فاز الناشط السياسي المصري البريطاني، علاء عبد الفتاح، بجائزة هيئة "بن بنتر" الأدبية لعام 2024 بناء على اختيار الروائية الهندية، أرونداتي روي، تقاسم جائزتها معه، والتي يمنحها نادي القلم الدولي "بن" سنويا لإحياء ذكرى الكاتب المسرحي هارولد بنتر (1930-2008) الحائز جائزة نوبل للآداب عام 2005.
ولا يزال الناشط، البالغ من العمر 42 عاما، في السجن المصري، رغم انتهاء فترة عقوبته، بعد الحُكم عليه بالسجن خمس سنوات بتهمة "نشر أخبار كاذبة"، وهي تهمة أدانتها منظمات حقوق الإنسان واعتبرتها "غير صحيحة".
تُمنح جائزة "بن بنتر" سنويا لكاتب، يُشترط أن يكون من المقيمين في المملكة المتحدة أو جمهورية أيرلندا أو الكومنولث، ويكون على حد تعبير ما وصفه بنتر نفسه في خطاب تسلمه لجائزة نوبل في الآداب، صاحب "إيمان لا يتزعزع ونظرة ثاقبة للعالم مع تصميم لا يهادن من أجل الكشف عن الحقيقة في حياتنا والمجتمع".
وتتيح الجائزة للفائز إمكانية إبراز صوت آخر يختاره من بين نشطاء الرأي ويتقاسم جائزته معه، وذلك في حفل سنوي يقام في المكتبة البريطانية في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول، وهو تاريخ يوافق ذكرى ميلاد بنتر.
وقالت الكاتبة الهندية، وفقا لصحيفة "الغارديان" البريطانية، إنها أرادت تقاسم جائزتها مع عبد الفتاح "لنفس السبب الذي جعل السلطات المصرية تختار إبقاءه في السجن لمدة عامين آخرين بدلا من إطلاق سراحه الشهر الماضي"، لأن "فهمه لما نواجهه اليوم حاد مثل حد الخنجر"، بحسب تعبير الكاتبة.
وفي حفل أقيم في المكتبة البريطانية في العاصمة لندن مساء الخميس، تسلمت لينا عطا الله، رئيسة تحرير صحيفة مدى مصر الإلكترونية المستقلة، الجائزة نيابة عن عبد الفتاح، وقالت، بحسب الغارديان: "في كتاباته ومقالاته الصحفية ومنشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي ورسائل السجن، وجد علاء الحقيقة في اللغة ومن خلالها. كان يفعل ذلك دائما ليس كعمل شخصي بغية التأمل، بل كدعوة للتعلم والتفكير والمضي قدما".
كما وصفت الكاتبة والصحفية الأمريكية في صحيفة الغارديان، نعومي كلاين، التي تحدثت في الحفل، عبد الفتاح بأنه "يجسد الشجاعة المستمرة والعمق الفكري الذي تمثله أرونداتي روي نفسها بقوة، مما يجعل اختيارها له ككاتب شجاع مناسبا تماما".
كما أعلنت روي في الحفل أن نصيبها من أموال الجائزة سوف تتبرع به لصالح صندوق إغاثة أطفال فلسطين.
كان علاء عبد الفتاح قد لعب دورا رئيسيا في الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس المصري الراحل حسني مبارك، من السلطة عام 2011، وقضى عقوبة السجن لمدة تسع سنوات، قبل الحكم عليه مجددا بعقوبة أخرى مدتها خمس سنوات بتهمة "نشر أخبار كاذبة".
وحصل عبد الفتاح على الجنسية البريطانية في ديسمبر/ كانون الأول 2021 من والدته المولودة في لندن.
من البرمجة إلى "أشهر سجناء" مصر
ولد علاء عبد الفتاح في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1981 في أسرة من الحقوقيين.
والده هو المحامي والحقوقي والناشط اليساري البارز أحمد سيف الإسلام عبد الفتاح حمد الذي اعتقل أكثر من مرة في عهد الرئيسين المصريين السابقين أنور السادات وحسني مبارك، ووالدته هي أستاذة الرياضيات بجامعة القاهرة والناشطة السياسية في مجال المجتمع المدني ليلى سويف.
لعلاء عبد الفتاح شقيقتان هما منى وسناء سيف الدين، وهما ناشطتان حقوقيتان بارزتان، ومن أكبر الداعمين لشقيقهما، إذ تعكفان على حشد الجهود لإلقاء الضوء على قضيته وإطلاع المجتمع الدولي عليها. وقد سجنت سناء مرتين: الأولى في عام 2014 ثم إطلق سراحها ضمن عفو رئاسي، والثانية في 2020 لمدة سنة ونصف بتهمة "نشر أخبار كاذبة".
ويعد علاء عبد الفتاح أحد أبرز المدونين والنشطاء المصريين في الفترة التي أعقبت عام 2005، وكمتخصص في مجال برمجة المعلومات، شارك الناشط المصري في إدارة العديد من المنصات التي تنادي بحرية التعبير وفتح المجال العام.
