8 سنوات تفصل لبنان عن تحقيق تحدّي الإعتماد على الطاقة المتجدّدة لإنتاج 12% من حاجاته الإجمالية من الطاقة. لكنّ الواقع اللبنانيّ يستلزم هذه الفترة وربما أكثر لينجز مختلف المشاريع التي يرسمها اليوم ضمن إستراتيجياته بالتعاون بين وزارة الطاقة والمياه والمركز اللبنانيّ لحفظ الطاقة ومنظّمات مدنية متعدّدة، تحاول مدّ يد العون للسلطات كي تلتزم بوعدها تجاه البيئة.
فيرونيك أبو غزاله من بيروت: أزمة الكهرباء حديثٌ يوميّ ينشغل فيه اللبنانيون منذ سنوات وما زال يرافقهم في يومياتهم، فالتقنين مستمر وساعات إنقطاع الكهرباء طويلة ما يزيد من تساؤلات المواطنين حول المخرج المحتمل لهذه المشكلة المزمنة. إلا أنّ العودة الى أرقام مؤسسة كهرباء لبنان للعام 2012 تُظهر أنّ هناك خسارة أكبر بإنتظار هذه المؤسسة، حيث يتوّقع أن يصل العجز في العام الجديد الى 3102.9 مليار ليرة لبنانية (حوالي الملياري دولار أميركيّ) مقابل 2141 مليار ليرة (حوالي 1.4 مليار دولار أميركيّ) في العام 2011.
وكلّ هذا العجز يدفع الجمعيات والمنظّمات البيئية الى التحرّك أكثر للمطالبة بتحفيز مشاريع الطاقة المتجدّدة، التي يمكن أن تكون تكلفتها عالية عند التأسيس لكنّها تبقى إستثماراً أكثر ربحية ونجاحاً على المدى الطويل مقارنة بإنتاج الكهرباء بالطاقة غير المتجدّدة. ويعوّل كلّ المهتمين بالقضايا البيئية على أن تلتزم الحكومة الحالية التعهّد الدولي الذي سبق وقُدّم من قبل لبنان بالإعتماد على الطاقة المتجدّدة لإنتاج 12 في المئة من الحاجات في مجال الطاقة، أي إستخدام الموارد المائية القابلة للتجدّد كحرارة الشمس والمياه والرياح لتقديم بدائل للبترول والفحم والغاز الطبيعيّ.
إمكانات الطاقة الشمسية
الموقع الجغرافيّ للبنان يسمح له بالإستفادة القصوى من حرارة الشمس حيث يحصل على حوالي 3000 ساعة من الشمس سنوياً ويصل
المعدّل السنويّ لتدّفق الطاقة الشمسية الى 2200 كيلووات ساعة/متر مرّبع، بحسب المستشار في وكالة البيئة والتحكّم بالطاقة الفرنسية جان-ماري فرايسي الذي يتعاون مع جمعية quot;ألميquot; (الجمعية اللبنانية لترشيد الطاقة والبيئة). إلا أنّ إستخدام هذه الطاقة المتجدّدة ما زال ضيّقاً جداً بحسب فرايسي، حيث ما زال الإعتماد شبه كامل على الموارد الأخرى كالبترول والغاز.
وبحسب دراسة خاصة أعدّتها جمعية quot;ألميquot; التي اطلعت quot;إيلافquot; عليها فإنّ تحفيز إستخدام الطاقة الشمسية المتجدّدة له إيجابيات عدّة لا تنحصر في مجال الطاقة فقط، إنما يتمّ التحكّم أكثر بفاتورة الكهرباء وتخفيض إنبعاثات الغازات السامة من المعامل التقليدية لإنتاج الطاقة. كما أنّ اللجوء الى الطاقة الشمسية يساعد لبنان في الخروج من دائرة التبعية للسياسات الإقتصادية العالمية في مجال المواد النفطية.
أمّا الواقع الميدانيّ لإستخدام الطاقة الشمسية فيشير الى أنّ هناك تزايد في المشاريع المنفذّة بحسب نظام الطاقة الشمسية، حيث يؤكد مدير مشروع quot;سيدروquot;، لدعم وتحسين كفاءة إستهلاك الطاقة والطاقة المتجدّدة لنهوض لبنان، حسان حراجلي أنّ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يعمل من خلال quot;سيدروquot; لتجهيز العديد من المواقع الحكومية بالألواح الضوئية التي تستخدم الطاقة الشمسية لتوليد الطاقة الكهربائية بكلفة زهيدة، وفي نهاية العام 2011 سيكون هناك أكثر من 40 موقع مجهّزاً بهذه الألواح أو ما يُعرَف بـquot;PVquot; (Photovoltaic System). وكذلك يتمّ العمل حالياً على تجهيز 4 مستشفيات حكومية بسخّانات مائية تستخدم الطاقة الشمسية.
