ترحيب دولي بتشكيل الحكومة اللبنانية لبنان تجاوز أطول أزمة حكومية بعد انتهاء الحرب الأهلية التيار الوطني: عون إختار أسماء وزرائه وهم من العيار الثقيل |
مرة أخرى أثبت تأليف حكومة لبنان بعد مخاض طويل استمر خمسة اشهر أن هذه البلاد تحتاج إلى رعاية إقليمية ودولية باستمرار لتستقيم أمور الدولة التي يتوزع أبناؤها الولاءات، فيما الولاء للبنان هو الأضعف. ومع تأليف الحكومة بات ممكنا إجراء تقييم في ضوء موازين القوى للربح والخسارة لدى كل من فريقي 14 و8 آذار/ مارس. وتقفز إلى الواجهة في هذه العملية مسألة ذات مغزى عاطفي وجداني، لدى كثيرين من اللبنانيين الذين يرون نجل الرئيس رفيق الحريري رئيساً للحكومة، لا بالتكليف بل بالفعل في مقر مجلس الوزراء في السرايا الحكومي.
بيروت: رفيق الحريري الذي اعتقد قتلته أنهم تخلصوا منه بطن من المتفجرات ذات 14 شباط / فبراير 2005 عاد رئيسا للحكومة عبر نجله سعد الحريري وعاد الجميع مضطرين إلى التعامل معه، بحب أو بغيظ لا يهمّ. وكان قد كُلِّف تأليف الحكومة واعتذر بسبب عراقيل هائلة وضعت في وجهه ثم أعيد تكليفه على رغم انقلاب رئيس quot;اللقاء الديمقراطيquot; النائب وليد جنبلاط على مواقفه والحديث إن قوى الغالبية لم تعد غالبية وبالتالي لن يعود في إمكان الحريري الوصول إلى رئاسة الحكومة إذا اعتذر مرة ثانية .
وفي الواقع كانت اللعبة السياسية وصلت إلى هذا الحد، في الأيام الأخيرة قبل بروز الحلحلة بفعل ضغوط إقليمية، ناتجة من حسابات سورية تحديدا تتعلق بعلاقاتها الدولية، وأملت على حلفائها في لبنان التخلي عن مطالبهم المرتفعة والعودة إلى ما سمي بـ quot;التسهيلquot; ما أتاح تأليف الحكومة بعد طول انتظار. قبل بروز هذا التطور المفاجئ كانت الأوساط المحيطة بالرئيس الحريري بدأت التفكير باعتذار مجددا على ألا يعاود ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة، ما كان يعني دخول لبنان أزمة واحتقانات لها أول وليس لها آخر. فليس أمراً هينا منع نجل رفيق الحريري بقرار خارجي وتنفيذ داخلي من ترؤس الحكومة بعدما محضته طائفته ثقتها شبه المطلقة في الإنتخابات النيابية التي جرت في 7 حزيران/ يونيو الماضي.
وسعد الحريري الذي هو أصغر رئيس حكومة سناً في تاريخ لبنان يعاود بوصوله إلى السرايا إطلاق مشروع والده السياسي والإقتصادي المحوري للبنان، مشروع كان تابعه على قدر المستطاع، وعلى سبيل الأمانة الرئيس فؤاد السنيورة الذي كان الوكيل في انتظار تسلم الأصيل، والذي واجه من التحديات والعقد والعراقيل ما لا يوصف، لكنه أثبت قدرة استثنائية على المواجهة، وبعد أكثر من 4 سنوات ونصف من المعارك السياسية تتاح له للمرة الأولى أن يخلد إلى الراحة.
ولا شك أن تولي الحريري رئاسة الحكومة فعليا سيعيد إلى الطائفة السنية في لبنان شيئا فشيئا ثقة بالنفس وحضورا كانت افتقدتهما إلى حد ما نتيجة ضربات وصدمات متلاحقة تلقتها منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وفي الموازاة أثبتت قوى 14 آذار/ مارس، لنفسها قبل الآخرين أنها أكثرية حقاً، بعد شيوع التشكيك في صفتها هذه حتى باتت هي نفسها تشك في نفسها. لكن اللافت أنها لا تزال تتعرض لخضات بل مطبات نتيجة لعدم تماسكها في جسم واحد واختلاف حسابات مكوناتها، خصوصا المسيحية منها، غير الموحدة والعصية على التوحد حتى لو تطابقت أهدافها، على جاري عادة مسيحيي لبنان مهما تكن الظروف والإعتبارات .
علماً أن مسيحيي قوى 14 آذار عاجزون حتى لو اتفقوا على المصالح والأهداف على مواجهة قرار دولي وإقليمي يقضى بالسير في الحكومة من دون تأخير، خلافا لرغبة أطراف في إرجاء إعلان التأليف أياما قليلة فقط لا تتعدى الثلاثة أو أربعة كي يسجلوا أن مجرد قرار من الرئيس السوري بشار الأسد لا يكفي لتتألف حكومة في لبنان، بعدما تأكدوا أن الرجل طلب من حلفائه فجأة التعجيل والضغط في هذا الإتجاه لتكون الحكومة معلنة قبل زيارة الأسد لباريس في 13 من الجاري، ولأنه كان وعد المسؤولين الفرنسيين بأن تكون في لبنان حكومة قبل هذا الموعد. وعلى هذا الأساس اجتمعت أطياف المعارضة، ولا سيما الرئيس نبيه بري والنائب الجنرال ميشال عون والنائب سليمان فرنجية، في حضرة الأمين العام لـ quot;حزب اللهquot; السيد حسن نصرالله. وعلى الأثر تأكد أن ولادة الحكومة أصبحت مسألة ساعات وهذا ما تحقق فعلاً.
