمامة علي سقطت كخليفة لمخالفته ما يرونه شرط البيعة، وهو محاربة معاوية حتى يعود إلى الحق والرضا بخلافة علي.
ويوضح الدكتور المحرمي، الباحث الإسلامي، أن الفارق بين الاباضية والخوارج "سياسي وفقهي". فمن الناحية السياسية، يرى الخوارج وجوب الخروج على الحاكم الظالم، بينما يرى الإباضية "جواز" ذلك حين تتوافر "شروط الثورة".
ويكمن الخلاف الفقهي بينهما فيما يتعلق بفاعل "إحدى الكبائر"؛ فالخوارج يرونه كافراً يخرج من الإسلام، بينما ترفض الإباضية تكفيره وإخراجه من الملة، وتكتفي باستتابته.
ويقول المحرمي إن المذهب الإباضي تأسس في القرن الأول على يد التابعي العُماني جابر بن زيد الأزدي المتوفَّى عام 93 للهجرة.
وأضاف لبي بي سي أن أتباعه أخذوا في الانتشار في عُمان "إلى أن شكلوا قوة سياسية أزاحت والي الدولة الأموية وعينوا أول إمام عماني مستقل عن الدولة المركزية عام 132 للهجرة"، وذلك مع سقوط الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية.
"أهل الدعوة"
في عهد الخليفة الأمويّ عبد الملك بن مروان، شهدت عُمان معارك شرسة بإشراف الحجاج بن يوسف الثقفي، كما برز اسم عبد الله بن إباض التميمي، الذي يُنسب إليه "الإباضية".
ويقول الدكتور زكريا المحرمي لبي بي سي "كان الإباضية الأوائل يسمون أنفسهم (جماعة المسلمين) و(أهل الدعوة)، لكن الدولة الأموية سمتهم الإباضية نسبة إلى عبد الله بن إباض.
ويرجح الباحث في التاريخ الإسلامي أن يكون السبب وراء تلك التسمية، هو أن ابن إباض من بني تميم الذين يعود نسبهم إلى "مُضَر"، وليس قبيلة "الأزد" التي تشكل أغلب عرب عُمان والتي كانت "لا ترى صحة حُكم بني أمية وترى جواز الثورة عليها".
ويضيف أن الغرض من نسبتهم إلى إباض هو "إبعاد الأزد عن الانتساب إلى هذا الجماعة"، فلو سلّم الأمويون بأن "الأزد" في عُمان ثاروا عليهم، "لسقطت الدولة [الأموية]".
وهكذا، ظلت عُمان في اضطراب سياسي بين ولاة الأمويين حتى سقوط الدولة الأموية. وبعد تولي العباسيين الخلافة في الجزيرة العربية، وُكل أمر عُمان إلى ابن مسعود الجُلَندي، الذي يُعد مؤسس الإمامة في عُمان، ويعود نسبه إلى "جيفر الجُلندي" الذي كان مَلك عُمان هو وأخوه عبد في عهد النبي محمد.
ومنذ ذلك الحين، "استمر الحكم الإباضي لعُمان حتى اليوم، مع ظهور المذاهب الإسلامية في القرنين الثاني والثالث الهجريين"، بحسب المُحرمي الذي يقول إن انتشار المذاهب الإسلامية الأخرى بدأ في المراكز التجارية العمانية.
ويضيف أن "وجود أتباع تلك المذاهب تعزز مع التمدد العماني إلى الساحل الهندي والأفريقي والغزو البويهي والفارسي والوهابي لعمان"، بحسب تعبيره.
في حين يقول الزدجالي، أستاذ الفلسفة العُماني، إن انتشار مذهب الشيعة في عمان قديم، مستدلاً على ذلك بما قاله المؤرخ في القرن الرابع الهجري، شمس الدين المقدسي، وهو يتحدث عن جزيرة العرب ومذاهبهم.
فقد جاء في كتاب المقدسي "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" أن "أهل الرأي بعُمان وهجر [في شرق الجزيرة العربية] وصعدة [في اليمن] شيعة". وأبدى الزدجالي اعتراضه على ما أبداه السيابي وغيره بأن المذهب المنتشر في عمان هو الإباضي دون غيره.