وتحاول وزارة الطاقة والمياه تحفيز إستخدام سخّانات المياه الشمسية من خلال توزيعها مجاناً وبالقرعة على المواطنين الذين إشتركوا بالتيار الكهربائي بقدرة 15 أمبير أو الذين رفعوا قدرة إشتراكهم لغاية 15 أمبير بعد تخفيض رسوم الإشتراكات. كما يعمل المركز اللبنانيّ لحفظ الطاقة على توعية المواطنين أكثر حول ضرورة إستخدام السخّانات العاملة على الطاقة الشمسية، بالإضافة الى مشاريع تطوير الإنارة الموّفرة للطاقة من خلال أجهزة التحكّم الضوئية. ومن خلال المشاريع المنفذّة، يمكن إعتبار الطاقة الشمسية من أكثر الموارد التي يتمّ العمل عليها اليوم في لبنان، ولكن رغم ذلك ما زال هناك حاجة لإنخراط المواطنين أكثر كما المؤسسات في القطاعين الخاص والعام لتشجيع إستخدام هذه الطاقة.
مزارع الرياح تنتظر الهيئة الناظمة
إنشاء مزارع الرياح بات يُعتبر من الخطوات الرئيسة في أي إستراتيجية تهدف الى زيادة توليد الطاقة من خلال الموارد الطبيعية، حتّى أن الخبراء البيئيين يؤكدون أنّ الرياح بإمكانها تأمين حوالي 12% من الكهرباء للأرض كلّها خلال عقدين من الزمن فقط. ولم تعد الدول الغربية هي التي تحتكر هذه المزارع أبداً، إنما بات يمكن ملاحظتها في الدول المجاورة للبنان حيث بدأت المناقصات لإنشاء المزارع في مصر، وكذلك في سوريا حيث بدأ تنفيذ مشروع مزرعة للرياح نموذجية بقوّة 50 ميغاوات جنوب غرب مدينة حمص. أمّا في لبنان، فهناك تأخر في إستخدام الرياح لتوليد الطاقة، حيث لم يتمّ إطلاق أطلس الرياح المطلوب بشكل أساسيّ لإقامة المزارع إلا منذ حوالي سنة واحدة من قبل مشروع quot;سيدروquot; التابع لبرنامج الأمم المتحدة.
ويؤكد حراجلي في هذا السياق، أنّ أطلس الرياح أثبت أنّ لبنان لديه ظروف ريح بريّة مؤاتية من مناطق عدّة وخصوصاً في شمال البلاد ومناطق في شمال شرق لبنان بالإضافة الى سلسلة الجبال الغربية، وبالتالي هناك مواقع عديدة يمكن إستثمارها في هذا المجال. ويشير الأطلس الى أنّ طاقة الرياح يمكن أن تساهم في إنتاج 400 الى 500 ميغاوات من الطاقة المتجدّدة، وهذا ما يقلّص من إعتماد لبنان على النفط المستورد والموارد غير المتجدّدة لإنتاج الطاقة. كما يتوّقع حراجلي أن يكون هناك مزرعة رياح في لبنان خلال 3 سنوات، ولكن هذا المشروع ينتظر تشكيل هيئة ناظمة لهذا القطاع ما يؤخر إنطلاق عملية الإنتاج ويزيد من تكلفة المشروع. أمّا الجهة المنتجة لطاقة الرياح، فيشدّد حراجلي على أن تكون من القطاع الخاص لأنّ المشروع معقّد ويتطلّب خبرات في هذا المجال بالإضافة الى الحاجة للاموال للإستثمار في البداية.
