&
احتفل زياد الرحباني بأعوامه الـ 59 بحفلات في المركز الثقافي الروسي في بيروت، لتكون حفلات وداعية للبنان، الذي قرر مغادرته نهائيًا والانتقال إلى روسيا.
بيروت: بلغ زياد عاصي الرحباني، ابن فيروز الغنيين عن التعريف، من العمر عتيًا. فهو يقف على مشارف ستينياته، فلا يرى أن "إيه في أمل" تنفع بعد في هذا البلد الملبّد دائمًا بغيوم طائفية سوداء، لا شتاء فيها ولا ربيع بعدها.
&
قرف عام
يقف الرحباني الصغير واليأس على قسماته، بعد عقوده الأربعة التي أمضاها في الفن اللبناني، مسرحًا وأغنيات وإذاعة. أخيرًا يئس من عاش اللبنانيون على أمل مسرحية جديدة، يؤلفها و"يلحّمها"، ليستشفوا منها ما سيؤول إليه الأمر اللبناني. اليوم، ومع بلوغه التاسعة والخمسين، قالها الرحباني صراحة موسيقية: "59 بزيادة".
قرف الرحباني من الوضع في البلد لا يضاهي قرفا لبنانيا عاما، ربما كان هو سببًا لجزء منه. فالرحباني منذ عامين ونيف يتخذ موقفًا لا توافقه فيه شريحة واسعة من اللبنانيين، بينما تقف خلفه شريحة لا تقل اتساعًا. فقد اتخذ جانب الممانعة العربية، والمقاومة الاسلامية، والنظام السوري، مطلقًا قلمه في جريدة الأخبار، التي تعتبر الناطق غير الرسمي باسم حزب الله، ليقول رأيًا نفّر منه كل الفريق "الثاني"، كما يسميه.
&
دهمه الخطر
"59 بزيادة" صرخة موجعة من الرحباني، أطلقها موسيقيًا وغنائيًا في حفلات ثلاث، أحياها في المركز الثقافي الروسي، أرادها رسالة واضحة إلى الجميع، حتى إلى حلفائه في حزب الله، يقول فيها: "خلص، خلصنا، أنا فالل من البلد بآخر الشهر"، معلنًا هجرته إلى روسيا، حيث سيعمل هناك.
لا يريد الرحباني أن يمضي آخر خمسينياته في لبنان، لأنه كما قال في مقابلة صحافية على هامش حفلاته، "عرفت فجأة إنو أفضل إنو فِل أو بيبقى معي مرافقين كل الوقت، وهذا اللي ما عملته بالحرب".
لم يكن قرار "الفلة" ابن ساعته، فهو يفكر فيه منذ زمن، إلا أن حفلة 23 آب (أغسطس) الماضي في الناقورة الحدودية كانت القشة التي قصمت ظهر البعير.
في تلك الحفلة، طلب الرحباني من الحاضرين تصويرها ونقلها عبر مواقع التواصل الإجتماعي، "بس من بين 100 شخص صوّروا الحفلة، ما طلعت تاني يوم ولا صورة واحدة على الإنترنت، كأنو كان في مين عم يشوَّش على الحفل عن قصد، وهي مش اول مرة". قالها الرحباني بمرارة من تأكد ان الخطر يداهمه. وليس الخطر في قاموس الرحباني مرادفًا للموت وإنما هو مرادف للشعور بأنه مُراقب أمنيًا.
&
هربًا من المراقبة
الرحباني "فالل" آخر الشهر، "فالل" هربًا من هذه المراقبة التي يشرح حيثياتها، تلميحًا حينًا وتصريحًا حينًا آخر. يقول في مقابلة أخيرة إن خلافًا وقع بينه وبين "الأخبار"، قرأه بالتفصيل على أحد المواقع الإلكترونية، رغم أن المخابرة حدثت حصرًا بينه وبين رئيس تحرير الصحيفة، كتبوا أنه على خلاف مادي مع الجريدة وسيتركها ليعمل مع الروس مباشرة.
وفي حفل الناقورة نفسه، وجه زياد انتقادًا لحزب الله. قال: "ما بقى فيكُن تغمضوا عيونكُن عن إنو في غيركن بالجنوب. مش تقولوا الأهالي ساعدوا، وكل الجنوب حارب والأهالي وأحبائي، يا أخي في ناس إلُن أسامي فجّروا إذاعة لحد، وفي وحدة إسمها سُهى بشارة فاتت قوَّصت عَ واحد وبدون ولا إعانات من ولا دولة، كانوا يركّبوا العبوة شقفة شقفة ويفجّروها، يعني طريقة بدائية جدًا"، في إشارة إلى الشيوعيين الذين كانوا يقاومون إسرائيل باللحم الحي. ثم يتكلم عن تشويش تعرض له في صور، ولم يكن المشوِّش هذه المرة إسرائيل.
&
نقد حزب الله
وينادي الرحباني حزب الله قائلًا: "بتمنى من حزب الله إنو يرد عَ الشي اللي حكينا في، لأنو نحنا متهمين بحزب الله، والعالم تعيّرني بحزب الله".
يضيف: "ما عاد فيك تدافع عن حزب الله، التحرير شغلة بالحياة، بس في شي إسمو مجتمع بصور. صور مدينة طبيعية عملنا فيها بالـ 2009 بيتش بارتي برمضان، عَ الإفطار كانت الناس عم تشرب عَ البحر، والصبح رحنا أكلنا فول حتى مرق الطبَّال".
يسأل: "شو بتشكي صور نموذج للجنوب مثلاً؟! كيف بدنا نعمل مع الحلفاء إذا حزب الله حليفنا مثلاً؟ الشيعة اللي بالجنوب المعارضين للحزب، بس يعرفوا إني مسيحي ومع حزب الله، بصيروا يضحكوا عليي، إنو طلاع شوف شو في بالجنوب".
فالرحباني، على الرغم من ممانعته، لم يكن يومًا نصيرًا للون الواحد، ولا للحزب الواحد، ولا للصوت الواحد. فهو بقي في بيروت "الغربية" لأنها كانت مختلطة ايام الحرب، ولم يلذ ببيروت "الشرقية" المسيحية آنذاك لأنه يفضل هذا الاختلاط.
والخاتمة، خاتمة أحزان الرحباني، هي في قراره: "بدّي فل على روسيا خلص، قرفت من هون، بروسيا بيعرف الواحد حالو شو عم يشتغل، وعندي مشروع مع تلفزيون روسيا اليوم رح إشتغل عليه من هونيك".
&
التعليقات