في الوقت الذي يسعى فيه العراق الى تأهيل مستشفياته ومؤسساته الطبية و المختبرية داعيا الأطباء وخبراء الصحة الى العودة، تزداد ظاهرة أخرى متزامنة، وهي سفر العراقيين للعلاج في الخارج، لاسيما في السنتين الأخيرتين حيث شهدت أغلب مدن العراق سفر الكثير من المواطنين، الى الهند وإيران وتركيا والأردن وسوريا للعلاج.

بحسب الباحث الاجتماعي كريم الجبوري فإن عوامل عديدة تقف وراء لجوء المرضى العراقيينالىالتطبب في الخارج، وبالأخص في الدول المجاورة، منها الدافع الاجتماعي والمتمثل في عدم الرضا بدرجة كافية عن الخدمات المقدمة في البلاد، أو غياب التقنيات في المستشفيات، أو انعدام الثقة بين المريض والطبيب والمؤسسات الطبية. كما ان مرضى يقصدون الخارج لعدم توفر العلاج في الداخل ....

محمد حسن .. لماذا الأردن؟

أحد المرضى هو محمد حسن اضطر الى علاج ابنه الذي يعاني التهابا شديدا في عينه في الأردن . وعن دواعي ذلك قال محمد إن أطباء عراقيين نصحوه بالعلاج في الأردن لتوفر التقنيات اللازمة لإجراء عملية جراحية حساسة لعين ابنه في عمان. ويقول محمد ان علاج ابني كلّفني بيع سيارتي وقطعة أرض بسبب تكاليف العلاج الباهظة في الأردن . وتعاني أم محمد قصرا شديدا في النظر، وبعدما عجزت من علاج حالتها في العراق سافرت الى إيران، حيث أجرت عملية جراحية لها تكللت بالنجاح .

علاج السكر في الهند

والحاج أبو علوان الذي أثر مرض السكر في عينيه ولم يعد يرى، اضطر للسفر الى الهند حيث أجريت عملية جراحية له، والى الان لم تظهر بوادر النجاح لكنه يستمر على العلاج، على أمل ان يشفى تماما بعد الجولة الثانية من العلاج في الهند. أما أم يوسف ( 50 سنة )فتروي تجربتها المٌرّة في العلاج في الأردن، فهي تعاني قصرا في نظرها، ولم ينجح معها العلاج في عمان حيث فقدت نظرها تماما بعد العلاج . وتقول أم يوسف انها تشعر بالندم على ما فعلت بعدما خسرت المال والنظر معا .
وتتابع : أنصح ان يكون العلاج في الخارج للأعمار الصغيرة فقط، واستشارة الأطباء العراقيين قبل العلاج في الخارج. لكن أم قصي ترى ان تجربتها في العلاج في تركيا كانت ناجحة. فعلى مدى سفرتين نجحت في إجراء عملية جراحية كاملة للقلب وهي الآن تتماثل للشفاء. وتقول ام قصي : السفرة كانت جيدة وشعرت بالراحة وقد وفرت علي كثرة المشقة داخل العراق والتنقل بين عيادات الأطباء .

المستشفيات الأهلية

وفي أغلب مدن العراق، فإن عدد المستشفيات الحكومية ما زال على حاله منذ ثلاث عقود، لا يتناسب مع الزيادة في أعداد العراقيين، وفي الوقت نفسه فانعدد المستشفيات الأهلية ذات التكاليف الباهظة الثمن زاد بشكل كبير جدا . ولا تقتصر العلاجات في الخارج على الحالات المستعصية من العلل، بل ان الأغنياء وأصحاب الدخل المرتفع يفضلون إجراء عمليات التجميل في الخارج . وتتحدث سهيلة عن عملية تجميلية لأنفها في الأردن كلفتها حوالى خمسة آلاف دولار من ضمنها تكاليف السفر والإقامة والتجهيزات . ورغم التحسن في الوضع الأمني في العراق، فان عودة الأطباء لاسيما من الجراحين وأصحاب الاختصاص ما زالت في حدودها الدنيا . ويقول كامل حسين وهو طبيب باطنية في مدينة كربلاء(105 كم جنوب غرب بغداد) ان اكثر زملائه ما زالوا يتريثون في العودة . ويضيف.. رغم دعواتي لاثنين من زملائي العاملين في الأردن وسلطنة عمان بالعودة لكنهم ما زالوا يفضلون البقاء في الخارج . وبحسب حسين، فان العامل الأمني هو السبب الأول. ويتابع .. في السنوات الخمس الماضية، وما قبلها، كان العامل الاقتصادي مهما في هجرة الأطباء، أما في الوقت الحاضر فقد انتفى هذا العامل . وأضاف.. قارنت مع زميلي المقيم في عمان معدل دخله في السلطنة ودخله في حالة عودته الى العراق فوجدنا ان الفرق ضئيل جدا .