ومشاركة القطاع الخاص لا يبدو مشروعاً صعباً أبداً بالنسبة للقطاع الحكوميّ، خصوصاً أنّ هناك شركات عدّة أعلنت عن رغبتها في الإستثمار في مزارع الرياح ومنها شركة طاقة الرياح اللبنانية المتخصّصة بتوليد الكهرباء. وهذه الشراكة باتت المطلب الرئيسيّ لكلّ الناشطين في المجال البيئي، حيث تؤكد جمعية quot;ألميquot; ممثلة بمديرها سعيد شهاب أنّ القطاع الخاص يجب أن يدخل في عملية الإنتاج على الشبكة العامة أي السماح لمجموعات توليد كهرباء خاصة ذات مواصفات مقبولة بالإرتباط بالشبكة ومدّها بالطاقة.
تطوير معامل الطاقة الكهرومائية
بعد الطاقة الشمسية والرياح تبقى المياه أيضاً مصدراً أساسياً لتوليد الطاقة من خلال الموارد المتجددة، وقد إعتمد لبنان على الطاقة الهيدروليكية منذ زمن طويل أي في أيام حكم السلطة العثمانية بحسب ما تشير الدراسات التاريخية في هذا المجال وصولاً الى مرحلة ما بعد الإنتداب، حيث وصلت نسبة الطاقة الهيدروليكية الى 68% من مجمل الطاقة المنتجة، لكن إنتاج الطاقة بواسطة المياه إنخفص بشكل دراماتيكيّ بعد سنوات الحرب الأهلية (بعد العام 1975). واليوم هناك معامل عدّة تتوّزع بين نهر الليطاني والأولي ونهر إبراهيم ووادي قاديشا ونبع الصفا في راشيا وصولاً الى منطقة جعيتا، لكن هذه المعامل كلّها تحتاج الى إعادة تأهيل وتطوير بحسب ما يؤكد حراجلي.
والمشكلة الرئيسة في هذا المجال، هي أنّ وزارة الطاقة والمياه تعتمد بشكل شبه كامل على المعامل الحرارية التقليدية، وهذا ما يؤدي الى إهمال معامل إنتاج الطاقة الكهربائية من المصادر المائية، في حين أنّ هذا القطاع يستلزم تطويراً مستمراً ليكون قادراً على تلبية حاجات المواطنين من الكهرباء والمساهمة في خفض إستخدام الموارد المؤذية للبيئة وغير المتجدّدة.
طاقات جديدة
حاجة لبنان الكبيرة لمصادر للطاقة تكون بديلاً عن الموارد غير المتجدّدة المستخدمة حالياً تدفع المنظّمات البيئية اليوم الى البحث عن إمكانيات جديدة ومنها الوقود الحيوي. فكما تؤكد منظّمة quot;غرين لاينquot; اللبنانية، إنّ إمدادات الوقود الأحفوري ستصل الى نهايتها خلال هذا القرن، كما أنّ التلوّث الناتج عن إستعمال الوقود الأحفوري يُعتبر ساماً ويؤثر على الهواء والماء والأرض. وبالتالي يمكن للبنان أن يعتمد أكثر على الوقود الحيوي الذي يتمّ إنتاجه من النباتات والمواد العضوية، بحسب المنظّمة. وفي السياق نفسه، يشدّد حراجلي على قدرة لبنان لإنتاج الوقود الحيوي من خلال تشحيل الأشجار أو المخلّفات الزراعية أو النفايات الحيوانية التي تستخدم كلّها لإنتاج الطاقة. ويعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي اليوم على تطوير مثل هذه المشاريع المُنتجة للوقود الحيوي عبر مشروع quot;سيدروquot; من خلال الدراسات والأبحاث لتحديد قدرات الإنتاج في لبنان في هذا المجال تحديداً.
كلّ هذه المعطيات المتوّفرة حول واقع الطاقة المتجدّدة في لبنان تشير الى أنّ هناك خطوات صغيرة يمكن لمسها للتحوّل نحو قطاع الطاقة الصديق للبيئة، لكن المسيرة ما زالت طويلة جداً ونسبة الطاقة المتجددة التي إلتزم بها لبنان وتصل الى 12% تحتاج الى مشاريع أكثر تطوّراً وإستثمارات أكبر حجماً. فالتمويل يُعتبر اليوم، كما يؤكد الخبراء البيئيون عائقاً أساسياً أمام تحسين وضع قطاع الطاقة المتجددة، وإذا كانت المؤسسات الحكومية تجد صعوبات جمّة في تأمين التمويل فالقطاع الخاص جاهز تماماً كما في أي دولة أخرى لتحمّل مسؤولية تطوير هذا القطاع.
التعليقات