يشعر شباب ثورة 25 يناير 2011 في مصر، بخيبة أمل كبيرة في أعقاب الأحكام القضائية بتبرئة مبارك ورموز نظام حكمه من قضايا الفساد وقتل المتظاهرين، ووجهوا للرئيس السيسي تحذيرات من ثورة جديدة بسبب تلك الأحكام.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: أصيب قطاع عريض من المصريين بالصدمة والدهشة بعد صدور أحكام البراءة بحق الرئيس الأسبق حسني مبارك ونجليه علاء وجمال وصديقه رجل الأعمال حسين سالم، ووزير داخليته حبيب العادلي وست من قيادات الشرطة أثناء ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.

وخرج بضعة آلاف من الشباب الغاضب إلى ميدان عبد المنعم رياض قاصدين ميدان التحرير، ووقعت اشتباكات حادة مع قوات الجيش والشرطة، ليلة أمس، احتجاجاً على أحكام البراءة، رغم أنها كانت متوقعة.

وقالت قيادات شبابية تنتمي إلى ثورة 25 يناير، وخبراء سياسيون إن براءة مبارك ورموز نظام حكمه تفتح أبواب ثورة جديدة ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي، متهمين إياه بإعادة إنتاج نظام مبارك مرة أخرى، والقضاء على ثورة يناير والتنصل من تحقيق أهدافها في الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الإجتماعية.

خيبة أمل

يشعر شباب ثورة 25 يناير بخيبة أمل كبيرة في أعقاب الأحكام القضائية بتبرئة مبارك ورموز نظام حكمه من قضايا الفساد وقتل المتظاهرين.

وقال محمود عفيفي، القيادي السابق بحركة 6 أبريل، إن الأحكام الأخيرة تتويج لعملية الخداع الكبرى التي مورست ضد الشعب المصري، مشيرا إلى أن هذه الأحكام أثببت أن محاكمة مبارك ورموز نظام حكمه لم تكن إلا مسرحية هزلية الهدف منها إمتصاص غضب الشعب وتهدئته في حينها.

غياب العدل

وأضاف لـ"إيلاف" أن المصريين يشعرون بالحزن والغضب في الوقت نفسه، منوهاً بأن هذه الأحكام تركت انطباعاً راسخاً لدي المصريين بأنهم يعشيون في دولة يغيب عنها العدل، لاسيما أن الجميع في الداخل والخارج يعلم جيداً أن نظام حكم مبارك كان فاسدا وقتل المتظاهرين أثناء ثورة 25 يناير 2011.

ولفت إلى أن الأحكام ببراءة جميع رموز حكم مبارك، تؤشر على أن نظامه مازال يحكم، متوقعاً أن تبدأ مرحلة جديدة من الثورة مع النظام الحاكم حالياً، متهماً إياه بالعمل على تأسيس منظومة فاسدة جديدة.

حراك بلا إخوان

ونبه إلى أن الحراك الثوري المتوقع، لن يتحالف مع جماعة الإخوان المسلمون، مؤكداً أن المصريين خرجوا في ثورة 30 يونيو 2013، ضد الإخوان، ولا يمكن أن يتحالفوا معها أبداً، معتبراً أنها لم تكن إلا استنساخا للحزب الوطني المنحل الذي حكم مصر تحت قيادة مبارك لمدة ثلاثين عاماً.

أحكام سياسية

وصف الناشط السياسي هيثم الشواف، القيادي بتحالف شباب الثورة، الأحكام بـ"السياسية".

يقول لـ"إيلاف": "القضاء عندما ينظر في القضايا التي لها علاقة بالسياسة يراعي فيها الظروف السياسية"، مشيراً إلى أن الأدلة التي تدين مبارك ورموز نظام حكمه جرى طمسها قبل تقديمهم للمحاكمة.

ولفت الشواف إلى أن الأحكام الاخيرة تؤكد ما يقال حول تصالح النظام الحالي مع دولة مبارك.

تصالح السيسي ومبارك

وساق الشواف الأدلة على تصالح دولة السيسي مع دولة مبارك، وقال إن جميع رموز مبارك خرجوا من السجن، وصاروا يظهرون في الحياة العامة، وآخرهم أحمد عز رجل الأعمال الشهير والقطب في الحزب الوطني المنحل، الذي تم تخفيض غرامته من 100 مليون جنيه إلى عشرة ملايين.