ويؤكد الزدجالي أن "المذاهب الكلامية والسياسية بدأت في نهايات النصف الأول من القرن الثاني الهجري، والمذاهب تعرضت للهزات والهجرات بسبب السياسة والأرزاق".
المسيحية واليهودية في عُمان اليوم
بعد انتشار الإسلام في كامل عُمان، عادت المسيحية مرة أخرى للظهور بقوة على يد البرتغاليين الذي احتلوا عمان لنحو قرن ونصف من أوائل القرن السادس عشر الميلادي وحتى عام 1650.
عُمان: حكاية السلطنة التي تخلصت من الاحتلال البرتغالي لتقيم إمبراطورية في آسيا وأفريقيا
كما شهدت عُمان حملة تنصيرية في أواخر القرن التاسع عشر على يد القس الأمريكي زويمر وزميله جيمس، بحسب موسوعة الملل والأديان.
ومع ذلك، يبدو أن تلك الحملات التبشيرية لم تلق صدى واسعاً لدى أهل عُمان؛ حيث يقول الدكتور المُحرّمي "يوجد اليوم أسر عمانية نصرانية وهي نوعان: إما أنها متجنسة، أي من غير العُمانيين الذين اكتسبوا الجنسية العُمانية، وإما أنها أسر من غير العرب ممن تأثروا بالحملات التنصيرية أيام الغزو البرتغالي ثم الانتشار الإنجليزي في المنطقة".
أما فيما يتعلق باليهودية، فقد جاء في لسان العرب لابن منظور الذي عاش في القرنين السابع والثامن الهجري، أن المَزون "قرية من قرى عُمان، يسكنها اليهود والملاحون، ليس بها غيرهم".
وقد تناول الباحث العُماني نصر بن ناصر البوسعيدي، الذي يتولى رئاسة قسم التحقيق والحصر بدائرة المخطوطات في عُمان، المقابر اليهودية التي عُثِر عليها في ولاية صحار العُمانية.
وقال في كتاب "عمان مجد التاريخ وحكايته" إن وجود تلك المقابر هو دليل على أن هناك هجرات لجماعات يهودية استوطنت المنطقة منذ قرون عدة، خاصة تلك العائلات التي استقرت في المدينة المنورة خلال القرون الأولى من الهجرة .
ويقول البوسعيدي في كتابه إن الرحالة البريطاني جيمس ولستد، في القرن التاسع عشر الميلادي، التقى عشرين عائلة يهودية كانت تقطن في صحار عندما زارها،، ولهم كنيس صغير ويعيشون على إقراض المال.
وينقل الكتاب عن مصادر تاريخية أن بعض اليهود الأثرياء ممن استقروا في البحرين، كانوا يعدون صحار وجهة تجارية رئيسية لهم.
ويقال إن اليهود في عُمان زاد عددهم في عام 1828 بعد فرارهم من قمع الوالي العثماني في بغداد، داود باشا، ومارسوا في عُمان صناعة الفضة وإقراض المال وإنتاج الكحول.
وورد في بعض المراجع اليهودية أن عُمان كان بها ما يصل إلى 350 عائلة يهودية، معظمهم من اليمن والعراق. وبين عامي 1830 و1860، مثلوا المصالح البريطانية، كما في ميناء عدن، لكن بحلول عام 1900 تراجع وجودهم إلى حد كبير.
ويُعتقد أن آخر يهودي في عُمان هو سليمان اليهودي الذي غادر الدولة في عام 1948 واعتنق أبناؤه وأحفاده الإسلام، بحسب موقع "جويش ريفيوجيز" [اللاجئون اليهود]، المعني بـ"الحفاظ على ذاكرة المجتمعات اليهودية البائدة".
ويقول الدكتور زكريا المحرمي لبي بي سي، إنه "كان يوجد في عمان يهود في مسقط وصحار، ولكن لا يعرف ماذا حدث لهم بعد عام 1973"، مشيراً إلى روايات ترجح إما هجرتهم أو أن الدولة "طلبت منهم تغيير أسمائهم حماية لهم من المد القومي" العروبي منذ أيام الرئيس المصري جمال عبد الناصر.