وعبد الفتاح من مؤيدي توفير وسائل التقنيات الرقمية التي تمكن الجميع من الحديث بحرية وتوفر لهم الخصوصية. وقد أسهم في تطوير منصات رقمية توفر سعة تخزين مجانية - فضلا عن المشورة - لأصحاب المدونات.
"أيقونة للحركة الديمقراطية والثورة"
أعتقل عبد الفتاح للمرة الأولى عام 2006 مع عدد من الأشخاص كانوا مشاركين في احتجاجات تطالب باستقلالية القضاء، وأطلق سراحه بعد 45 يوما. انطلق في ذلك الوقت موقع إلكتروني يطالب بإطلاق سراحه تحول فيما بعد إلى وسم (هاشتاغ) #FreeAlaa على موقع إكس (تويتر آنذاك).
تجربة الاعتقال الأولى لعبد الفتاح لم تثنه عن مواصلة نشاطه. ففي عام 2011، أصبح أحد أشهر وجوه الحركة الديمقراطية، حيث طور منصات على الإنترنت تمكن المواطنين المصريين من المشاركة في صياغة الدستور. كما فتحت تغريداته على موقع تويتر الباب أمام العديد من النقاشات حول قضايا كالدين والإصلاح السياسي.
وبرز دوره في ثورة 25 يناير/كانون الثاني، فرغم عدم وجوده في مصر لحظة اندلاع المظاهرات، إلا أنه شارك في الاحتجاجات التالية التي أفضت إلى الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك.
شارك عبد الفتاح في تنظيم المظاهرات المعارضة إبان حكم المجلس العسكري للقوات المسلحة، وحبس في أعقاب ما عرف بأحداث ماسبيرو في أواخر أكتوبر/تشرين الأول عام 2011 بسبب تغطيته للاشتباكات بين المتظاهرين المسيحيين وقوات الأمن، حيث اتهمته النيابة العسكرية بـ"التحريض ضد الجيش وتكدير الأمن والسلم العامّين".
طالبت المفوضية العليا لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة بالإفراج عنه، وقد أطلق سراحه في ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته.
ما بعد الثورة
ألقي القبض على عبد الفتاح مجددا في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2013 مع آخرين لدى مشاركته في مظاهرة أمام البرلمان ضد قانون التظاهر ومسودة الدستور الذي استفتي عليه في مطلع عام 2014. ووجهت لعلاء تهمة "التظاهر بدون تصريح" من السلطات الأمنية.
وحُكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات من قبل محكمة الجنايات في هذه القضية التي عرفت فيما بعد بـ "أحداث مجلس الشورى"، وأيدت محكمة النقض المصرية الحكم في عام 2017 .
وتعد فترة السجن هذه هي الأطول في تاريخه، وتوفي خلالها والده وسمحت له السلطات بالخروج استثنائيا لتشييعه.
أفرج عنه في مارس/آذار عام 2019 بعد انقضاء مدة عقوبته، ولكنه اعتقل مجددا في سبتمبر/أيلول من نفس العام، وظل مودعا في السجن إلى أن تجاوز الحد القانوني الأقصى للحبس الاحتياطي، ثم أصدرت محكمة مصرية في ديسمبر/كانون الأول من عام 2021 حكما بسجنه خمسة أعوام بعد إدانته بتهمة "نشر أخبار كاذبة".
وبدأ الناشط المصري إضرابا عن الطعام في أبريل/نيسان 2022 احتجاجا على رفض السلطات المصرية السماح للقنصلية البريطانية بزيارته.
وقد شدد عبد الفتاح من إضرابه في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام بالتزامن مع بدء قمة المناخ في مدينة شرم الشيخ، حيث توقف كذلك عن شرب المياه.
وكان مسؤول أمريكي رفيع المستوى قد أعرب عن قلق البيت الأبيض حيال "التقارير الواردة عن حالة علاء عبد الفتاح الصحية"، مضيفا أن إدارة الرئيس جو بايدن أثارت "المخاوف بشكل متكرر مع الحكومة المصرية حول قضيته وظروفه في السجن".
وطالبت منظمات حقوقية محلية ودولية بإطلاق سراح الناشط السياسي المصري البريطاني بحلول 29 سبتمبر/أيلول 2024، والذي من المفترض أن تكون فترة حبسه 5 سنوات قد انقضت في هذا التاريخ، مع حساب فترة حبسه احتياطيا.
وأعربت 59 من منظمات المجتمع المدني، المصرية والإقليمية والدولية، في بيان لها في ذلك الوقت عن قلقها العميق إزاء الأخبار التي نشرها محاميه بأن السلطات المصرية لا تخطط لإطلاق سراح علاء حتى يناير/كانون الثاني عام 2027.
وقال خالد علي، من فريق الدفاع عن علاء عبد الفتاح، إن السلطات المصرية تنوي "تمديد" حبس علاء حتى مطلع العام 2027 مستندة إلى أن التحقيق في قضية الإرهاب الذي سبق محاكمته فيها وحبسه احتياطيا على ذمتها هي قضية منفصلة عن القضية موضوع الحكم، وتزعم السلطات أن الوقت الذي قضاه علاء في الحبس الاحتياطي كان في إطار القضية الأولى، وليس الثانية التي تنتهي فيها مدة سجنه.
التعليقات