يعتبر شهر رمضان هو الشهر الوحيد الذي تتباري فيه الأسر المسلمة في مشارق الأرض ومغاربها في التفنن في إعداد الأطعمة الشهية ،دافعهم في ذلك هو فرحة الإفطار بعد صيام يوم طويل حيث تنفتح الشهية لأكل كل مالذ وطاب.
رغم أن الإسراف في الطعام ليس محببا على الإطلاق، وليس له علاقة بشهر الصوم، إلا أن الغريزة البشرية تعرف معرفة اليقين أن الطعام والشراب هما العاملان الأكثر أهمية في إبقاء الإنسان على قيد الحياة ،وهذا أكبر دليل على أهمية الطعام للإنسان ليس هذا فقط لكنه أيضا ووفق الباحثين له دور كبير في إحداث الروابط البشرية بين الناس وتقوية أواصر الصداقة ـ لذلك نجد أن له دور قوي في المناسبات الاجتماعية والأعياد الدينية ،فمائدة الإفطار في رمضان ظلت على الدوام عنصر فعال في تجميع أفراد الأسرة ، لذلك فإن الحرص على إعداد مائدة طعام شهية بغض النظر عن المناسبة ، فإن من شأن ذلك المساعدة على تلطيف الأجواء سواء كان في محيط الأسرة أو العمل وعقد الصفقات ، فرجال الأعمال يفضلون إنهاء وتوقيع الصفقات التجارية على موائد الطعام .
الطعام أيضا يلعب دورا خاصا في علاقات الحب والجنس وهو عامل أساسي في خلق أجواء مريحة في إنجاح علاقات المحبين . يرى الكاتب الفرنسي quot;جان انزيلمي بريلاتquot;أن شخصية الشخص هي انعكاس لما يأكل فهو يقول ..quot;قل لي ماذا تأكل أقول لك من انت quot; ..وهي مقولة تلخص باختصار أن شخصية الإنسان تبدو للآخرين من خلال ما يتناوله من طعام وكذلك من طريقة تناوله للطعام مرورا بآداب الطاولة وطريقة إعداد الطعام . لهذا لا ينفصل الطعام الجيد عن شهر رمضان فالمائدة تتنوع وتختلف من أسرة الى أسرة وفق الدخل والثقافة والعادات وأسلوب حياة الأسر ، فالطعام بشكل عام له ثقافة وآداب ترجع الى بداية معرفة الإنسان بطرق طهي الطعام وذلك قبل مليون ونصف المليون عام . ترسخت ثقافة الطعام لدى البشر جيل بعد جيل ،وأصبح لكل قومية أو أمة طريقتها الخاصة في إعداد الطعام وتناوله . فالأطعمة تتنوع وتختلف وفق اختلاف وتنوع ثقافات الشعوب ، وطريقة طهي الطعام هي كذلك تختلف وفق اختلاف ثقافات وشعوب العالم في مختلف القارات .
يرى خبراء التغذية أن توصل الجنس البشري الى معرفة طهي الطعام هو راجع بالدرجة الأولى الى ذكاء الإنسان الذي يميزه عن الحيوان ، إن الفرق مثلا بين القرد والإنسان هو طريقة طهي الطعام وليست تلك الفروقات المعروفة مثل أن يمشي الإنسان مستقيما والقرد على أربع ، أو أن الإنسان يستطيع التفاهم بانسيابية مع بني جنسه عن طريق اللغة ، إنما ثقافة الطعام وطريقة طهيه والاستمتاع بتذوقه هو شيء لا تستطيع الحيوانات حتي الآن الوصول إليه ، فالحيوانات كما هي منذ أن خلقها الله ما زالت تتغذى على أوراق الأشجار والحشرات واللحوم النيئة ،أما البشر فقد توصلوا إلى طهي الطعام وتذوقه وقد ساعد ذلك كثيرا في تطور الإنسان فانكمشت معدته وقل حجمها وقد كانت كبيرة وضخمة قبل مليون سنة من جراء تناول اللحوم النيئة أم بعد تناول الطعام مطهوا ،فإن الجسم أصبح قادر على امتصاص الطعام بسهولة ، فتحسن شكل جسمه وصغرت معدته وكبر دماغه نسبيا مما أعطاه شكلا اكثر إيجابية عن ذي قبل .
في الفنون شكّل الطعام أيضا وثمار الفاكهة الجميلة مصدر الهام للعديد من الفنانين والرسامين فكثير من اللوحات الفنية برع فيها الرسامون في تصوير أطباق الطعام والفواكه على أنها عمل ابداعي ، حتي قبل ألاف السنين وفي الحضارات القديمة أظهرت أعمال الفنانين الطعام على انه أحد أهم عناصر الحياة للبشر،بل أن علماء الأنثروبولوجيا يستطيعون تتبع المناطق التي هاجر منها الإنسان بتحليل الاسترانسيوم الموجود في أسنان التي يعثر عليه في المقابر القديمة . استطاع كذلك الدارسون التعرف على خصائص الشعوب والحضارات والتوصل إلى معرفة الشخصيات البشرية عن طريق تتبع طعامهم وعاداتهم الغذائية ،لأنهم يرون في ذلك أن الطعام هو تعبير عن الفردية الذاتية للإنسان .
أصبح وزن الإنسان الناتج عن التغذية هو الآخر مقياسا للصحة العامة للانسان ، ففي ألمانيا على سبيل المثال يرى المتخصصون أن واحد من كل ثلاثة ألمان هو الذي ينفرد بوزن صحي يوافق المعاير الدولية الصحية في حين أن الآخرين لا يتمتعون بهذه الصفة ويري العلماء إن حياة الرفاهية وتوافر الغذاء وقلة الحركة وكذلك التعب النفسي يحدث خللا في الوزن يرجع الى طريقة تناول الإنسان للطعام أي يحدث له شراهة في طريقة تناول الأطعمة ولا يتوقف عنها ، على سبيل المثال كانت الإمبراطورة سيسي تعاني من شراهة تناول الأطعمة بشكل لم تفلح فيه محاولاتها التوقف عن ذلك ،وكذلك الملك البافاري لودفيج الأول لم يكن يشبع على الإطلاق، وحكي ايضا على ان الملك فاروق توفي في ايطاليا وهو يلتهم كميات كبيرة من الطعام، وفي العصر الحديث هناك آلاف الأمثلة من المشاهير وغيرهم الذين يرتبطون بعلاقة وثيقة بالطعام الذي أصبح يشكل عاملا أساسيا في حياتهم لا يستطيعون الانفكاك منه.
التعليقات