ديمغرافية عُمان الدينية
يقول الدكتور سعود الزدجالي إنه لا يمكن الجزم بطبيعة الإحصائية السكانية في ما يتعلق بالانتماءات المذهبية في عُمان، "بيد أن جُل التراث الديني العماني هو تراث إباضي مع وجود نصوص دينية تنتمي إلى المذاهب الإسلامية الأخرى".
ويصف الزدجالي عُمان بأنها "جمرة الإباضية على مدار التاريخ"، مضيفاً أن المذهب الإباضي "استوعب القيم القبلية السائدة وطبيعة المنطقة".
وجاء في كتاب "مختصر تاريخ الإباضية" لسليمان بن عبد الله الباروني أن جماعة الإباضية "أغلبهم في القُطْر العُماني الواقع على بحر العرب وخليج فارس من شرق الجزيرة العربية حيث لا يقل عددهم هناك عن ثلاثة ملايين".
جدير بالذكر أن هذا التعداد يعود للقرن الماضي، حيث توفي المؤرخ الأمازيغي الإباضي، الباروني، في أربعينيات القرن الماضي، موضحاً أن الإباضية بعُمان "أغلبية ساحقة".
ويوضح المركز الوطني للإحصاء والمعلومات في عُمان، أن عدد السكان وفق آخر إحصاء مذكور بالموقع لعام 2021، تجاوز 4.5 مليون نسمة، 60 في المئة منهم من المواطنين.
ومع ذلك، "لا توجد إحصاءات رسمية ولا نِسب معلنة عن المذاهب والأديان في عُمان، مراعاة للأمن القومي"، بحسب الكاتب العُماني أحمد الشيزاوي.
وأضاف الشيزاوي لبي بي سي أن الدولة تنظر إلى إحصاءات من هذا النوع على أنها "تؤثر على اللُّحمة الوطنية"، موضحاً أن هناك "عمانيين يعتنقون الإسلام بمذاهبه الأربعة، مع المذهب الشيعي والإباضي، مع أقليات من الديانة الهندوسية والديانة البهائية".
ويرى الباحث الأردني محمد العواودة في دراسة له بعنوان "الإباضية في سلطنة عُمان: التعايش الديني والمذهبي"، أن الإباضيين يشكلون 45 في المئة من سكان عُمان الأصليين.
وأضاف أن الإسلام السني يشكل ما يقرب من 50 في المئة من السكان، في حين أن النسبة المتبقية أو الـ5 في المئة، هي مزيج من المسلمين الشيعة والهندوس والمسيحيين.
وأبدى الدكتور زكريا المحرمي عدم توافقه مع هذه النسبة، التي يرى أنها تتعارض مع تاريخ عُمان الإباضي، الذي يوضح أن التحول إلى المذاهب الأخرى حدث لاحقاً.
ويؤكد المحرمي في الوقت ذاته على أن الدولة العمانية الحديثة "تميل إلى الليبرالية، ولا تريد لهذه البيانات أن تثير حساسيات مجتمعية".
من ناحية أخرى، أوضح تقرير لرويترز لعام 2008، أن عدد الإباضيين في عُمان يبلغ نحو مليون و200 ألف نسمة، وأنهم يشكلون ثلاثة أرباع السكان في عُمان أو 70 في المئة.
ويشير موقع حقوق الأقليات Minority Rights Group إلى أن 75 في المئة من المسلمين في عُمان يتبعون المذهب الإباضي، وأن 25 في المئة سنة ويتركزون في محافظة ظفار.
ويضيف الموقع أن هناك "وجوداً شيعياً ضئيلاً، في حين يشكل الهندوس [غير المواطنين] 13 في المئة من إجمالي السكان".
في حين يشير موقع "أطلابيديا" Atlapedia المعني بخرائط دول العالم وإحصاءاتها، إلى أن المسلمين يشكلون 86 في المئة من السكان في عُمان، أغلبهم من الإباضيين، كما يوجد عدد من المسلمين السنة والشيعة، مضيفاً أن "أكبر أقلية دينية هي الهندوس الذين يشكلون 13 في المئة من السكان".