أسباب عديدة

وهاجر الكثير من النخب العلمية والأطباء العراق إبان فترة تصاعد العنف في عامي 2006 و2007 . ويقول حسن ان الإقبال على العلاج في الخارج ظاهرة من أسبابها زيادة القدرة الشرائية والاستقرار الأمني، وغياب الأجهزة المتخصصة في الكثير من مستشفيات العراق .
و يضيف: البعض يذهب للعلاج في الخارج لعلاج أمراض غير مزمنة يمكن علاجها محلياً . ويتابع : ثمة من يقصد الخارج لمجرد إجراء كشوفات عادية أو لإجراء فحوصات وتحاليل . أما رسول معين فقد سافر الى الهند ضمن وجبة مرضى يعالجون على حساب وزارة الصحة عام 2009 .

وتخصص الحكومة العراقية، سنويا مخصصات لنفقات علاج مرضى الأمراض المستعصية في خارج العراق في دلالة على عدم توفر الإمكانية لعلاج مثل هذه الأمراض في الداخل. وبحسب حسن فان عملية جراحية أجريت له في مستشفى (ابولو) في الهند كلفت نحو خمسة آلاف دولار بحسب ما اخبره طبيب هندي . لكن حسن لا يصف العلاج في الهند وكأنه حالة مثالية، فهو يتحدث عن ردهات تغص بالمرضى وصعوبة اللغة، إضافة إلى ان العلاج يتطلب السفر أكثر من مرة إلى الهند في اغلب الأحيان .

لجان طبية متخصصة

وبحسب قسم الصحة الدولية في وزارة الصحة العراقية فان حوالى 5000 عراقي تحملت الدولة نفقات سفرهم للعلاج في الخارج، كلفة الفرد الواحد منهم نحو اربعة آلاف دولار كمعدل.وتقوم لجان طبية متخصصة بتقييم حالة المريض وفيما اذا تستدعي حالته السفر الى الخارج للعلاج.

هل هو ترف ؟

وعلى رغم ذلك فان هناك من يعتبر العلاج في الخارج نوعا من الترف لاسيما تلك الحالات التي يمكن علاجها داخل العراق. ويقول الطبيب علي صاحب في مستشفى الحلة (100 كم جنوب بغداد)، ان العلاج داخل العراق أفضل في حالات كثيرة من العلاج في الدول المجاورة كسوريا و إيران .
ويتابع ....ثمة سلوك مبالغ فيه ناجم عن انحسار الثقة في المستشفى العراقي، ولابد لنا من إعادة هذه الثقة وتأهيل المراكز الصحية.

ويرى صاحب ان المستشفيات في الأردن والهند على سبيل المثال لا الحصر، تنظر الى المريض العراقي كسلعة تجارية، فتجد ان لكل مستشفى أردني أسعارا مختلفة للمريض العراقي، ويصل إيجار بعض الأجنحة إلى 300 دينار بحسب تصنيف المستشفى، في وقت تعود فيه العراقي ان يستخدم مستشفيات بلده طيلة عقود بالمجان، وسط اهتمام أبناء جلدته من الأطباء، وبين أهله. ويتابع ... حدثت حالات كثيرة ان بعض المستشفيات الأجنبية تحجز جوازات سفر المرضى أو مرافقيهم لضمان دفعهم تكاليف العلاج .