تراجعت تركيا عن معارضتها اقامة دولة كردية مستقلة في العراق، بعدما كانت تخشى ذلك طوال عقود. وهي أقامت تحالفًا مع الأكراد لمواجهة الاسلاميين، والدفاع عن مصالحها في كردستان العراق.
أنقرة: أطلق رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، الذي خرج عن سياسة اسلافه القائمة على الاعتماد على الجيش الذي كان يتمتع بنفوذ واسع، عملية سلام مع المتمردين الاكراد في تركيا، وشجع على اصلاحات للحد من التمييز ضد الاكراد.
ويأمل أردوغان، المرشح للانتخابات الرئاسية المقررة في 10 آب (اغسطس) المقبل، كسب التأييد داخل الاقلية الكردية المقدر عددها بنحو 15 مليون نسمة، غالبيتهم في مناطق فقيرة بجنوب شرق البلاد. وقال بلغاي دومان، الخبير بشؤون العراق في مركز الدراسات الاستراتيجية حول الشرق الاوسط ومقره انقرة: "المناداة بوحدة اراضي العراق لم يعد يخدم مصالح تركيا، التي تدرك أن العراق لا يمكن ان يظل موحدًا".
اضاف: "ليس لتركيا حليف افضل من الاكراد في المنطقة، فقيام دولة كردية مستقلة يشكل منطقة عازلة لمواجهة التهديد الاسلامي".
ليسوا موحدين
تزايدت مخاوف أنقرة بشكل كبير عندما استولى مسلحو الدولة الاسلامية على مناطق واسعة في شمال العراق، واعلنوا اقامة خلافة اسلامية انطلاقًا من اراضٍ استولوا عليها في العراق وسوريا. وطلب رئيس كردستان العراق مسعود بارزاني من برلمان هذه المنطقة، التي تتمتع بحكم ذاتي، تنظيم استفتاء حول الاستقلال، يفسح في المجال أمام تقسيم العراق.
وقال دومان إن تركيا لم تعد تخشى أن تؤدي مطالب أكراد العراق بالاستقلال إلى اقامة كردستان كبيرة، "لأن أكراد المنطقة ليسوا موحدين". كما تحمل تصريحات ادلى بها حسين جليك، المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، لصحيفة فايننشال تايمز، على الاعتقاد بأن تركيا ستقبل بإقامة دولة كردية مستقلة في شمال العراق.
يتميزون بلغتهم وثقافتهم
غالبية الاكراد في الشرق الاوسط مسلمون سنة، يقدر عددهم بين 25 و35 مليون شخص، ويتميزون بلغتهم وثقافتهم عن الاتراك والفرس والعرب. وعليه، يعتبرون تهديدًا للدول الاربع الرئيسية التي يقيمون فيها، وهي ايران وسوريا وتركيا والعراق.
إلا أن الاكراد الاتراك بدأوا يحصلون على حقوق ديموقراطية منذ وصول اردوغان إلى الحكم قبل 11 عامًا. وهو دعا حزب العمال الكردستاني الى محادثات لوضع حد للنزاع الذي اوقع 45 ألف قتيل.
واقترحت الحكومة التركية الاسبوع الماضي اصلاحات لتحريك المحادثات المتوقفة مع الاكراد. وكان حزب العمال الكردستاني بدأ حركة تمرد مسلحة في العام 1984، بهدف إقامة دولة كردية مستقلة، إلا انه عدل عن ذلك لاحقًا مكتفيًا بالحصول على حكم ذاتي واسع للاكراد.
علاقات تجارية متينة
قال هيو بوب، من مجموعة الازمات الدولية: "تركيا بلد مختلف جدًا عن العراق، أقله لأن حزب العدالة والتنمية يسيطر على قرابة نصف اصوات الاكراد، بما في ذلك جنوب شرق البلاد ذي الغالبية الكردية، وأيضًا لأن قرابة نصف الاكراد في تركيا يقيمون في غرب البلاد".
أضاف: "هناك فرص كبيرة لأن يؤدي برنامج ديموقراطي عادل يقوم على نوع من اللامركزية المنظمة في البلاد الى الحفاظ على وحدة اراضي تركيا وازدهارها". كما اقامت تركيا علاقات تجارية متينة مع كردستان العراق منذ بضع سنوات، وهو سبب اضافي يحول دون معارضة انقرة كما في السابق إقامة دولة كردية مستقلة في العراق، بحسب الخبراء.
وفي أيار (مايو)، بدأت تركيا بتصدير نفط كردستان العراق إلى أسواق دولية، ما أثار استنكارًا شديدًا من قبل الحكومة المركزية في بغداد. واعتبر دومان: "ليس من مصلحة أردوغان أن يثير عدائية أكراد شمال العراق، لأنه بحاجة اليهم من أجل النفط والسلع التي يصدرها اليهم".
وبات العراق السوق الثانية للصادرات التركية ويشكل 8% من مجمل مبيعاتها.
التعليقات