خرج الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، من نفس القفص الذي زج فيه متهما بالقتل والفساد والمرض والحزن يعلو محياه، لكن هذه المرة منتصرا ومبتسما بعد ان اسقطت عنه المحكمة التهم التي وجهت اليه.


القاهرة: في اب/اغسطس 2011 دخل حسني مبارك قفص الاتهام ممدا على محفة طبية متهما بالتآمر لقتل متظاهرين مناهضين له وبالفساد، لكنه السبت خرج من نفس القفص منتصرا ومبتسما بعد ان اسقطت عنه المحكمة تهم القتل وبرأته من تهم الفساد.

فقد اسقطت المحكمة عن مبارك تهمة التآمر للقتل التي كانت موجهة اليه بعد مقتل مئات المتظاهرين خلال ثورة 2011. كما برأت المحكمة مبارك من تهم الفساد وخصوصا في اطار بيع غاز طبيعي مصري لاسرائيل باسعار اقل من السوق.

الا ان مبارك سيبقى في السجن لانه يمضي حاليا عقوبة بالسجن ثلاث سنوات في اطار قضية فساد اخرى معروفة باسم "القصور الرئاسية".

وقال مبارك بعد ساعات من الحكم "انا لم ارتكب شيئا إطلاقا".

ومبارك قائد القوات الجوية السابق الذي حكم مصر بلا منازع لثلاثين عاما اسقطته ثورة شعبية في شباط/فبراير 2011 بعد 18 يوما من التظاهرات في ميدان التحرير في القاهرة خاصة.

في نيسان/ابريل 2011، تم توقيف مبارك ووجهت اليه تهم عديدة متعلقة بالفساد والتحريض على قتل متظاهرين معارضين له ابان الثورة التي اطاحته. وفي آب/اغسطس 2011 دخل مبارك قفص الاتهام ليصبح اول رئيس مصري يمثل امام القضاء.

وحكم على مبارك بالسجن مدى الحياة في هذه القضية في حزيران/يونيو 2012، لكن محكمة النقض قررت الغاء الحكم واعادة محاكمته امام دائرة جديدة، قبل ان يبرئه القضاء لدى اعادة محاكمته السبت.

وقتل نحو 850 متظاهرا ابان الانتفاضة التي اطاحت به. وكان مشهد مبارك داخل القفص لاول مرة عند بدء المحاكمة في الثالث من اب/اغسطس 2011 مشهدا فريدا ، خصوصا انه اول رئيس عربي يعتقل ويحال على المحاكمة.

وعانى مبارك من اكتئاب حاد وصعوبة في التنفس ومشاكل قلبية وارتفاع في ضغط الدم وفقا لمحاميه ولمصادر طبية، ونقل اكثر من مرة الى المستشفى منذ ايداعه السجن وخصوصا بعد اصابته بجلطة دماغية في نهاية حزيران/يونيو 2012 وسقوطه في الحمام في 19 كانون الاول/ديسمبر من العام ذاته.

وفي 27 كانون الاول/ديسمبر امر النائب العام بنقله الى مستشفى المعادي العسكري لاصابته بارتشاح في الرئة وكسور في الضلوع. ومنذ ذلك الحين لم تصدر اي معلومات عن حالته الصحية.

وفتح الباب امام تولي مبارك الرئاسة عند اغتيال الرئيس الاسبق انور السادات على يد اسلاميين في العام 1981 حيث كان نائبا للرئيس في وقت لم يكن احد يتوقع مستقبلا كبيرا لهذا الرجل الذي يفتقد الى الكاريزما.

عرف عن مبارك انه رجل براغماتي غير انه فقد شيئا فشيئا صلته بالشعب واصبح عنيدا ومتكبرا واعتمد على جهاز امني مخيف وحزب يأتمر بأوامره ليحكم البلاد بشكل فردي طوال ثلاثين عاما.

ورغم كل الانواء والاحتجاجات تمسك بمعاهدة السلام التي ابرمها سلفه مع اسرائيل عام 1979 وحرص على ان يظل ضمن ما عرف بمعسكر الاعتدال في العالم العربي فضمن تأييد الغرب لنظامه، وخصوصا الولايات المتحدة التي ظل حليفا لها على الدوام.

وظل مبارك بشعره الاسود المصبوغ وبنظرته التي يخفيها في غالب الاحيان خلف نظارات سوداء، وجها مألوفا في الاجتماعات الدولية على مدى سنين حكمه.

ورغم تصديه بقوة للجماعات الاسلامية المتطرفة، لم يتمكن مبارك من وقف تصاعد الاسلام السياسي الذي تجسده جماعة الاخوان المسلمين.

ولد محمد حسني مبارك في الرابع من ايار/مايو 1928 في عائلة من الطبقة الريفية المتوسطة في دلتا مصر. وصعد سلم الرتب العسكرية في الجيش الى ان اصبح قائدا للقوات الجوية ثم نائبا للرئيس في نيسان/ابريل 1975.

وخلال مسيرته الطويلة، تعرض لست محاولات اغتيال ما جعله يرفض رفع حالة طوارىء في البلاد على مدى توليه الحكم.

وقد غذى صعود نجم نجله الاصغر جمال القريب من اوساط رجال الاعمال، الشكوك بشأن عملية "توريث" للحكم خلال الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في ايلول/سبتمبر 2011 ما ادى الى احتجاج المعارضة.

في المقابل فان الانفتاح الاقتصادي الذي تسارعت وتيرته في السنوات الاخيرة من عهده اتاح تحقيق طفرة اقتصادية وظهور "ابطال" مصريين في مجال الاتصالات او الانشاءات.

الا ان نحو اربعين بالمئة من 82 مليون مصري لا يزالون يعيشون باقل من دولارين في اليوم وفقا للتقارير الدولية، في وقت تتهم البلاد بانتظام في قضايا فساد.

ولمبارك الذي خضع في اذار/مارس 2010 لجراحة لاستئصال الحوصلة المرارية في المانيا، ابن اخر هو علاء نجله البكر من زوجته سوزان ثابت التي كان يقال بان تأثيرها كان كبيرا على زوجها.