أكدت خبيرة سعودية أن القاعدة المتداولة بين العامة، ومفادها أن من يمارسون العنف ضد المرأة والطفل هم في غالبيتهم من المدمنين على المخدرات والمرضى النفسيين، قاعدة غير صحيحة، ولا ينبغي الاعتداد بها.

الرياض: قالت استشارية الطب النفسي والخبيرة الدولية للأمم المتحدة في مجال علاج الادمان عند النساء لشمال أفريقيا والشرق الاوسط الدكتورة منى الصواف: للأسف هذا الاعتقاد ليس صحيحاً، إذ لا تمثل نسبة حالات العنف من المرضى النفسيين أكثر من حالات معدودة وتكون نتيجة الاصابة بالأمراض الذهنية التي تفقد المريض البصيرة وتصاحبها هلاوس وضلالات، مثل هذه الحالات لا تزيد عن ١٪ من الامراض النفسية.

وأضافت: في حين نجد أن اكثر حالات العنف تحدث من اشخاص إما يعانون من الضغوط الاجتماعية وليست لديهم القدرة على التأقلم وأيضًا حالات عدم القدرة على التحكم في الغضب ولذلك نحتاج الى العديد من البرامج المختصة بكيفية التعامل مع الغضب في المجتمع.

وتابعت الصواف: أما العنف الناتج عن ادمان المخدرات فعادة ما يكون موجهًا للأسرة مثل الابوين أو الابناء والزوجة وينتج لعدة عوامل منها عدم قدرة الشخص على تفهم عواقب الافعال، وعدم القدرة على التحكم في الانفعالات، مع الاضطرابات الذهنية التي تنتج عن ادمان بعض انواع المخدرات مثل المنشطات وأيضًا الاعتداء على الممتلكات والسرقة لتوفير متطلبات الشخص من المخدرات وهناك العديد من الابحاث التي توضح تأثير الادمان على سلوك الفرد في المجتمع الذي يشمل الاسرة وباقي البيئة المحيطة به.

ولفتت إلى أن افتتاح عدد كبير من العيادات النفسية له أهمية في تخفيف الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالمرض النفسي عموماً، مما يساعد على حصول الشخص المحتاج للرعاية النفسية بصورة اسرع ويعطي المختصين فرصة لمساعدة حالات العنف سواء من الضحايا أو حتى ممن يقومون بالعنف فهم ايضًا يحتاجون للرعاية النفسية المختصة.

وأضافت: أعتقد أننا نحتاج الى دراسة مقننة وعلمية لمعرفة اسباب العنف بكل انواعه في المجتمع السعودي يقوم بها مركز متخصص ومحايد، ومن ثم وضع آليات للحد من هذه الاسباب على جميع المستويات، كما نحتاج الى تفعيل صارم للأنظمة التي تتعامل مع العنف.

وأردفت: للأسف ما نراه وتطالعنا عليه الصحف لا يعكس كل الحقيقة، ولا يوضح حجم المشكلة، لأن الحالات التي يعرضها الاعلام تمثل تلك التي تصل الى وسائل الاعلام المختلفة أو التي تذهب للمستشفيات أما باقي الحالات وخاصة التي لا تصل لأي من الجهات المعنية وهي الغالبية الكبرى فلا نعلم عنها شيء.

وعددت الاستشارية أبرز أسباب العنف في المجتمع، ومن بينها: غياب مفهوم الفرق بين العنف والتربية حيث نجد بعض الآباء الذين يقومون بالعنف على أبنائهم لا يفرقون بين الايذاء والتربية معتقدين خطأ أن تربية الابناء تكون بهذه الصورة.

وأضافت: كذلك عدم تفعيل القوانين الرادعة ضد العنف بالصورة المطلوبة والتي تعمل على حماية الفئات الاكثر عرضة للعنف مثل حالات الاطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وأيضا حالات كبار السن والتي لا توجد احصاءات واضحة عنها.

وتابعت: من بين الأسباب كذلك ارتفاع نسبة العنف العام في الكثير من المجتمعات نتيجة العديد من الضغوط الاقتصادية، والتي ينتج عنها الشعور بالاحباط والعنف الموجه خاصة مع تأخير القضايا المتعلقة بالحقوق بين الافراد.

