كشف تقرير أعدته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" عن أن بريطانيا رفضت عام 1932 عرضًا من جانب المملكة العربية السعودية بالسماح لها بالتنقيب عن النفط في أراضيها مقابل منحها قرضًا يساعدها على تجاوز تداعيات موجة الركود الاقتصادي العالمي في تلك الفترة.
أشرف أبو جلالة: في ربيع ذلك العام، كان الملك عبد العزيز، الذي كان يعرف بـ "ابن سعود"، يستعد للإعلان عن تأسيس مملكة موحدة جديدة للسعودية، ولضمان الحصول على دعم القوة العالمية، بريطانيا العظمى، بعث بإبنه فيصل في جولة أوروبية شملت العاصمة البريطانية لندن.
وصل فيصل بلدة دوفر يوم السبت الموافق 7 أيار (مايو) من عام 1932، وتم نقله بعدها بفترة قصيرة إلى فندق دورتشستر، الجديد حينذاك في لندن. وبعد مقابلة صباح يوم الاثنين مع جورج الخامس، قضى معظم زيارته في تمضية أوقات الفراغ، حيث قام بنشاطات عدة، من بينها زيارة إحدى مزارع الخيول في ساري، ومتحف هيندون التابع لسلاح الجو الملكي.
عسرة مالية
وقالت البي بي سي إن فؤاد بك حمزة، الذي كان يعمل مستشارًا خاصًا للملك السعودي، هو من أثار موضوع القرض المالي مع الموظف المرموق في وزارة الخارجية البريطانية حينها سير لانسيلوت أوليفانت. وكانت السعودية تمر في تلك الفترة بأزمة مالية، نتيجة تراجع الإيرادات الخاصة بموسم الحج، وانتشار شكوك حول ما إن كانت المملكة تحظى بأي احتياطات نفطية، على غرار تلك التي اكتشفت في الجارتين إيران والعراق.
لكن أوليفانت تحدث عن وجود صعوبات بشأن القرض نظرًا إلى وجود الكثير من القلاقل والاضطرابات على الصعيد الاقتصادي. وكشف حمزة في سياق عرضه لطلب القرض عن أن السعودية لا تحتاج سوى 500 ألف إسترليني على هيئة ذهب (عشرات الملايين من الجنيهات الإسترلينية بقيمة اليوم). واكتفى أوليفانت بالقول إنه سيتشاور مع الجهة المختصة.
ورغم تطرق الحديث بينهما إلى ثمة ملفات وموضوعات أخرى، إلا أن حمزة عاود ليتحدث عن موضوع القرض مرة أخرى، مؤكدًا أن النظام السعودي يتطلع إلى نيل الدعمين المادي والمعنوي من بريطانيا.
مغامرة تفوق الإمكانات
هنا رد أوليفانت بقوله: "قد تتردد الشركات البريطانية في قبول تقرير لم يشرف على وضعه خبير بريطاني (في إشارة منه إلى تقرير أعدّه في ذلك الوقت مهندس أميركي عن الموارد المعدنية في جزيرة العرب). وأنا إذ أتشكك في مدى جهوزية الشركات البريطانية للمغامرة برؤوس أموالها في بلد لا يُعرَف عنها الكثير من المعلومات في الوقت الراهن".
ثم أخذ الحوار بينهما منحنىً غير دبلوماسي، ووصف حمزة رفض بريطانيا لطلب القرض بأنه "مرارة وخيبة أمل شخصية كبيرة"، مضيفًا أنه لا يملك أي بديل سوى البحث في مكان آخر.
ربما كان بالإمكان تخيل مشاعر أوليفانت، الذي تعامل مع الطلب السعودي بقدر من التعالي الاستعماري والحذر الشديد، بعد سماعه يوم 31 من شهر أيار (مايو) أن منقبين أميركيين اكتشفوا احتياطات نفطية في البحرين قبالة الساحل السعودي. ليوافق الملك عبد العزيز خلال عام على تسليم امتياز للبحث عن النفط السعودي إلى كونسورتيوم أميركي، حيث كُشِف هناك عام 1938 عن أكبر احتياطي في العالم من النفط الخام.&
سيرة ذاتية
تجدر الإشارة إلى أن فؤاد بك سعودي من مواليد لبنان في نهاية القرن التاسع عشر، ورغم أنه لم يعش أكثر من خمسين عامًا بقليل، إلا أنه أثرى بلاده بالعديد من المواقف السياسية والدبلوماسية، إذ عمل في مناصب مهمة عدة في الدولة، أعلاها حين كان مترجمًا ومستشارًا لدى مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبدالعزيز، وأيضًا تولى أعمال مديرية الشؤون الخارجية، ثم عمل وكيلًا للشؤون الخارجية، ومنح لقب سفير، وهو أول منصب سفير للسعودية، ثم وزير دولة.
وعيّن وزيرًا مفوضًا في باريس، ثم في أنقرة، وقام برحلات ومهمات دبلوماسية عديدة، من أبرزها سفرة إلى القارة الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية للتعريف بسياسة المملكة ومنهجها، وشارك برئاسة الملك عبدالعزيز في مؤتمر لوبن للتفاوض مع الملك فيصل ملك العراق، كما تولى مفاوضات، وصاغ اتفاقات، واضطلع بأعباء مهمات خاصة، ويملك صورة حقيقية عن شخصية الملك عبدالعزيز، كما إن له صلة وثيقة بسائر أمراء البيت السعودي وحكام المناطق والأعيان.
ولفؤاد بك عدد من المؤلفات، منها قلب جزيرة العرب. البلاد العربية السعودية. وكتاب في بلاد عسير، وآثار الجزيرة العربية قبل الإسلام. وهو كتاب مخطوط كتبه قبل وفاته.
&
التعليقات