هل هناك مساجد لكل مذهب؟
بحسب وزارة الإعلام العُمانية، فإن عدد المساجد في سلطنة عُمان 13,935 مسجداً، وعدد الجوامع 1,770 جامعاً. ويعد مسجد مازن بن غَضُوبة أو "المضمار" أول مسجد بُني في تاريخ عُمان في مدينة سمائل في محافظة الداخلية ويحمل اسم أول صحابي أسلم من عُمان ويقال إنه بنى هذا المسجد بعد عودته من المدينة المنورة.
لماذا استهدف تنظيم الدولة الإسلامية عُمان؟
ومن المعروف أن هناك تجمعات سكنية لكل مذهب في عُمان؛ حيث ينتشر الإباضية في العاصمة مسقط ومحافظات "الداخلية" و"جنوب الباطنة" و"الظاهرة" و"شمال الشرقية".
وينتشر أصحاب المذهب السُني في محافظات "الوسطى" و"ظفار" و"مسندم"، في حين يعيش الشيعة في العاصمة مسقط ومحافظة "شمال الباطنة"، التي تضم كذلك إباضية وسنة.
ويشترك كل من الإباضية والسنة كذلك في محافظتي "جنوب الشرقية" و"البريمي".
ويقول المُحرمي إنه لا توجد مساجد خاصة بكل مذهب؛ فالمساجد مفتوحة للجميع، لكن جرى العرف على أن يكون الإمام شيعياً في المنطقة التي غالب سُكانها شيعة، وسُنياً في المناطق السنية، وإباضياً في أماكن تمركز الإباضيين.
ويضيف المُحرمي أن الأماكن المختلطة، يكون فيها الإمام على مذهب من بنى المسجد، مؤكداً أن "الناس من جميع المذاهب يصلون في المسجد دون النظر إلى مذهب الإمام".
التعايش في عُمان
كشفت دراسة عن التنوع العرقي والمذهبي في دول الخليج، لمركز "المسبار" ومقره دبي، أن سلطنة عُمان "أبرز دولة عربية في تخطي حاجز الاختلافات الدينية".
ونقل المركز عن الباحث الأردني محمد العواودة في دراسته عن عُمان، أن ذلك التسامح يرجع إلى "البنية العقدية والفقهية للمذهب الإباضي، وإلى السياسية الرسمية العمانية البراغماتية التي تتبع خططاً نأت فيها عن الخلافات الإقليمية".
ويضيف العواودة أن سلطنة عُمان "لم تفرض هيمنة الإباضية على غيرها، وتعاملت بحيادية مع المشتركات العقدية، ووضعت نظامها الخاص في ترسيخ مبادئ الحياة المدنية الحديثة في اختيار المناصب الوظيفية في الدولة على أساس الكفاءة العلمية".
وتتجنب سلطنة عمان تدريس العقيدة الطائفية أو تاريخ الانقسام داخل الإسلام، وتعتمد المناهج الدراسية المبنية على المبادئ الإسلامية العامة التي لا يختلف عليها السنة أو الشيعة أو الإباضيون، وهو ما يبدو أنه "نهج عزز النسيج الاجتماعي للبلاد"، بحسب العواودة.
ويقول الدكتور سعود الزدجالي إن عُمان في حاضرها "تجاوزت الحكم الديني الثيوقراطي إلى الدولة الوطنية القائمة على سيادة القانون والمواطنة في ظل الإيمان بضرورة الاحترام للانتماء المذهبي دون مساس بسيادة الدولة والمشتركات السياسية المدنية".
ويضيف لبي بي سي أن عُمان بسبب علاقتها التجارية البحرية، وأنظمة الحكم المتعاقبة، والصراعات، كانت رقعة جغرافية فرضت عليها الظروف التاريخية التعددية الإثنية والطائفية والثقافية، "ما جعل طبيعة الحكم في الدولة البوسعيدية ذات طبيعة عصرية منفتحة ومتسامحة".
التعليقات