ولفت إلى ان السيسي أصدر قانوناً للتصالح مع من وصفهم ب"كل من سرق الدولة" مقابل دفع غرامات.

وقال: "يؤسفني أن أقول أن نظام السيسي يضم ظلما اجتماعيا شديدا... الناس في مصر يشعرون أن النظام القديم قد عاد بكل سيئاته وبدون أي من مزاياه".

وقال إنه كان من أشد المؤيدين للسيسي، وانه خرج في مظاهرات 30 يونيو ضد جماعة الإخوان.

وقال: "الآن اكتشفت أني كنت مخطئا"، منبهاً إلى أن ذلك لا يعني أن لديه رغبة هو أو غالبية المصريين في عودة جماعة الإخوان إلى الحكم، معتبراً أن الإخوان ومبارك "وجهان لعملة واحدة".

مؤامرة طويلة المدى

واتهم الشواف نظام حكم السيسي بـ"قيادة مؤامرة طويلة المدى يتم تنفيذها بحكمة من أجل تفكيك الثورة وتخوين رموزها والمشاركين فيها، وجعلهم يخونون بعضهم البعض"، مشيراً إلى أن هذه المؤامرة نجحت إلى حد بعيد.

ووصف الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وأحد نشطاء ثورة 25 يناير، الأحكام بأنها "صادمة"، متوقعاً أن يكون لها تأثير سياسي سلبي على الأوضاع في مصر خلال الفترة المقبلة.

ثورة مضادة

وأضاف نافعة لـ"إيلاف" أنه يتخوف من أن تدفع هذه الأحكام شباب ورجال مصر الشرفاء إلى اليأس والإحباط، وأن ينظر إلى الحكم على أنه جزء من الثورة المضادة"، لافتاً إلى أن هذه الأحكام تعزز الشعور المصري العام بأن "السيسي يمثل إمتدادا لنظام مبارك وجماعته".

ودعا نافعة الرئيس السيسي إلى ضرورة "اتخاذ مجموعة من الإجراءات تطمئن جماهير الشعب، وتدفع عنه تهمة إعادة انتاج نظام حسني مبارك".

وقال: "إذا أصر السيسي على المضي قدما دونما إجراء عملية فرز لنظامه الجديد عن نظام حسني مبارك، فإن "الثورة الجديدة سوف تطرق أبوابه... الكرة الآن في ملعب السيسي".

أحكام قانونية

بالمقابل، يرى حسن أبو العينين، محامي أهالي ضحايا ثورة 25 يناير، أن الأحكام صادفت صحيح القانون.

وأضاف لـ"إيلاف" أن الأحكام قانونية بحتة، ولا يصح إلباسها لبوس السياسة.

ولفت إلى أن المحكمة أصدرت أحكامها على مبارك بموجب قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية.

ولفت إلى أن مبارك حصل على حكم بـ"عدم جواز نظر الدعوى"، بسبب وجود خطأ إجرائي في إحالته للمحاكمة بعد مرور شهرين من تحقيق النيابة في قضية قتل المتظاهرين.

يمكن الطعن فيها

ولفت إلى أن الاحكام ليست باتة، وأن النيابة العامة سيكون من حقها الطعن عليها خلال ستين يوماً.

وأوضح أن الطعن سوف يحال إلى محكمة النقض، التي سوف تحدد جلسة للنظر فيه إما بالموافقة أو الرفض. ونبه إلى أنه في حالة الموافقة على الطعن سوف تعيد محكمة النقض محاكمة مبارك مرة ثالثة بنفسها، ويكون حكمها في هذه المرة نهائيا وباتا.

وفي أول رد فعل له على الأحكام قال الرئيس الأسبق حسني مبارك في مداخلة إعلامية إنه لم يصدر أية أوامر بقتل المتظاهرين.

وأضاف: "كنت أنتظر الحكم بثقة كاملة فى الله وبراءتي، فعندما سمعت الحكم الأول ضحكت والحكم الثاني كنت منتظرا حينها البراءة".

وتابع: "الترتيبات التي كانت تتم في 25 يناير عينك ما تشوف إلا النور"، وتابع: "العشر سنوات الأخيرة في حكمي ظهر فيها نتاج العشرين عاما التي سبقتها".