تباينت مشاعر المصريين بعد صدور الأحكام القضائية ببراءة الرئيس السابق حسني مبارك ونجليه ووزير داخليته وستة من قيادات وزارة الداخلية أثناء ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011. فبينما ابتهج أنصاره ومؤيدوه بالحكم، عمّت مشاعر الحزن غالبية المصريين، لا سيما الشباب وأهالي الضحايا ومؤيدي ثورة يناير، التي أطاحت بنظام حكمه وقضت على آمال نجله جمال في خلافة والده في الحكم.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: عمّت الابتسامة وجوه الرئيس المصري السابق حسني مبارك، ونجليه ووزير داخليته حبيب العادلي وقيادات الأمن أثناء ثورة 25 يناير، عندما أصدرت محكمة جنايات القاهرة حكمها ببراءتهم جميعًا من تهم الفساد وتصدير الغاز إلى إسرائيل وقتل المتظاهرين، أثناء الثورة الشعبية التي اندلعت في بداية عام 2011، ضد ظلم وفساد واستبداد نظام حسني مبارك.

فيما تجمع عشرات المتظاهرين في ميدان التحرير وسط القاهرة السبت للاحتجاج على قرار المحكمة. (التفاصيل)

قبلات وأحضان
"إيلاف" رصدت بعضًا من كواليس الحكم على مبارك وأركان نظامه الأمني، فطبع نجله الأكبر علاء قبلة على جبين مبارك الأب، بينما ربط نجله الأصغر جمال على كتفه ومسح على رأسه. فيما تقدم العادلي إليه، وقال له "مبروك يا سيادة الريس"، وذلك أثناء وجودهم في قفص الإتهام في أعقاب انتهاء جلسة الحكم.

وحيّا مبارك أنصاره خارج قاعة المحاكمة أثناء انتقاله لاستقلال الطائرة التي أقلته إلى مستشفى المعادي العسكري، وغالبيتهم من المحامين المدافعين عنه أو المتضامنين معه، لا سيما أن بعضهم هتف له "مبروك يا ريس". وتبادل العادلي وقياداته الأمنية الأحضان والتبريكات. وأدى ضابط في الشرطة التحية العسكرية للعادلي أثناء خروجه من قاعة المحاكمة.

عقب النطق بالحكم ارتفعت الزغاريد خارج مقر أكاديمية الشرطة، التي نصبت فيها المحاكمة، ورقص أنصاره، فيما انخرط مناهضوه وأهالي الضحايا والمصابين في نوبات بكاء عميقة، وهتفوا ضده، مطالبين بإقامة محاكمات شعبية له، وإصدار أحكام بإعدامه، وسقط أحد أصدقاء الضحايا مغشيًا عليه، وسكب التراب على رأسه، تحسّرًا على حياة صديقه بعد براءة مبارك.

مسرحية هزلية!
وقال وائل أحمد شقيق إيهاب أحمد، أحد قتلى ثورة 25 يناير، لـ"إيلاف": إن الحكم بالبراءة يشير إلى عودة نظام حسني مبارك مرة أخرى، مشيرًا إلى أن ما حصل طوال السنوات الماضية يؤكد أنها مسرحية هزلية، انتهت إلى تبرئة مبارك ونظام حكمه، وتحول الشعب كله إلى متآمر عليه، على حد تعبيره.

أضاف إن البراءة تعني إهدار دماء الشباب وكل ضحايا ثورة 25 يناير، وما تلاها من أحداث، معتبرًا أن الحكم الآن يساهم في تعزيز نظرية المؤامرة التي يروّج لها نظام مبارك والنظام الحالي بشأن ثورة 25 يناير. ونبّه إلى أن البراءة كانت متوقعة، لا سيما أن مبارك وأركان نظامه يحاكمون بقوانين هم من أصدروها، والأدلة تم طمسها، والقاضي يحكم بالأوراق.

وحذر صالح أحمد، والد الطفل القتيل إسلام أحمد، أحد ضحايا ثورة 25 يناير، من غضب الشعب المصري، وقال لـ"إيلاف" إن الحكم ببراءة مبارك والعادلي وكبار قيادات وزارة الداخلية، يؤكد أن مصر تسير في الطريق الخطأ، مشيرًا إلى أن هذه الأحكام كانت متوقعة، لا سيما أن نظامه قد عاد من جديد. وأضاف أنه مع كل براءة حصل عليها مبارك أو رموز نظامه أو ضباطه تتجدد أحزانه على ابنه، ويشعر بأن دماءه أهدرت هباء.

تبييض وتزوير
ولفت إلى أن مبارك لم يقتل المتظاهرين فقط، بل قتل المصريين جميعًا آلاف المرات، طوال ثلاثين عامًا، منوهًا بأن فساد مبارك السياسي والإستبداد واضح للعيان، والشعب المصري يعرف أنه فاسد ومستبد، ولا يحتاج إصدار أحكام قضائية بإدانته.

