أثبتت الأحداث الخطيرة التي تشهدها الساحة العراقية حقيقة مفادها أن "الترياق لا يأتي إلا من العراق"، أي أن لا حلول للأزمات في المنطقة ما لم تحل الأزمة العراقية التي كانت "مبتدأ" كل ما جرى ويجري وخبر إنهائه سيأتي منه.
بيروت: يقول متابعون لأوضاع المنطقة منذ عشرات السنين لـ"إيلاف"، إن منشأ الفتنة المذهبية، حتى في أيام "الحرب المذهبية الباردة"، إذا جاز التعبير، كان بلاد الرافدين، لأنها البلاد الأكثر تماسا واختلاطا بين المسلمين أتباع المذهبين السني والشيعي، فضلاً عن احتضانها مقامات مجموعة من أئمة الشيعة والذي جعل أبناء المذهب الشيعي أكثرية سكان بلاد ما بين النهرين.
ولا يفصل هؤلاء المتابعون للشأن الإقليمي ما يجري من أحداث خطيرة على الساحة العراقية عما يطبخ دولياً من اتفاقات وحلول لأزمات الإقليم انطلاقا من "الاتفاق الشامل" على الملف النووي الإيراني الجاري العمل على إنجازه حالياً بين الدول الغربية وإيران لأن هذا الملف كان أحد دوافع طهران إلى توسيع نطاق تدخلها ونفوذها في المنطقة هادفة من خلال كل ذلك إلى جذب المجتمع الدولي إلى التسليم بحقها في امتلاك التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية، وربما لأغراض عسكرية حسبما يتهمها بعض الدول الغربية وإسرائيل.
ولذلك، جاء تفجر المشهد العراقي عسكرياً من خلال "الاجتياحات السهلة" والسريعة التي ينفذها تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" (داعش) منذ أيام وتركزت في منطقة الأنبار ذات الغالبية السكانية السنية وبعض المناطق الجغرافية الأخرى اللصيقة بها والمحاذية للحدود العراقية مع إيران، وذلك في تطور يشير إلى إحداث فصل جغرافي بين أجزاء ما سمّاه ملك الأردن عبدالله الثاني قبل سنوات "الهلال الشيعي" الممتد من إيران إلى العراق فسوريا ولبنان وصولاً إلى فلسطين.
ورغم أن الإيرانيين يؤكدون أن ما يجري في المنطقة من نزاعات لا يرتبط أبدا بملفهم النووي ومفاوضاتهم في شأنه مع الدول الغربية، فإن كل الوقائع الجارية تؤكد وجود مثل هذا الارتباط، أو على الأقل، أن خصوم إيران يريدون إيجاد مثل هذا الارتباط لدفعها إلى تقديم تنازلات على مستوى نفوذها الاقليمي مقابل ما ستأخذه في ملفها النووي.
&
وطالما ان الفتنة بدأت أصلا في العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين بفعل الاجتياح العسكري الاميركي - الغربي للعراق عام 2003، بعد سنوات من القصف الجوي والبحري الصاروخي التدميري للقوى العسكرية العراقية ومواقعها وبناها الفوقية والتحتية والتكنولوجية وغيرها، فإن ما يجري في العراق هو محاولة لتحقيق سلطة متوازنة لأن عددا من المكونات السياسية العراقية السنية بالدرجة الاولى والشيعية يعارضون سياسة المالكي ويعتبرون انه تحول "صدام حسين" آخر في العراق، وان النظام الديمقراطي الذي وعدت الولايات المتحدة الاميركية بالمساعدة على إقامته في العراق، ويكون مثالاً يحتذى في المنطقة ما زال وعدًا، وكأنه محكوم على العراقيين بأن يعيشوا دوما تحت حكم الحديد والنار وسفك الدم.
&
وحسب المعلومات فإن المالكي يتحمل المسؤولية الاولى عما يحصل حالياً في العراق، أولاً لأنه رفض الدعوات الداخلية والخارجية التي وجهت اليه، ومنها دعوة سعودية، إلى تأليف حكومة وحدة وطنية تجمع كل المكونات السياسية من دون التمسك بحكم الاكثرية كون ائتلاف "دولة القانون" الذي يرأس قد فاز بأكثرية المقاعد في البرلمان العراقي في الانتخابات الاخيرة.
وفيما يستند المالكي إلى تحالف مع إيران، فقد فسر تمسكه بحكومة الأكثرية على أنه منسق مع إيران، ولذا يبدو أن الحرب التي بدأها "الداعشيون" وحلفاؤهم عليه تستهدف إيران أيضا بغية تقليص نفوذها في الساحة العراقية وقطع تواصلها الجغرافي مع سوريا فلبنان، أي كسر "الهلال الشيعي" في حلقته العراقية بما يعزز مواقف دول الخليج وحليفتها الدول العربية في المفاوضات على مستقبل المنطقة والادوار الاقليمية لدولها وفي مقدمها الدولتان الاقليميتان العظيمتان المملكة العربية السعودية وايران.
&
ويقول مرجع سياسي لبناني كبير لـ"إيلاف" ان احد اهداف الحرب الدائرة في سوريا وعليها كان تفكيك اواصر "الهلال الشيعي" بتعطيل الحلقة السورية فيه بما يقطع تواصل ايران الجغرافي بها وتلقائيا ايضا بلبنان اللصيق بسوريا، ولكن التقدم العسكري الميداني الذي حققه النظام السوري في الاشهر الاخيرة احبط هذا الهدف فاستبدله اصحابه بالهدف العراقي آخذين في الاعتبار أن العراق كان باب ريح الفتنة المذهبية التي تنتشر في المنطقة وينبغي إقفاله حتى يتم إنهاء هذه الفتنة، وأنه كان أيضا البوابة الجغرافية التي تسلل منها النفوذ الإيراني إلى المنطقة العربية، ولا بد من إقفالها ايضاً. والإقفال في الحالتين لا يكون إلا بحكومة وحدة وطنية تضم كل المكونات العراقية، تقبل بها إيران وتطلب من حليفها المالكي السير بها.
&
التعليقات