أكد تقرير صادر من ثلاث منظمات دولية لحقوق الإنسان أن محاكمة كريم واد في السنغال بتهم الإثراء غير المشروع باطلة، وهي تأتي في سياق محاربة سياسية من جانب ماكي سال، لمنع واد من الترشح للرئاسة.


مروان شلالا: أسقطت باريس كل التهم التي الصقتها السلطات السنغالية بكريم واد، نجل الرئيس السنغالي السابق عبدالله واد، فثارت ثائرة السنغاليين، وعلى رأسهم رئيسهم ماكي سال، الذي اتهم السلطات الفرنسية بالانحياز إلى مواطنها الفرنسي، وتغليب مصلحته على المصلحة السنغالية العليا، وبأنها لم تتوخ جانب الأعراف الدبلوماسية في قضية واد، ولم تعلم الحكومة السنغالية بمجريات التحقيق ولا بحكم البراءة الصادر من طرق وزارة الخارجية، كما تحتم الأعراف الدبلوماسية المرعية الإجراء.

في حجز إحتياطي
القضاء الفرنسي برّأ التهم السنغالية الموجّهة إلى كريم واد بالفساد المالي والإثراء غير المشروع، لكن واد سيمثل في 31 تموز (يوليو) المقبل أمام محكمة الإثراء غير المشروع السنغالية. وقد أصدر الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، بالتعاون مع الجمعية السنغالية لحقوق الإنسان واللقاء الأفريقي للبحث في حقوق الإنسان، تقريرًا يسلط فيه الضوء على قضية كريم واد، تحت عنوان: "السنغال: محكمة الإثراء غير المشروع لا تضمن محاكمة عادلة".

&

السنغال مستاءة من غياب اللياقة الدبلوماسية الفرنسية
باريس تبرئ كريم واد من تهم الفساد المالي


وقال التقرير إن كريم واد في حجز إحتياطي منذ 17 نيسان (أبريل) 2013 في العاصمة السنغالية داكار، ليحاكم أمام محكمة الإثراء غير المشروع، وهي محكمة خاصة جرى إلغاؤها أصلًا في العام 1984، وبالتالي لا وجود لها.

وبالتالي، وبحسب العديد من المنظمات الأهلية، وبينها منظمة العفو الدولية، لا سلطة لهذه المحكمة في قضية كريم واد، ما يجعل اعتقاله باطلًا. كما إن هذا الاعتقال يمثل خرقًا لحقوقه كمواطن سنغالي، وخرقًا لحقه في الدفاع عن نفسه، ورفضًا سنغاليًا للخضوع للقانون الدولي، وتوجيهًا لتهم بالإثراء غير المشروع من دون أي دليل دامغ.

محكمة باطلة
يقول التقرير إن ملاحقة كريم واد ليست مالية، ولا قضائية، وإنما هي سياسية بامتياز، لما يشكله هذا الرجل من تهديد سياسي لحكم الرئيس السنغالي الحالي ماكي سال.

وفي تفصيل قانوني، يوضح التقرير أن محكم الإثراء غير المشروع في السنغال هي محكمة خاصة، تشكلت في 10 تموز (يوليو) 1981، بمقتضى القانون رقم 81-54، ثم جرى إلغاؤها في 12 شباط (فبراير) 1984، بمقتضى القانون رقم 84-19، مع الإصلاحات القضائية التي أقرّت حينها.

إلا أن الرئيس ماكي سال ظن أن بمقدروه إعادة إحياء هذه المحكمة بمرسوم جمهوري أصدره في العام 2012، بعد أشهر قليلة من توجيه السلطات السنغالية التهم بالفساد لكريم واد. لكن مرسومًا جمهوريًا لا يبطل قرارًا قضائيًا، وفق الدستور السنغالي.

وفي 2 تشرين الأول (أكتوبر) 2012، وجه المدعي العام الخاص في محكمة الاثراء غير المشروع تهمًا بالفساد لكريم واد. فتوجه هذا إلى المحكمة السنغالية العليا، بحجة بطلان المحكمة الخاصة للإثراء غير المشروع. وفي 22 شباط (فبراير) 2013، قضت المحكمة الخاصة في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ببطلان ملاحقة واد، ودعت السنغال لاحترام القوانين المحلية والدولية، والامتناع عن انتهاك حقوق مواطنيها.