وتجرى في مصر حاليًا حملات إعلامية وسياسية تستهدف تبييض سمعة الرئيس السابق حسني مبارك، وتحميل أوزاره إلى جماعة الإخوان المسلمين. وتستهدف هذه الحملات إظهار ثورة 25 يناير، التي خرج فيها المصريون يوم 25 يناير ضد التعذيب والقمع الأمني، على أنها "مؤامرة خارجية"، شاركت فيها أجهزة استخبارات دولية مع شباب تلقوا تدريبات في الخارج على إثارة الفوضى في البلاد، كما تتهم الحملات جماعة الإخوان بقتل المتظاهرين أثناء الثورة.

ويقبع رموز ثورة 25 يناير من الشباب في أقبية السجون في مصر حاليًا، بتهم تتعلق بكسر قانون التظاهر، ومنهم: أحمد ماهر، مؤسس حركة 6 أبريل، التي تعتبر من أوائل الحركات، التي مهدت وساهمت في اندلاع الثورة، كما صدر حكم بحظر الحركة ومصادرة مقارها. ومن ضمن السجناء أيضًا الناشط السياسي محمد عادل، أحد مؤسسي الحركة نفسها، إضافة إلى الناشط المستقل أحمد دومة، المتهم باختراق قانون التظاهر، واستخدام العنف في أحداث مجلس الوزراء. وتضم قائمة نشطاء ثورة 25 يناير المسجونين الناشط علاء عبد الفتاح وشقيقته منى عبد الفتاح، وهما نجلا الناشط الحقوقي اليساري الراحل أحمد سيف الإسلام عبد الفتاح.

موسى يقود الحملة
يقود الإعلامي أحمد موسى الحملة الإعلامية ضد ثورة 25 يناير، وحملة تبييض وجه نظام مبارك، وهو ما يفسر سر حصوله على أول تصريح من مبارك اليوم في أعقاب الحكم ببراءة، وقال مبارك لموسى في برنامجه "على مسؤوليتي": "لم أعط تعليمات بقتل المتظاهرين، ولم أرتكب أي شيء، إنما القدر"، وأضاف: "كنت انتظر الحكم بثقة كاملة بالله وببراءتي".

واحتشد العشرات من أنصار مبارك أمام مستشفى المعادي العسكري، الذي يقيم فيه الرئيس السابق، وأطلقوا الزغاريد وقرعوا الطبول ابتهاجًا ببراءته، وهتفوا "مبروك يا ريس"، "بنحبك يا ريس"، وخرج مبارك من شرفة غرفته في المستشفى ولوّح لهم بالتحية، والابتسامة العريضة مرسومة على وجهه.

لكن مبارك ونجليه علاء وجمال ووزير داخليته حبيب العادلي، لن يخرجوا من السجن، فالأول مسجون على ذمة قضيتي "القصور الرئاسية" لمدة ثلاث سنوات، و"هدايا الأهرام". بينما يقضي العادلي السجن لمدة ثلاث سنوات في قضية تعرف بـ"سخرة المجندين"، وينسب إليه استغلال المجندين في وزارة الداخلية في القيام بأعمال خاصة به، وينتظر الحكم بالنقض على قضية اللوحات المعدنية، وهي قضية استيراد لوحات معدنية للسيارات مخالفة للقانون. بينما يحاكم علاء وجمال نجلا مبارك في قضيتي القصور الرئاسية والبورصة، وهما من قضايا الفساد، التي جرت فصولها في عهد الرئيس السابق.

نافذة للطعن
وتدرس النيابة العامة الطعن على الأحكام مرة أخرى، وقرر النائب العام هشام بركات، تكليف المكتب الفني للنائب العام، بإعداد دراسة قانونية متكاملة لحيثيات الأحكام التي أصدرتها محكمة جنايات القاهرة. ويجب أن يكون الطعن خلال ستين يومًا.

وقال المستشار محمد عبد المنعم، رئيس محكمة الإستئناف السابق، لـ"إيلاف" إن الستار لم يسدل على قضايا قتل المتظاهرين والفساد، التي يحاكم بمقتضاها مبارك ونجلاه وأركان نظامه الأمني، مشيرًا إلى أن هذه القضايا مرت بالمحطة قبل الأخيرة. وأوضح أنه من المتوقع أن تطعن النيابة العامة على الأحكام. ولفت إلى أن الطعن سوف يحال إلى محكمة النقض، وهي أعلى جهة قضائية جنائية في مصر. ونبه إلى أن محكمة النقض سيكون أمامها مساران، لا ثالث لهما، إما تأييد الحكم، ومن ثم يصبح حكمًا باتًا ونهائيًا.

وأضاف أن المسار الآخر هو قبول الطعن، وإعادة محاكمة مبارك ونجليه وقياداته الأمنية مرة أخرى، منوهًا بأن المحاكمة لن تتم عبر دائرة ثالثة، لكن سوف تتولى محكمة النقض إعادة المحاكمة بنفسها، وذكر أن الأحكام التي تصدرها محكمة النقض ستكون نهائية وباتة.