كذلك ثمة عوامل متعلقة بالمخدرات والإدمان في بعض الحالات، والتي تنتج عنها البطالة، وبالتالي ازدياد حدة العنف في المجتمع، وعدم اكتشاف حالات العنف في مراحله المبكرة قد يؤدي الى تفاقم المشكلة والتي يمكن احتواؤها مبكرًا، الامر الذي ينتج عنه فقدان الحالات البسيطة ومن الممكن أن تتعرض مثل هذه الحالات لنوبات عنف اكبر تكون نتائجها كارثية، حيث وجد أن معظم حالات القتل الناتجة عن العنف كانت هناك مؤشرات على وجود عوامل خطورة لم يتم التعامل معها للأسف في حينها.

وحول التبليغ بالاشتباه بـquot;حالات عنفquot; قالت: هناك تعميم من وزارة الصحة بناء على قرارات من مجلس الوزراء للتعامل مع حالات العنف أو الحالات المشتبه بها، والتي تصل للمستشفيات والتبليغ عنها، كما أننا نتلقى حالات تم التبليغ عنها من قبل المعلمات في المدارس.

واستطردت: أعتقد أن المسؤولية تقع على الجميع من افراد ومؤسسات للتبليغ عن حالات العنف للجهات المعنية، فهناك خطوط ساخنة للوزارات المعنية من وزارة الصحة، ووزارة الشؤون الاجتماعية والتربية والتعليم للتبليغ عن هذه الحالات، وايضًا نتلقى حالات محولة من حقوق الانسان .

وأضافت: في الفترة الأخيرة نجد حالات محولة من المدارس لبعض حالات العنف ونحتاج الى زيادة التوعية وتحديد المسؤوليات وتوضيح آليات العمل لمساعدة هذه الحالات وكيفية التحويل للجهات ذات العلاقة مثل المستشفيات، كما نحتاج الى ايجاد شبكة ربط وتواصل بين جميع الجهات المعنية وتسهيل اجراءات التحويل للحالات وايضاً تفعيل البرامج الفعالة للوقاية وايضًا اعادة تقييم فعالية البرامج الوقائية والتأهيلية وتطويرها.

وكانت آخر احصائية سجلت جرائم العنف في السعودية أعلى مستوياتها في عام 1434 هـ مقارنة بالسنوات الماضية، إذ بلغت 576 قضية تعنيف ضد المرأة والطفل، حسب هيئة حقوق الإنسان ارتفاع نسبة شكاوى العنف الأسري في السعودية حتى نهاية عام 1434 للضعف مقارنة بعام 1433هـ وجاءت في مستويات مقلقة، وتعلقت أكثرها بقضايا تعنيف عانى منها أطفال ونساء.

وكانت منطقة مكة المكرمة قد سجلت وفق آخر إحصائية لوزارة العدل لعام 1433 هـأعلى نسبة تعنيف للمرأة من باقي مناطق السعودية بواقع 314 قضية وبنسبة 69 في المئة من إجمالي قضايا العنف في السعودية التي بلغت 459 حالة، منها 195 قضية لأجانب و119 لسعوديين، كما استحوذت أيضاً على أعلى نسبة عنف للأطفال، إذ بلغ إجماليها 71 حالة تصدّرها الأجانب مرة أخرى بـ 41 حالة مقابل 30 حالة لسعوديين.

وبلغ إجمالي قضايا العنف ضد المرأة والطفل التي باشرتها المحاكم في مختلف مناطق السعودية 606 قضايا في عام 1433، جاءت مكة المكرمة في المقدمة ثم المنطقة الشرقية بواقع 82 قضية، تلتها الرياض بـ 51 قضية، ثم جازان بـ 24 حالة، وتفاوتت باقي المناطق من قضية واحدة إلى 15.

فيما أوردت دراسة حديثة، حول انتشار العنف الأسري في المجتمع السعودي، أن 45 في المئة من الأطفال السعوديين يتعرضون لصور من الإيذاء في حياتهم اليومية، فيما وصل 83 في المئة من الحالات التي تتعرض للعنف الأسري إلى دور الملاحظة والتوجيه والرعاية عن طريق الشرطة، وأن 72 في المئة من الضحايا يصلون عن طريق أحد الوالدين.

وهناك دراسات أخرى توضح أن آثار العنف الأسري غالباً ما تظهر بعد سن البلوغ، وتكشف أن 80 في المئة من متعاطي الكحول والمخدرات تعرضوا للاعتداء في طفولتهم، وأن 80 في المئة من الهاربين من منازلهم يؤكدون أن الاعتداء عامل أساسي في هروبهم، وأن 78 في المئة من السجناء تعرضوا للاعتداء في طفولتهم، كما أن 90 في المئة من النساء المنحرفات اعترفن بتعرضهن للاعتداء الجنسي في طفولتهن.