بقلم كريم بقرادوني*
كريم بقرادوني |
طغت الانتخابات النيابية على ما سواها من هموم اللبنانيين الكثيرة وبخاصة الهم المالي والاجتماعي وقد قاربت المديونية العامة الخمسين مليار دولار. لكن اللبنانيين مهووسون بالانتخابات الى حد انهم ينسون معها كل مصائبهم ما إن تلوح في الافق انتخابات رئاسية او نيابية او حتى بلدية أو اختيارية. وتشير الاستطلاعات الى ان نسبة المشاركة في الانتخابات النيابية المحددة في 7 حزيران/ يونيو المقبل، ستكون مرتفعة ، وبخاصة مشاركة المغتربين المرتقب وصولهم بكثافة.
في موازاة اقبال الناخبين الى الاقتراع نشهد اقبالاً غير مسبوق على الترشيح. فقد أقفلت بورصة الترشيحات في الثامن من نيسان/ أبريل الجاري على رقم 702 يتنافسون على 128 مقعداً اي بمعدل أكثر من 5 مرشحين عن كل مقعد، وهذا رقم قياسي لم تشهده الترشيحات من قبل. صحيح انه من المتوقع ان يسحب البعض ترشيحهم قبل 22 نيسان الجاري، موعد اعلان لائحة المرشحين بصورة رسمية ونهائية، غير ان نسبة الترشيح ستبقى مرتفعة على غرار نسبة الاقتراع المتوقعة .
ويبدو ان التهدئة الاقليمية الجارية بين السعودية وسورية، واعادة التواصل بين واشنطن وكل من دمشق وطهران ستساعدان في اتمام الانتخابات النيابية في موعدها وبصورة هادئة. كما يضطلع رئيس الجمهورية ميشال سليمان بدور محوري بعدما امتنع عن دعم ترشيح المقربين منه، وعن خوض المعركة الى جانب طرف دون الآخر، ما يخوله ضمان إجراء انتخابات سليمة ونزيهة.
لقد عبّر رئيس الجمهورية عن تطلع الاكثرية الساحقة من اللبنانيين عندما افتتح المبنى المخصص لهيئة الاشراف على الحملة الانتخابية فأطلق ثلاث مسلمات اساسية فقال: quot;حاربوا المال الانتخابيquot;، وquot;اضمنوا حرية التعبير ومكاناً للمناقشةquot;، واحرصوا ان يكون السباق quot;تنافساً وليس تناحراًquot;.
ان نزاهة الانتخابات مرتبطة بمدى مكافحة المال ومنع اثارة النعرات المذهبية والطائفية، لكن النتائج تبقى عصية على كل التوقعات بسبب الفارق الضيق بين كتلتي الأكثرية والمعارضة. وتشير الاستطلاعات الى احتمالين متقاربين: محافظة الأكثرية على أرجحية ضيقة بحدود اربعة او خمسة نواب أو فوز المعارضة بأرجحية محدودة وموازية، وفي الحالين لا يمكن لمثل هذه الاكثريات الضيقة ان تحكم لبنان الذي لا يُحكم بمنطق العدد، اي بمنطق النصف زائد واحد، بل يشترط الميثاق الوطني توافر شيء من التوافق ، فهل هذا الامر متوافر؟
في الظاهر يبدو التوافق مستبعداً، فمن اصل 128 نائباً لم تتم التزكية الا حول نائب واحد هو هاغوب بقرادونيان ، مرشح الارمن الارثوذكس عن حزب الطاشناق في دائرة المتن الشمالي، ولم يحصل التفاهم بين فريقي 8 و14 آذار/ مارس الا في دائرة واحدة، هي الدائرة الثانية في بيروت، وكانت مدار اتفاق في مؤتمر الدوحة.
بالطبع سيناريوهات الانتخابات كثيرة ومليئة بالمفاجآت ، وقد يكون السيناريو الذي توقعته هو الأقرب الى الواقع بحيث سيكون الربح بفارق بسيط والخسارة بفارق بسيط، ما يحمل الرابح والخاسر على المشاركة في حكومة اتحاد وطني.
اني اطمح لمرة ان تحمل الانتخابات معالم تغيير حقيقي. ليت المرشحين يتذكرون وعودهم الانتخابية بعد انتهاء الانتخابات! وليت المواطنين ينتخبون ممثليهم على اساس البرامج والمشاريع فتحق لهم المساءَلة! غير ان الواقع مغاير: المرشحون يتقدمون بالبرامج وهم يدركون انها quot;ماكياجquot; خارجي، والناخبون يختارون مرشحهم على أساس الصلات العائلية والخدماتية حيناً، والمصلحة الذاتية والرشوة احياناً.
ولا يخفى على احد ان الديمقراطية في لبنان ما زالت في طورها البدائي حيث يسود الفكر القبائلي على حساب الفكر المؤسساتي، علماً بأني من المقتنعين ان اسوأ ديمقراطية هي افضل من أحسن ديكتاتورية مهما كانت مستنيرة .
ان النظام اللبناني لا يحتاج الى معركة قبائلية اضافية، بل هو بحاجة الى معركة لدخول الالفية الثالثة، والتحرر من النظام الطائفي، وولوج واحة الديمقراطية الصحيحة التي يستحقها الوطن ويتطلع اليه اللبنانيون ، وبخاصة الشباب منهم .
في أعماق كل شاب حسرة لرؤية الانتخابات تسير على قاعدتي: الولاء للزعيم والوراثة العائلية، وهو محبط نتيجة شعوره المسبق ان الانتخابات لن تبدل شيئاً، وأن السياسيين سيحكمون على هواهم خارج اي رقابة نيابية او شعبية.
والحقيقة ان الشباب اللبناني يستحقون انتخابات نيابية غير التي تحصل في الوقت الراهن.
* وزير سابق ورئيس سابق لحزب الكتائب اللبنانية.
التعليقات