وفي الواقع بدا مسيحيو قوى 14 آذار في وضع المرتاح إلى هذا التطور، خصوصا لأن منافسهم الرئيس، الجنرال عون، أخفق في إخراج التحوّل من الممانعة إلى القبول، فبدا جلياً أن الرجل أصبح في دائرة تحالف محوري تقرر فيه طهران ودمشق.وساهمت زيارة صهره وزير الطاقة الحالي جبران باسيل لسورية في تثبيت هذا الإنطباع لدى الرأي العام غير المسيّس في بيئته، رغم تأكيده أن الزيارة التي رافقه فيها الوزير السابق ميشال سماحة القريب من الرئيس الأسد، كانت زيارة محض اجتماعية، لتعزية وزيرة المغتربين السورية بثينة شعبان بوفاة والدتها.
في المقابل عرف مسيحيو الغالبية أن يظهروا دوماً بجانب البطريرك الماروني، في خطها التاريخي ومحورها السياسي، كما كانت quot;الجبهة اللبنانيةquot;، وبعدها quot;لقاء قرنة شهوانquot;. وهذا مكسب، كما يعرف المطلعون على التوجهات السياسية ndash; العاطفية في شارع ما يسمى بـ quot;المجتمع المسيحيquot; وصالوناته، كما أنه quot;شيكquot; يُصرف في أي انتخابات، أجامعية كانت كما في الجامعة اليسوعية، أم نقابية.
وتتحضر قوى 14 آذار بمجمل مكوناتها لتوجه المجتمع الدولي بممثليه وأركانه إلى المسؤولين اللبنانيين بعد تأليف الحكومة سائلاً إياهم جدياً عن التزامات بيروت حيال القرارات الدولية بعد اكتمال قوام المؤسسات الدستورية التي انتظرها العالم طويلاً. فلدى لبنان اليوم رئيس للجمهورية في قصر بعبدا، ومجلس نواب منتخب، وحكومة مكتملة المواصفات غير مطعون في شرعيتها، لا موقتة في انتظار انتخابات. لم يعد التهرب من الإجابات ممكناً، والسؤال يقود آلياً إلى البحث في موضوع السلاح غير الشرعي، جدياً هذه المرة وليس كما سبق.
والسلاح أصبح على الطاولة للبحث لا للتهديد الذي ثبت عدم جدواه، وذلك بفعل مواقف بطريرك الموارنة نصرالله صفير الذي يؤكد يوماً بعد يوم لزواره أنه لن يتراجع عن إثارة الموضوع والحض على التوصل إلى حل له، لخطورة السلاح غير الشرعي على حاضر لبنان ومستقبله، خطورة توازي في رأيه ما كان عليه سلاح التنظيمات الفلسطينية وما تلاها من مقاومات هنا وهنالك منذ ستينات القرن الماضي. وهذه معركة سياسية ndash; إعلامية، قائمة وإلى تصاعد، سواء بوجود حكومة أو بلا حكومة.
لكن هذا لا يعني أبدا أن فريق المعارضة لم يحقق خطوة مهمة إلى الأمام على حساب منافسته قوى الغالبية . فتأليف هذه الحكومة جاء بعد سلسلة أحداث وتطورات كرست إلغاء نتائج الإنتخابات النيابية التي فاز فيها فريق الغالبية . ولا بد من اعتراف قوى الغالبية، مجتمعة ومنفردة، بمسلميها ومسيحييها، بسلسلة خسارات لحقت بها على التوالي : من انتخاب الرئيس نبيه بري بلا قيد ولا شرط رئيساً لمجلس النواب مجددا، إلى مواقف جنبلاط التي أتاحت الكلام الكثير على انفراط عقد قوى 14 آذار، واليوم يدور الحديث عن الموضوع مجددا مع بروز مواقف رئيس حزب الكتائب، الرئيس السابق للجمهورية أمين الجميّل المستاء من ضآلة حصة حزبه في الحكومة، ( وزير واحد لوزارة لا يعتبرها الحزب مهمة هي الشؤون الإجتماعية ) .
إلى ذلك شكلت صيغة الـ 15 +10 +5 التي قامت عليها الحكومة في الأساس انتصارا لقوى 8 آذار مارس لأنها تبطن استعادة الثلث المعطل للقرارات التي لا تعجب المعارضة أو لا تلائمها، ثم هناك عودة سورية بالواسطة إلى أداء دور حاسم في حل خلافات اللبنانيين. والأهم الأهم تمكّن قوى المعارضة من تعطيل دور رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لمصلحة النائب الجنرال ميشال عون.
لكن الجنرال عون لا يمكنه أن يرتاح إلى تسجيله هذه النقاط، فهو يدرك أن معاركه لا تنتهي، وقد أضيفت إليها مسألة وضع داخلي وفي quot;تيارهquot; استلزم منه الإستعانة باثنين من خارج هذا quot;التيارquot; لتوزيرهما إلى جانب صهره، وخصوصا أن الشعار الذي رفعه quot;لعيون جبران باسيل ما في حكومةquot; لم يكن موفقا، لا على مستوى شعبية quot;التيارquot; ولا على مستوى شعب لبنان والعالم كله.
التعليقات