يسود جدل حاد في النمسا حول خطط حكومية لتعديل قانون بشأن الإسلام معمول به في البلاد منذ قرن، يضيّق على المجموعات الدينية ويسائلهم عن مصادر تمويلهم.

بيروت: تحظر مسودة جديدة لقانون المجموعات الدينية في النمسا، والتي تهدف إلى مواجهة التشدد الإسلامي، أي تمويل أجنبي للمساجد أو الأئمة. غير أن منظمة المجتمع الإسلامي الرسمية في النمسا تقول إن القانون يعكس انعدام ثقة بالمسلمين، ولا يعاملهم بمساواة.

وبموجب القانون، يتمتع المسلمون، كما هو الحال مع الكاثوليك واليهود والبروتستانت، بالكثير من الحقوق، بينها التعليم الديني في المدارس الحكومية.

يعكس الواقع!

يعيش في النمسا نصف مليون مسلم، يمثلون 6% من تعداد السكان، ينتمي كثير منهم إلى أصول تركية وبوسنية.

تقول كارلا أمينة باغاجاتي، من منظمة المجتمع الإسلامي: "القانون القديم كان نموذجًا يحتذى في أوروبا، وأسهم في دمج المسلمين بالمجتمع النمساوي، وأظهر كيف أن الاعتراف بالإسلام يجعل المسلمين يشعرون بأنهم مقبولون في المجتمع، ومن ثم أصبح ولاؤهم للدولة تلقائيًا".

وتحذر منظمة المجتمع الإسلامي من إساءة استغلال المتشددين للقانون في صيغته المقترحة. وبعد أكثر من مئة عام على إقرار القانون، يرى كثيرون أنه بحاجة إلى تحديث ليعكس الواقع المعاصر في النمسا. غير أن بعض بنود مسودة القانون الحكومي الجديد أثارت جدلاً، لاسيما الجزء الخاص بحظر أي تمويل أجنبي للمساجد والأئمة، الذي تقول منظمة المجتمع الإسلامي بإنه يتنافى مع مبدأ المساواة.

إسلام نمساوي

قال سبيستيان كورتس، وزير الشؤون الخارجية النمساوي، إن الحظر ضروري، "فبالنسبة للأديان الأخرى، لا يتوافر قدر التحدي الذي نخشاه من تنامي النفوذ من الخارج، ومن ثم لا بد من تشديد الرقابة على التمويل". واضاف: "نريد شكلًا نمساويًا من الإسلام. لابد أن يكون كل مسلم في النمسا قادرًا على ممارسة شعائره الدينية على أكمل وجه، لكننا لا نريد نفوذًا أو سيطرة من خارج البلد".

وتعتبر العلاقة بين المسلمين والغالبية الكاثوليكية في النمسا هادئة مقارنة بالكثير من الدول الأوروبية الأخرى، لكن هناك توترات. فحزب الحرية اليميني المتشدد يسعى إلى التحذير مما وصفه بـ"الأسلمة".

وقال هليفغ ليبينغر، نائب الحزب عن منطقة فيينا: "الكثير من المسلمين في فيينا أجانب للغاية لا يمكن دمجهم في المجتمع، فالنساء يرتدين النقاب، وهم لا يريدون أن يصبحوا نمساويين حقيقيين. بل يريدون أن يكونوا أتراكًا".

فتيات غلاف الجهاد

تنامى القلق أخيرًا بعد تقارير عن مسلمين من النمسا انضموا إلى جماعات جهادية في العراق وسوريا، بينهم المراهقتان سابينا سليموفيتش (15 عامًا) وسمرة كيسينوفيتش (17 عامًا)، أطلق عليهما الإعلام النمساوي اسم "فتيات غلاف الجهاد".

وقالت الحكومة النمساوية في آب (أغسطس) الماضي إن التشدد الإسلامي آخذ في التزايد. وقال مسؤولون إن نحو 150 شخصًا من بينهم 44 مواطنًا استراليًا غادروا البلاد للانضمام لتنظيم الدولة الاسلامية. وقالت غودران هارير، من صحيفة دير ستاندارد، إن التشدد مشكلة لكنه ليس موضوعًا لقانون الإسلام في النمسا. أضافت: "الأمر ليس تحولاً من فهم جيد للإسلام إلى التشدد، بل من لا شيء إلى التشدد".

مبالغة وانتهاك

انتقد خبراء دستوريون نمساويون مسودة القانون، قائلين إن بعض موادها لا تعامل المسلمين بمساواة. وقال ستيفان هامر، من جامعة فيينا: "في الوقت الذي تسعى الحكومة إلى حظر أي تبرعات من الخارج، يصبح فرض حظر شامل على التمويل الأجنبي للجاليات الإسلامية إشكالية كبيرة من الناحية الدستورية، فتمويل المجموعات الدينية جزء من شؤونهم الداخلية، وهذا لا يعني أن الدولة قد لا يعنيها الأمر في ذلك، لكن يجب أن يكون بطريقة منسقة".

ويعتقد أن الجماعات الدينية الأخرى والكنائس تتلقى تمويلًا خارجيًا، مثل الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، لذا فإن التفرقة بين الأديان ستكون مبالغة واضحة، بحسب هامر، وانتهاكاً صارخاً لمبدأ المساواة في التعامل.

يستغلها المتشددون

وتقول باغاجاتي إن مسودة القانون الجديد تسودها روح انعدام الثقة، التي تخشى أن يستغلها المتشددون، "الذين يستغلون مسألة الهوية ويقولون للناس (أنظروا إلى المجتمعات الأوروبية، لن تكونوا على نفس المستوى، ولن يقبلوكم، فتعالوا وانضموا الينا)".

واستطردت: "هذا خطير للغاية، علينا أن نساعد الشباب ليجدوا هويتهم، والقانون يعد أحد العوامل في بناء هذه الهوية. لقد ساعد القانون في الماضي ونحن نريده أن يساعد في المستقبل". ويقول عمر الراوي، من منظمة المجتمع الإسلامي: "إذا لم تتغيّر الأجزاء المثيرة للجدل في القانون، فسوف نبحث خوض معركة في المحكمة الدستورية النمساوية".