انتهاكات للقانون
في 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2013، انقضت أول مدة حجز احتياطي بحق كريم واد، فجددتها المحكمة الخاصة للإثراء غير المشروع ستة أشهر أخرى، بالرغم من أن هذا التجديد ينافي القانون السنغالي. إلا أن هذه المحكمة مصرّة على محاكمة واد بتهمة اختلاس نحو مليار يورو من خزينة الدولة، حين كان وزيرًا في حكومة في عهد والده عبدالله واد.

حاول كريم واد الاعتراض على قرار حجزه الاحتياطي مرتين، أمام قاضي المحكمة الخاصة للإثراء غير المشروع، فذهبت جهوده أدراج الرياح، حتى اعترض أمام المحكمة العليا، فقدمت هذه المحكمة اعتراضه أمام المجلس الدستوري، الذي صدم الجسم القضائي كله بالموافقة على الإجراءات التي اتخذتها المحكمة الخاصة للإثراء غير المشروع ضد كريم واد، معارضًا في قراره كل القوانين المرعية الإجراء دستوريًا في السنغال.

ما زاد الطين بلة هو أن المدعي العام التمييزي في السنغال أبطل قرار المحكمة العليا، التي كانت أبطلت بدورها الأحكام الابتدائية من المحكمة الخاصة للإثراء غير المشروع ضد كريم واد، ما يوحي بتسييس القضاء، ليقطع الرئيس السنغالي الطريق على المحكمة العليا، من أجل وأد أي قرار مبرم قد يبطل القضية المرفوعة من الدولة السنغالية على كريم واد.

لجوء إلى البنك الدولي
ويخلص التقرير إلى أن محاكمة كريم واد أمام المحكمة الخاصة للإثراء غير المشروع تنتهك المعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية، والإعلان الدولي لحقوق الإنسان، واللائحة الأفريقية لحقوق الإنسان، وهي معاهدات دولية وقعت عليها السنغال.

من ناحيتهم، يلجأ محامو كريم واد إلى البنك الدولي، الذي يعتمد على برنامج "ستار"، المخصص لاسترجاع أرصدة منهوبة، خصوصًا أن السنغال من بين الدول التي تعترف بهذا البرنامج. فهؤلاء المحامون يطلبون من البنك الدولي البحث عن الأرصدة التي تتهم السلطات السنغالية واد باختلاسها، إذ هو الوحيد القادر على العثور عليها، إن وجدت، وهو الوحيد القادر على إنباء الحكومة السنغالية بوجودها أو بعدم وجودها.

ويؤكد محامو واد أن الصراع اليوم يدور بين ماكينة الرئيس ماكي سال المصممة على تجريم واد من دون وجه حق، وبين القضاء السنغالي الذي يحاول الابتعاد عن المرامي السياسية، خصوصًا أن سال يسعى جاهدًا إلى منع كريم واد من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.

لوبي في فرنسا
من جانبها، تتهم الحكومة السنغالية محامي كريم واد بالتماس دعم الدبلوماسية الفرنسية بشكل غير مشروع، لكي تضغط على السلطات القضائية السنغالية لإطلاق سراح واد من حجزه الاحتياطي.

وتقول مصادر مقربة من الحكومة السنغالية إنها قدمت شكوى ضد واد في باريس، تتهمه بالإثراء غير المشروع، لكن محامي واد آثروا أن يترافعوا في القضية بتكتم وسرية تامة أمام المسؤولين الفرنسيين، علهم يتمكنون من تأليف لوبي فعال، يتمكن من الضغط على القضاء السنغالي، وهذا لم لم يحصل.

وأضاف المصدر أن بيير أوليفييه سور، مستشار أنجال الرئيس السنغالي السابق عبد الله واد، طلبوا موعدًا في كي دورسيه مع ألكسندر زيغلر، مدير مكتب وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، من أجل كسب تأييد رئيس الدبلوماسية الفرنسية، والضغط على السلطات السنغالية، لتوافق على تنازلات معينة في القضية، على رأسها الإفراج عن كريم واد، المتهم بالفساد والإثراء غير المشروع.

غير أن ناطقًا بلسان كي دورسيه اكد أن التعاون الفرنسي في هذه القضية يتم في أقل مستوى، وفي الحدود التي يسمح بها القضاء، مع الاحترام الكامل للسلطات القضائية في الدول الأخرى.

&