لا يمكن الحديث عن التراث الطبيعي والأركيولوجي في الجزائر، دون الخوض فيما تمثله السلسلة الجبلية الشهيرة quot;الطاسيلي والأهقارquot; التي تتكون من تشكيلات جيولوجية رائعة تعود إلى العصر الجليدي، وثروة حيوانية ونباتية وسمكية نادرة، تتناولها quot;إيلافquot; في هذا الاستطلاع.

كامل الشيرازي من الجزائر: تقع حظيرتا quot;الطاسيلي ناجرquot; وquot;الأهقارquot; في عمق مدينة تمنراست بأقاصي الصحراء الجزائرية (1800 كلم جنوبي غرب العاصمة)، ويصفهما المولعون بكونهما متحفان طبيعيان فريدان رصفتهما يد الإله، وزخرفتها أنامل مبدعة في منطقة جذّابة دلت الحفريات على تواجد الإنسان بها قبل مئات آلاف السنين.
وبحسب بيانات حصلت عليها quot;إيلافquot;، فإنّ عمر الطاسيلي والأهقار يصل إلى المليون سنة، دلالته عشرات الآلاف من الصور المنقوشة على الصخور وأشكالا لا حصر لها من الرسوم الموجودة على طول الحظيرتين وغيرها من الأفاريز الحية المصنوعة من الحجر.

ويوضح quot;صالح أمقرانquot; مسؤول ديوان حظيرة الطاسيلي ناجر، أنّ الأخيرة التي تتربع على نحو عشرة آلاف هكتار، ويصل ارتفاع قمتها quot;طاهات أتاكورquot; إلى ثلاثة آلاف متر، بها رسومات تحيل على ما شهدته الصحراء الكبرى من تحولات منذ الزمن القديم، أين تفيد النقوش الموجودة إلى أنّ الصحراء كانت عبارة عن أنهار وبحار.

وبموقعها المنتصب على قمة جنوب الأطلس الصحراوي، يبرز quot;أحمد حمادوquot; وهو من أبناء المنطقة، ما تضخه السلسلة عبر هضابها الصخرية اللاهبة، وسهولها الحجرية التي تتخللها منطقتان رمليتان (العرق الغربي الكبير والعرق الشرقي الكبير) وهما يمثلان مساحات شاسعة من الهضاب الرملية على طول وديان جافة.
كما تفيد الباحث quot;زهرة عيوازquot; أنّ حزام الطاسيلي والأهقار يحتوي على ما يربو عن ثلاثمائة صنفا نباتيا تتوزع على أصول مدارية متوسطية وصحراوية، ويتألق بينها: الطلح، الشيح، وغيرهما، إضافة إلى صنوف حيوانية أكثرها: الفهود، الأروية، الأفاعي، الغزلان، الضبيان، ناهيك عن الأسماك على غرار: السيلور، التملابيا، والباربوكس، فضلا عن مئات الطيور النادرة وأنواعا من الزواحف والحشرات.

وإلى جنوب الطاسيلي، تتواجد مجموعة جبال أخرى يُطلق عليها quot;طاسيلي سيساوquot; التي تمتد على نحو 55 ألف كلم مربع، وهو ما يمثل ضعف مساحة دولة بلجيكا، وتشكّل هذه الجبال مساحة خصبة للبحث بحكم ما تحتوي عليه من جداريات عظمية لحيوانات استوطنت المنطقة قبل مئات الآلاف من السنين.
ويشير الحاج طيفور أحد سكان تمنراست، إلى أنّ الحديث عن الطاسيلي والأهقار لا يمكن أن كتمل إلاّ بتملّي مسلك الأسكرام العتيق الذي يعود تاريخه إلى سنة آلاف سنة قبل الميلاد، وتنحدر منه مياه عذبة تخترق صخوره لتركد في بركة صغيرة قرب سفح، يجعلها السكان المحليين قبلة لسدّ ظمأهم والاستمتاع بمشهد الشروق والغروب الفريد للشمس.
ويقول الشيخ quot;محمد جيلالي خويلديquot; أحد أعيان قبائل الطوارق المقيمة على طول الطاسيلي والأهقار، أنّ الحياة بالمنطقة تتحدى قساوة الطبيعة تبعا للمصاعب المترتبة عما تفرضه التضاريس والمناخ الشبه الصحراوي الذي يميّز إقليمها على مدى فصول السنة.

واستنادا إلى quot;سعاد بركانيةquot; فإنّ التمظهر المناخي في المنطقة يتباين بين برودة الطقس خلال الفصل الشتوي الذي غالبا ما تنزل فيه درجة الحرارة إلى مستويات تصل إلى ما دون درجة الصفر خلال العديد من الليالي، ورياح السيروكو أو كما يُطلق عليها محليا quot;العجاجquot; الذي عادة ما يكثر مع نهاية الفصل الربيعي وبداية الموسم الصيفي.

وبحسب ما يحكيه مخضرمون، فإنّ الطاسيلي والأهقار التي استقطبت الأنظار على مدار عقود، تعاني على منوال نظيراتها في الشمال من قلة الاهتمام وسط أجواء خالية ومعزولة، هذا الوضع فرض على إدارة الحظيرتين بدء دراسة للتحيين والمراجعة بغرض تفعيل مشروع الحفاظ والاستعمال الدائم للتنوع البيولوجي ذي المنفعة العالمية بالطاسيلي والأهقار، حيث يريد عرّابو المشروع على لسان quot;صالح أمقرانquot; تحيين المعطيات وربط الحظيرتين بمخطط واسع للتنمية والتحديث يمتد إلى آفاق العام 2017.