علم أن الحكومة البريطانية توصلت إلى تسوية مالية لطي ملف الدعوى القضائية التي أقامها القيادي الإسلامي الليبي عبدالحكيم بلحاج ضدها لتسليمها له مع زوجته فاطمة بوشار لنظام العقيد معمر القذافي حيث تعرض للتعذيب.


نصر المجالي: قالت مصادر بريطانية إن إسكات المنشق الليبي الاسبق ستكلف دافعي الضرائب حوالي 400 ألف جنيه استرليني، وكان يطالب بمليون جنيه لسحب الشكوى من أمام القضاء مع اعتذار رسمي من الحكومة.

وتشير المصادر البريطانية إلى أن قضية بلحاج كلفت الخزينة إلى الآن ما يقارب الـ 632, 372 جنيها دفعت للمحامين الذين يدافعون عنها في القضية.

وتقول المصادر ان مثل هذه التسوية ستحول من دون انفاق مئات الآلاف من الجنيهات إذا ما عرضت القضية أمام المحكمة العليا في العام المقبل. كما أن الحكومة البريطانية حريصة على "لملمة" مجمل القضية خشية الإضرار بالعلاقات مع الولايات المتحدة إذا عقدت جلسات استماع أمام المحكمة.

يشار الى ان بلحاج (48 عاماً) يقاضي وزير الخارجية البريطاني الأسبق جاك سترو بحكم مسؤوليته وقتها عن جهاز الأمن الخارجي البريطاني (إم آي 6) بتهمة التواطؤ في عملية ترحيل مع عائلته سراً إلى ليبيا، وكذلك الرئيس السابق لقسم مكافحة الارهاب في الجهاز مارك ألن، وجهاز الأمن الداخلي البريطاني (إم آي 5)، ووزارة الخارجية البريطانية، ووزارة الداخلية البريطانية، والنائب العام البريطاني وقتها، للمطالبة بتعويضات لما اعتبره اعتقاله واحتجازه بصورة غير قانونية، وتعريضه للتعذيب، والإهمال، واساءة استخدام السلطة العامة.

وكان بلحاج اعتُقل مع زوجته الحامل في الصين عام 2004، وجرى نقهلما إلى ماليزيا وتايلند ومن ثم إلى طرابلس على متن طائرة تابعة لوكالة (سي آي إيه)، وأُخلي سبيله لاحقاً بعد سقوط نظام القذافي.

كشف ملفات

وكشفت ملفات ووثائق عُثر عليها بعد تدمير مقر المخابرات الليبية في عهد القذافي من قبل مقاتلات منظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) عام 2011، دور جهاز (إم آي 6) البريطاني ووكالة (سي آي إيه) الاميركية في عملية الترحيل السري لبلحاج وعائلته إلى ليبيا.

وكانت محكمة الاستئناف في لندن أجازت في 30 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي للزعيم السابق للجماعة الاسلامية المقاتلة الليبية، عبد الحكيم بلحاج، مقاضاة الحكومة البريطانية بدعوى تسليمه إلى نظام معمر القذافي لمطالبتها بتعويض.

واستأنف المحامون البريطانيون، الذين يمثلون بلحاج وزوجته فاطمة بوشار المغربية الأصل، الحكم الذي اصدرته المحكمة العليا في لندن في تموز (يوليو) الماضي، واعتبرت فيه أن موكلهم لا يستطيع مقاضاة جهاز الأمن الخارجي البريطاني (إم آي 6) على الدور الذي لعبه في عملية اختطافه وترحيله سراً وتسليمه إلى نظام القذافي عام 2004.

وأراد المحامون حينها، ابطال الحكم الذي اصدرته المحكمة العليا واستندت فيه إلى أن الممارسات المزعومة حدثت خارج المملكة المتحدة وتحديداً في ماليزيا وتايلند، حيث هبطت طائرة وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي إيه) التي نقلت بلحاج وعائلته إلى ليبيا.

فجر عروس البحر

يذكر أن عبدالحكيم بلحاج شارك خلال ثورة 17 فبراير في عملية (فجر عروس البحر)، ظهر في باب العزيزية، وأعلن من خلال قناة الجزيرة عن "نجاح عملية تحرير طرابلس" وأعلن أنه هو "قائد المجلس العسكري للمدينة".

كما دعا بلحاج إلي المحافظة علي الدماء والأعراض والأموال والمنشآت الحكومية في العاصمة، وتسلم مهام رئيس المجلس العسكري في طرابلس الذي مقره قاعدة معيتيقة الجوية والتي لا تخضع لأي اشراف من وزارة الدفاع الليبية ولا أي جهة سيادية ليبية.

وبعد ذلك انخرط بلحاج في العملية السياسية في ليبيا.

وفي أيلول (سبتمبر) 2011 طلب عبد الحكيم بلحاج، من بريطانيا والولايات المتحدة الاعتذار بعد أن بينت وثائق، تم ضبطها، أن البلدين تورطا في خطة أدت إلى اعتقاله وتعذيبه في سجون نظام معمر القذافي.

وبينت وثائق تابعة لجهاز استخبارات الليبي أن وكالة الاستخبارات الأميركية اعتقلت عبد الحكيم بلحاج في بانكوك في 2004، ورحلته قسرا إلى ليبيا، حيث سجن في سجن أبو سليم لسبع سنوات، وأكد بلحاج أنه تعرض أثناء اعتقاله للاستجواب على أيدي ضباط استخبارات بريطانيين.

وحينها، قال بلحاج لـ(بي بي سي): "ما حصل لي كان غير قانوني ويستحق الاعتذار"، وكشف من جانب آخر، في تصريحات لصحيفة (الغارديان) البريطانية، إن عملاء الحكومتين البريطانية والأميركية "حقنوني بمادة ما، ثم علقوني من ذراعي وقدمي ووضعوني داخل صندوق ممتلئ بالثلج، لم يتركوني أنام، وكان هناك ضجيج كل الوقت، لقد تعرضت للتعذيب بشكل مستمر".

وثائق

وتضمنت الوثائق التي حصلت عليها منظمة هيومن رايتس واتش من أرشيف الاستخبارات الليبية تفاصيل عن الاعتقال السري لبلحاج في 2004، وتضمنت مذكرة لـ"سي آي إيه" موجهة إلى السلطات الليبية تفاصيل حول رحلة "عبدالله الصديق" وهو الإسم الحركي وقتها لعبدالحكيم بلحاج وزوجته الحامل من كوالالمبور إلى بانكوك، حيث قالت الولايات المتحدة إنها "ستسيطر" على الزوجين وتسلمهما.

وبعد 7 سنوات قضاها بلحاج خلف قضبان السجن الانفرادي، توسطت قيادات إسلامية للإفراج عنه وعلى رأسهم الشيخ علي الصلابي أحد قيادات الإخوان المسلمين بليبيا ويوسف القرضاوي بعد "مراجعات فكرية" أجروها معه، حيث أفرج عنه مع 214 من سجناء بوسليم في بادرة غير مسبوقة في تاريخ القذافي.

وبعد الإفراج عنه ألف بلحاج كتاب "دراسات تصحيحية في مفاهيم الجهاد والحسبة والحكم على الناس" يقع في 414 صفحة.