بغداد: يسحب ماهر عياض ورقة بيضاء من جيب قميصه الملون، يفتحها على مهل بيد مرتجفة، ثم يقول بصوت خافت إنها تحمل قصيدة كتبها لصديق قتل في تفجير انتحاري، وشيع في بغداد الثلاثاء، قبل يوم من انتخابات تشريعية يرى فيها عياض واخرون منطلقًا للتغيير.

لا يهمها الموت

رغم التفجيرات التي ضربت العراق في يوم الانتخابات الخاص بالقوات المسلحة الاثنين، وشملت هجمات انتحارية قتل واصيب فيها العشرات، يصر الرجل الخمسيني على ضرورة المشاركة في الانتخابات الاولى منذ الانسحاب الاميركي نهاية 2011.

ويقول عياض، وهو ينقل نظره بين الورقة التي يحملها بيده وصورة لصديقه وضعت في موقع التفجير في الكرادة وسط بغداد: quot;الشعب العراقي شعب مضحي وصبور، مررنا بحروب كثيرة لكن الناس لا تزال تعيش حياتها الاعتيادية ولديها الجراة ولا يهمها الموتquot;.

يضيف عياض، الذي يعمل في تجهيز المقبلات في مطعم شعبي ويقدم نفسه على انه شاعر: quot;المشاركة في انتخابات الغد، رغم كل التهديدات، واجب لأننا نريد وجوهًا جديدة. ربما هناك من عمل لمصلحة البلاد في السنوات الاخيرة، لكن ذلك لم يكن بالمستوى الذي كان يطمح له الشعب العراقيquot;.

يتابع صاحب الشعر الاسود الخفيف الذي يلامس كتفيه: quot;غدا نبدأ تغيير واقعنا لنبرهن أن دماء اصدقائنا لن تذهب هدرًاquot;.

عجز أمني

وعجزت القوات العراقية الاثنين عن حماية افرادها في يومها الانتخابي الخاص، حيث تعرضت لسلسلة هجمات بينها تفجيرات انتحارية داخل مراكز انتخابية قتل فيها 27 شرطيًا وعسكريًا، واصيب أكثر من 73 بجروح.

في موازاة ذلك، قتل 30 شخصًا عندما فجر انتحاري نفسه بين مؤيدين للرئيس العراقي جلال طالباني كانوا يحتفلون في احد شوارع خانقين شرق العراق بظهوره في تسجيل مصور. والقت هذه الهجمات شكوكًا اضافية حيال قدرة القوات العراقية على تأمين الحماية للناخبين خلال الانتخابات التشريعية العامة الاربعاء، والتي تنعقد في ظل تصاعد اعمال العنف وتزايد الانقسامات الطائفية.

وكما هي الحال في معظم الايام الدامية في العراق، لم يصدر أي رد فعل على اعمال العنف هذه عن حكومة الشراكة الوطنية التي تعيش منذ سنوات صراعا بين وزرائها والكتل الممثلة فيها.

مظلة ملونة

شكل هذا اليوم الدامي ضربة لرئيس الحكومة نوري المالكي، الذي يحكم البلاد منذ 2006، ويضع ثقله السياسي في الانتخابات محاولًا العبور من خلالها نحو ولاية ثالثة على رأس الحكومة رغم الاتهامات التي يوجهها خصومه اليه بالتفرد بالحكم والعجز عن الحد من الفساد وتحسين الخدمات.

وفي الشارع الذي ضربته ثلاثة تفجيرات في اسبوعين، بينها التفجير الذي قتل فيه ابو محلب (21 عاما)، صديق ماهر عياض، وقف احمد عادل (40 عامًا) أمام محل حلاقة وعينه على شرطي وضع كرسيًا في وسط الطريق وجلس عليه تحت مظلة ملونة.

وكان الشرطي يسمح لسيارات بعبور حاجزه البلاستيكي، ويأمر أخرى بالتوقف بعد الحاجز للخضوع للتفتيش.

وقال عادل من خلف نظاراته الشمسية القاتمة وهو يبتسم: quot;ساذهب غدًا لأنتخب ولاساهم في تغيير الوضع الحالي والوجوه الحالية، بعد اكثر من ثماني سنوات من الفشل الاقتصادي والامني في بلد تبلغ موازنته عشرات مليارات الدولاراتquot;.

أضاف: quot;يجب أن نصل إلى صناديق الاقتراع مهما كانت الظروف، الذي لا يذهب سيضيع حقه وحق غيره، فنحن نعيش هذه الظروف منذ اكثر من عشر سنوات، والامر اصبح عاديًا، إلا أن التغيير يبدأ بنا رغم كل تفجيرات الامس وكل التفجيرات التي قد تقعquot;.

لا أعرفه

ينسحب ذلك على ليث العزاوي الذي كان متواجدًا لحظة التفجير الانتحاري في المقهى حيث قتل أبو محلب، وقد اصيب بشظايا في بطنه ورجله. وامام صورة ابو محلب واربعة اخرين من قتلى التفجير الذي وقع في 21 نيسان (ابريل) الحالي، يقول العزاوي (40 عامًا): quot;لم اخرج من البيت منذ التفجير الا للضرورة، وما زلت اسمع صفيرًا في اذنيquot;.

ويتابع: quot;سانتخب غدًا، ولن يبقى الحال على ما هو حاليًا، لماذا لا نذهب للانتخابات بقوة اكبر من السنوات الماضية حتى نغير الواقع الذي نعيشه؟ لن نتحمل هكذا وضع بعد اليومquot;. وخلف العزاوي، وقف اربعة رجال يقرأون سورة الفاتحة امام صور القتلى الخمسة، والقصيدة التي كتبها العياض والتي وضعت بينها مجموعة الصور.

تقول القصيدة: quot;عند التاسعة والنصف قهرًا مساء الاثنين الدامي، مناجل الجاهية تحز رقاب الابرياء المؤمنين. صوت كريه افزع السماوات، صاح الله اكبر، قال الله بينه وبين نفسه لا أعرفهquot;. وتابعت القصيدة: quot;الأبالسة اقنعوه بأن غداءه مع الرسولquot;.