&تشكّل زيارة الرئيس العراقي الجديد فؤاد معصوم للسعودية نقطة تحوّل في العلاقة بين البلدين بعد سنوات من الجفاء خلال فترة نوري المالكي، بحسب ما يرى محللون سعوديون تحدثوا لـ"إيلاف" عن أهمية تلك الزيارة، مبدين تفاؤلهم بأن تفتح الباب أمام تحسن كبير في العلاقة بين الرياض وبغداد.

الرياض: اعتبر محللون سعوديون زيارة الرئيس العراقي فؤاد معصوم إلى العاصمة الرياض، بمثابة الخطوة الأولى التي من شأنها أن تعيد العراق إلى الحضن العربي بعد عقود من التغريد خارج السرب، حيث تعد الزيارة الأولى لمعصوم لدولة عربية منذ توليه منصبه في يوليو الماضي، مؤكدين إن الاتصالات الدبلوماسية بين الدول العربية أي كان نوعها وأهدفها، هي مسارات ايجابية من شأنها تقليل الخلافات وتقريب المسافات.

استقبل العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز الرئيس العراقي مساء أمس الثلاثاء في قصره بالرياض حيث كان بمعيته وزير الخارجية إبراهيم الجعفري ووزير المالية زيباري ووزير الداخلية محمد سالم، فيما حضر من الجانب السعودي، ولي ولي العهد الأمير مقرن بن عبد العزيز، ووزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، والأمين العام لمجلس الأمن الوطني الأمير بندر بن سلطان، &ورئيس الاستخبارات العامة الأمير خالد بن بندر .

ترميم ما أفسده المالكي

الكاتب السياسي السعودي، الدكتور زيد الفضيل، أكد إن الزيارة تأتي في إطار ترطيب العلاقات بين الدولتين الجارتين، وإفساح المجال لبناء علاقات جديدة وجيدة، بعد عقود من الخلافات بسبب سياسات رئيس الوزراء السابق نور الدين المالكي، الذي لم يكن متوازنا في علاقته مع إيران.

وأشار الفضيل في حديثه لـ "إيلاف" إلى إن المملكة ليس لها أي هدف سوى أن يتخذ العراق موقفا متوازنا إزاء العلاقات جيرانه، بحيث انه لا يصطف مع احد ضد احد، لاسيما مع إيران التي لديها خلافات سياسية عديدة مع دول المنطقة .

وأوضح الفضيل إن زيارة معصوم للمملكة قد تكون تمهيدا لزيارة حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي والتي رحبت السعودية بانتخابه وهي بادرة طيبة من شأنها ان تعيد العلاقات إلي مسارها الصحيح، مبينا إن معصوم يحمل العديد من الملفات، التي يأتي في أبرزها التنسيق ضمن تحالف الحرب على داعش، فضلا عن أن زيارة معصوم تحمل الكثير من الإشارات الايجابية وقد تكون خطوة اكبر في تعميق العلاقة &ضمن إطار دول مجلس التعاون الخليجي مع الجارة المجاورة إيران.

تقارب تكتيكي أم استراتيجي

المفكر السعودي الدكتور توفيق السيف، أوضح إن زيارة فؤاد معصوم للسعودية هي ذات فوائد جمة، حتى وإن لم تحقق أهدافها المرجوة، واستطرد قائلا &إن الاتصالات الدبلوماسية، مفيدة حتى لو كانت مع العدو فضلا عن الجار.

وأضاف قائلا: وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قطعت في زياراتها الدبلوماسية ثمانية ملايين ميل خلال أربع سنوات، وهي حركة لاشك هائلة في الجهاز الدبلوماسي وتعتبر احد أسباب قوة الولايات المتحدة، عكس الدول العربية التي تعاني من مشكلة البطء في الجهاز الدبلوماسي.

وفيما يتعلق بأبعاد الزيارة، وهل تصنف ضمن خانة التقارب التكتيكي أم الاستراتيجي، قال الدكتور السيف: هناك مصلحة للطرفين لاسيما السعودية بأن يكون هناك تقارب استراتيجي ولأسباب كثيرة، منها حماية الآمن القومي السعودية، فعندما تكون الرياض على وفاق مع العراق تكون الحدود مؤمنة من الطرفين وليس من طرف واحد كما هو الحال في اليمن.

وأشار في حديثه لـ "ايلاف" إلى أن العراق يمكن أيضا أن يشكّل سوق اقتصادية للسعودية التي لديها قطاع صناعي ناشئ يبحث عن أسواق، فتوطيد العلاقات سيكون لها فوائد استثمارية عظيمة للجانبين.

وعلى الصعيد السياسي، أوضح السيف انه من المفيد للسعودية أن تتدخل في العملية السياسية في العراق، وتحديدا لصالح السنة العرب مع الاهتمام أيضا بإقامة علاقة جيدة مع الشيعة ومع الأكراد.

ولفت إلى إن مشكلة المجتمع السني تتمثل في انه فقد قيادته القديمة، وقيادته الحالية ليس لها عمق شعبي كبير ووجود علاقة متينة بين المملكة كدولة كبيرة وقائدة للجناح السني في العالم الإسلامي، وبين (القوى السياسة العراقية &السنية) سيوفر قدرا كبير من الاطمئنان للمجتمع السني العراقي، وبالتالي يشجعه على الدخول في العملية السياسة وهو مطمئن.

وأكد إن هذا يصب هذا في مصلحة الشيعة والأكراد الذين من مصلحتهم أن يكون لديهم شريك واثق وغير متردد، وغير معرض للانقسامات كما حدث مؤخرا عندما جاءت داعش والقاعدة واستطاعت قسم المجتمع السني.

وساطة عراقية بين الرياض وطهران

وفيما يثار بأن العراق قد يلعب دور الوساطة بين إيران والسعودية، استبعد الدكتور محمد السلمي، الباحث السعودي المتخصص في الشأن الإيراني، هذا الخيار، مشيرا إلى إن العلاقة السعودية العراقية هي المحرك الأساسي لزيارة فؤاد معصوم الذي جاء &لإعادة العلاقات السعودية العراقية إلي مسارها الصحيح، لاسيما بعد أن شهدت سنوات من التوتر الذي وصل إلي مرحلة القطيعة والجفاء الكامل، بسبب توجهات المالكي الإقصائية والطائفية، وما عدم إعادة انتخاب المالكي إلا دليلا على صحة موقف المملكة .

وأوضح السلمي إن الموقف العراقي في الوقت الراهن لا يمكنه أن يلعب دور الوساطة بين البلدين، لأن العلاقة بين إيران والسعودية تحتاج أصلا إلي تحسين، مشيرا في حديثه لـ "ايلاف" إلى انه لو تحسنت العلاقة بين الرياض وبغداد ووصلت إلي مرحلة جيدة، وعاد العراق إلي الحضن العربي، ففي ذلك الوقت يمكن القول بأن العراق قد يستطيع ذلك، وبإمكانه أن يلعب دور وساطة بين الرياض و طهران، لكن في الوقت الراهن كل توجهات واهتمامات العراق ستصب على عودة العلاقات وتحسنها .

كما أشار السلمي إلى إن الخلافات السعودية العراقية ليست على مستوى رئاسة الدولة بقدر ما هي على مستوى السلطة التنفيذية والحكومة، مضيفا: هنا يأتي دور حيدر العبادي التي رحبت السعودية بانتخابه، وتنتظر أن لا يسير على نهج نوري المالكي، وكلنا ننتظر أن تعيد الحكومة العراقية توجهاتها، وان يعود العراق للحضن العربي والى مكانته التي يجب أن يكون عليها كقوة عربية ضخمة.
&